المحتوى الرئيسى

رحلة تحديث بطاقات التموين: زحام و«سيستم» معطل ومشاجرات أمام مكاتب البريد

05/17 10:10

وجوه شاحبة يبدو عليها التعب والإرهاق، جاء أصحابها من مناطق مختلفة إلى مكاتب البريد لتحديث بيانات بطاقاتهم التموينية قبل انتهاء المدة المحددة من قبَل الوزارة، وبرغم إعلان الحكومة إمكانية تحديث البيانات على الإنترنت، إلا أن مكاتب البريد المختلفة شهدت زحاماً شديداً من قبَل المواطنين ليتراصوا صفوفاً طويلة تحرقها أشعة الشمس، حيث رصدت جولة لـ«الوطن» على مكاتب البريد المختلفة المعاناة التى يعيشها المترددون عليها من أصحاب البطاقات الذكية الراغبين فى التحديث، فتجد مكاتب بريد تعلو بها الأصوات خلافاً على «مين اللى عليه الدور»، ومكاتب أخرى أغلقت «شبابيكها» الضيقة فى وجه أصحابها، تاركة المواطنين يلهثون وراء تحديث بطاقاتهم التموينية.

«الجهاز مش شغال.. حدثوا على النت»، جملة قصيرة قالها أحد الموظفين بمكتب بريد منطقة البدرشين بالجيزة، قبل أن يغلق الشباك، تاركاً طابوراً طويلاً من أهالى البدرشين والقرى المجاورة يتساءلون عن بدائل التحديث اليدوى وكيفية تنفيذها خوفاً من إيقافها بعد انتهاء المدة المحددة.

«إسماعيل»: رجعونى علشان أدبس الورق.. و«عزمى»: قررت أبات أمام البريد علشان ألحق دور.. و«فردوس»: وقفنا من الفجر والآخر قالولنا الجهاز عطلان

فى نهاية «طابور» السيدات وقفت «سعدية عبدالفتاح»، ربة منزل، حائرة، تسأل من حولها عن سبب إغلاق الشباك ومتى سيتم فتحه؟ إلا أنها لم تتلق الإجابة التى تطمئن قلبها، الأمر الذى دفعها للاقتراب من «شباك» مكتب البريد، لتصطدم بعدد من السيدات حضرن قبلها منذ شروق الشمس، مثلها تماماً انهرن من صدمتهن بأن الجهاز مُعطل، لتقف السيدة الأربعينية مكانها تندب حظها السيئ مع تحديث البيانات منذ 3 أسابيع.

جاءت «سعدية» من قرية «ميت رهينة» بعدما أخبرها أحد الموظفين بمكتب البريد التابع لقريتهم بأنها لن تتمكن من تحديث بيانات البطاقة سوى فى مكتب بريد البدرشين: «رُحت المكتب اللى عندنا من 3 أسابيع قالولنا التحديث فى البدرشين، فجيت على هنا لكن رفضوا إنهم يحدثوها والموظف قالى لو فيه حد جاب ليا دوسيه من أى مكتب بريد غير البدرشين هقطعه»، لتغادر حينها السيدة الأربعينية مكتب البريد متجهة إلى قريتها لا تعرف مصيرها، فلم يكن أمامها سوى الانتظار: «استنيت أسبوع ورُحت أسأل عندنا، قال لى روحى البدرشين لأن التحديث مش هيكون غير هناك، ومن ساعتها كل يومين باجى من 4 الفجر عشان أحجز مكان وأقدر أسجل لكن بسبب الزحمة وسوء التنظيم مش بنلحق»، وتواصل «سعدية» حديثها بنبرة غاضبة، قائلة: «يرضى مين كل يوم نسيب عيالنا لوحدهم عشان بس نستلم ورقة».

لم يختلف الوضع كثيراً مع «عزمى رمضان»، موظف، بعد أن بات ليلته أمام شباك مكتب البريد، أملاً فى تحديث بياناته هذه المرة، لفشله فى المرات السابقة: «جاى من الساعة 2 بالليل، وفضلت طول الليل نايم قدام مكتب البريد عشان أبقى أول واحد يسجل وميحصلش معايا زى كل مرة لكن محدش بيقدر ده». يتأفف الرجل الأربعينى ويزيل عرقه بإبهامه ويزيح ياقة قميصه بعيداً عن رقبته، ويقول بنبرة عالية: «دى مش طريقة يعاملونا بيها، المفروض قبل ما يطلبوا تحديث البيانات يكونوا مجهزين كل حاجة، مش بعد ما نقف طوابير بالساعات فى وسط الشارع يقولولنا روحوا».

ليغادر «عزمى» مكتب البريد، مردداً: «حسبى الله ونعم الوكيل، بعد كل الوقفة دى يقفلوا الشباك فى وشنا ويقولولنا الجهاز مش شغال، مش ده المفروض مكتب البريد اللى كل الناس المفروض تحدث فيه؟ ليه مش عاوزين يخلصوا لينا الورق؟ ده الواحد سايب شغله ومصلحته بقاله يومين ومش قادر يروح وييجى كل يوم».

بوجه يبدو عليه التعب، جلست «فردوس حنا»، 60 سنة، على أحد الأرصفة المقابلة لمكتب البريد، بعد أن أعياها الانتظار والوقوف بالمكتب أكثر من 5 ساعات، تقول: «جيت هنا من أسبوع وبعد ما وقفت فى طابور طويل، الموظف قال لى ناقص صورة بطاقة التموين روحى صوريها، بعد ما صورتها رجعت وقفت فى الطابور من أول وجديد ولما جه الدور عليا، قالولى خلصنا النهارده تعالى بكرة». وتتابع السيدة الستينية حديثها بصوت خفيض يملأه الحسرة، قائلة: «بقالى 5 أيام باجى كل يوم وماعرفش أحدث البطاقة، فجيت النهارده من 5 الفجر وكنت رقم 11 لكن فوجئت بعد ما أخدوا ورق فردين إن الجهاز اتعطل ومفيش تحديث البيانات، ومن بعدها قفلوا الشباك وسايبين الناس فى الشمس دى لحد ما هيجرالنا حاجة». مع دقات الساعة التاسعة صباحاً، توجه «أحمد فوزى» إلى مكتب البريد بمنطقة بولاق الدكرور، الذى لا يبعد عن مكان عمله، بعدما استأذن من صاحب المحل الذى يعمل فيه وحصل على إذن منه ساعتين «بالعافية»، كما يقول «فوزى»، على أمل أنه يُنهى تحديث بطاقته التموينية بعدما استخرج كافة الأوراق التى طلبها منه «موظف» البريد فى المرات السابقة: «دى تالت مرة آجى المكتب وفى كل مرة يقولوا فيه ورق ناقص، واضطر أرجع عشان أعملها».

يحكى «فوزى» معاناته التى وصفها بـ«المرمطة»، قائلاً بنبرة غاضبة: «كنت مسجل بيانات الاستمارة باسم والدتى لأن والدى اتوفى من 8 شهور لكنهم طلبوا منى إنى أكتبها باسم والدى ولما سألتهم مين هيمضى الإقرار وهو ميت قالولى ارجع مكتب التموين تانى، وهناك قالولى خد شهادة الوفاة وروح مكتب البريد»، مضيفاً: «بعد ما خلصت من مشكلة أبويا، رُحت عشان أحدثها قالولى لازم تجيب آخر وصل كهربا دفعته لأن الوصل اللى معاك ده من 3 شهور، بعد ما وقفت فى طابور طويل أكتر من 4 ساعات، وجيت للمرة التالتة عشان أخلصها».

وعلى بعض خطوات من مكتب البريد، جلس «محمود على»، بائع، يريح قدميه من طول الانتظار، مرتدياً جلباباً واسعاً، ترافقه زوجته التى جاءت خصيصاً لتسانده بعدما أغمى عليه فى المرة الأولى من شدة الزحام، يقول: «عندى القلب ومفيش مراوح جوه فاتخنقت وأغمى عليا وما عرفتش أخلص الورق، فجيت النهارده عشان أعمله قبل رمضان». يشكو الرجل الخمسينى، الذى جاء للمرة الثانية لمكتب البريد، من سوء معاملة الموظفين، بالإضافة إلى سوء التنظيم داخل المكتب الذى تسيطر عليه «العشوائية»، على حد تعبيره: «بعد ما وقفت فى الطابور، رجعونى عشان محتاجين دوسيه أحط الورق جواه، رغم إنه مالهوش لازمة ومجرد ما بياخدوه بيحطوه على جنب والورق على جنب»، ويتابع «على» حديثه: «اضطريت إنى أسيب الطابور وأروح أشتريه، ولما رجعت كانت الدنيا زحمة أكتر ومستحملتش الخنقة ووقعت من طولى»، والتقطت زوجته الملتحفة بالسواد الحديث منه، قائلة: «حاولنا نسجل من على النت أكتر من مرة لكن ما عرفناش، وفى مكتب التموين قالولنا إن آخر ميعاد آخر الشهر، وجينا من الصبح عشان نلحق قبل الزحمة بس جوزى تعب فطلعنا علشان يشم هوا وسبت بنتى جوه تحجزلنا المكان».

وأمام مكتب البريد بمنطقة الدقى، وقف «إسماعيل أحمد»، ميكانيكى، منتظراً دوره الذى لم يأت بعد، رغم وجوده بالمكتب منذ الصباح الباكر، يروى معاناته التى يعيشها منذ إعلان تحديث البيانات، إذ بدأت رحلته عندما أراد إضافة ابنته التى تجاوز عمرها الـ9 سنوات إلى بطاقته التموينية: «بقالى 6 شهور بحاول أضيف بنتى على البطاقة ورُحت مكتب التموين قالى ضيفها على النت وفعلاً ضفتها ورُحت أصرف التموين فى الشهر اللى بعده لقيت السلع زى ما هى فقلت لهم إنى ضفت فرد على البطاقة قالولى لأ مفيش زيادة فى عدد الأفراد».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل