المحتوى الرئيسى

غسان الإمام يكتب: التجاوب العربى مع التكامل السعودى المصرى | المصري اليوم

05/17 01:16

نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط»

المملكة العربية السعودية ومصر لهما اهتمامات أوسع من اهتمام أى نظام عربى فى الرؤية والمسؤولية، فمع انتقال الثقل العربى السياسى والمادى إلى الخليج، باتت السعودية- فى التقدير العربى والتعامل الدولى- كبرى الدول العربية فى النفوذ والتأثير.

فى تخطيط التكامل المصرى- السعودى، احتفظ العاهل السعودى، سلمان بن عبدالعزيز، لمصر بمكانتها العربية والإقليمية، باعتبارها كبرى الدول العربية فى الكثافة السكانية (90 مليون إنسان)، ولتاريخها السياسى الحديث المتداخل مع تاريخ الخليج والمشرق العربى، منذ جمال عبدالناصر.

فى الصراع بين النظامين الملكيين العراقى والمصرى على النفوذ فى المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، تركت السعودية لمصر وجاهة التفاخر بتأسيس جامعة الدول العربية، ثم سلّمت بفوز مصر بالوحدة مع سوريا، كأمر واقع. ولا يمكن نسيان الدور القومى المشرف للعاهل السعودى، فيصل بن عبدالعزيز، فى مصالحة جمال عبدالناصر بعد هزيمة النكسة (1967)، فشاركت السعودية فى تمويل إعادة بناء القوة العسكرية المصرية، التى ألحقت هزيمة مريرة بإسرائيل، باستعادتها قناة السويس (1973). ارتكب الرئيس السادات خطأ استراتيجيا كبيرا فى الانسحاب من العرب، ثم نشأت علاقات صداقة شخصية وثيقة بين الرئيس حسنى مبارك وزعماء الخليج، مع إعادة مصر إلى العرب والعروبة، من دون اتِّباع دبلوماسية عبدالناصر الشعبية، فلم يتجاوز مبارك كيان أى دولة عربية، وسيادتها، وشرعية نظامها، وصولا إلى إثارة مجتمعها.

كان لابد من تغيير نظام الشيخ محمد مرسى «الإخوانى»، الذى تطاول على التعددية الحزبية، وعلى نهج قرنين من الزمان لزواج الأصالة والمعاصرة فى الثقافة المصرية. وبات التغيير مُحَتَّما، بعد رفض المصريين الانسحاب من العروبة، والتنسيق «الإخوانى» المشبوه مع النظام الإيرانى فى صميم المنطقة العربية.

ولولا تأييد المجتمع المصرى لما نجحت المؤسسة العسكرية المصرية، بقيادة عبدالفتاح السيسى، فى تغيير النظام «الإخوانى» (2013). وعاد صندوق الاقتراع إلى إقامة نظام انتخابى شرعى، من دون الفوضى التى تصاحب أحيانا ديمقراطية الحرية.

ركز الرئيس السيسى جهد نظامه على الإصلاح الاقتصادى، لأنه أساس الاستقرار السياسى والازدهار الاجتماعى فى أى بلد فى العالم. وتجاوبت دول الخليج، وفى مقدمتها السعودية، مع دعوته لها إلى تمويل اقتصاد مصر والاستثمار فيه. وكان توجه السيسى إلى عرب الخليج مصداقا لاعتقاده بأن التمويل العربى يجب أن يسبق التمويل الدولى بشروطه القاسية فى فرض التقشف على الميزانية المصرية، التى تنوء بفعل الدعم الحكومى المالى لأسعار السلع الشعبية الضرورية.

الجيش المصرى ليس الجيش السورى، فهو نتاج مؤسسة مصرية عريقة متداخلة فى صميم المجتمع المصرى، بمؤسساتها الحربية، والاقتصادية، والإنتاجية للسلع الشعبية الرخيصة. الجيش المصرى مؤسسة وطنية مستقرة، وليس مؤسسة انقلابية مشبوهة كتلك التى تقصف شعبها فى سوريا، وتسلم ميدانها العسكرى إلى كل مَن هبّ ودبّ من مرتزقة إيران فى لبنان والعراق وأفغانستان، الذين يذبحون السوريين، برضا وتسليم من نظام بشار الأسد.

من البديهى أن أى تعاون جاد بين الدول العربية يتجاوز العلاقة الدبلوماسية العادية إلى تكامل سياسى لابد أن يتعرض فى التفاصيل إلى عنعنات الخصوصية المحلية، التى حاولت عرقلة التكامل بين السعودية ومصر.

كان الفضل لوعى العاهل السعودى، سلمان بن عبدالعزيز، فى تجاوز سلبية هذه الخصوصية، ومواصلة التكامل السياسى والاقتصادى مع نظام السيسى. لا أسمى التكامل «محورا» كذاك الذى كان قائما بين مصر والسعودية وسوريا، فلم يكن «حلف» الأسد الأب مع إيران يتطاول على «محوره» الأخوى مع العرب.

غدرت غفلة الابن بذكاء الأب، فقوَّض بشار «المحور» العربى الثلاثى، باستسلامه لمصالح إيران المذهبية والمصلحية فى المنطقة العربية. فى المقابل، تم تصعيد التكامل السعودى- المصرى ليؤدى دوره القومى فى مواجهة العدوان الإيرانى على استقلال العرب، وتهديده النسيج القومى والدينى للمجتمعات العربية فى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والخليج.

هناك مَن يتهم النظام المصرى ظلما بالتقصير فى أداء دوره العربى! أعيد ذلك إلى متاعب مصر فى معالجة وضعها الاقتصادى المزمن، وسلبية «الإخوان» التى أدت إلى تجنيد علاقتهم الممتازة مع تركيا وقطر ضد مصر السيسى. هذه السلبية ما لبثت أن حفّزت التنظيمات المتزمتة المقيمة لدى «حماس الإخوانية» فى غزة على التسلل المسلح فى سيناء. وأتمنى أن يكون انسحاب «حماس» من «الإخوان» حقيقيا، فتضع حدا لوجود تنظيمات العنف الدينى فى غزة.

نظام أردوغان التركى ليس معاديا للعرب. التدخل التركى فى سوريا والعراق يراعى مصلحة الكتلة العربية (السنية) المهددة بالتفتيت، والتقسيم، والتجزئة. إنها روسيا التى تحجب التكامل السعودى- المصرى عن أداء دوره القومى فى حفظ عروبة سوريا من مشاريع التوطين الإيرانية، وعن حماية الجناح الشرقى للأمة العربية، الذى لم يعرف نظام صدام بعناده وجهله الدفاع عنه، بمصالحة مشتركة مع شيعة العراق وأكراده، تسبق الغزو الأمريكى المدمر لعروبة العراق، وتسليمه لإيران.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل