المحتوى الرئيسى

أحلم بمشاركة وحيدة في انتخابات قبل أن أموت

05/15 11:09

يضربون المثل بنبي الله أيوب -عليه السلام- في صبره على مرضه وفقره أكثر من 18 عاماً، وتناسوني في صبري على مَرضي وعلة وطني وأسقطوني من حساباتهم رغماً عني وقتلاً لضمائرهم، فإن كان أيوب قد صبر ما يقارب عقدين من الزمن على مرضه فأنا صابر طوال عمري على مَرضي بحلم المشاركة في انتخابات بوطني ولو لمرة واحدة، قبل أن يُقدر لي مفارقة الحياة.

حلم المشاركة في الاقتراع لازمني منذ طفولتي، فقد بنيت عليه مستقبلي كاملاً؛ لأنني حينها سأكون متمتعاً بحق المواطنة كاملاً في وطن حر، ولي حق اختيار من يمثلني تشريعياً دون تزييف لصوتي، واختيار من يدير شؤوني تنفيذياً من دون ضغوط سلطوية، فهذا هو كارت العبور الأعظم الوحيد لي من نفق الصراع مع السلطويين وحياة البؤس والعبث التي فرضوها عليّ كرهاً إلى حياة امنة طبيعية ومستقرة، وما زلت أحارب لأجله.

المشاركة في انتخابات تشريعية وتنفيذية منضبطة خالية من حنجورية الفاشية باسم الوطنية والفاشية باسم الدينية، وخالية من المال السياسي، والمقايضة على الأصوات بالسلع الغذائية، والاجتهاد في سبيل صناعة مناخ سياسي منظم مفتوح وحر تُحترم فيه حرية الفكر والإبداع والرأي، يتغذى على الوعي الشعبي وليس على احتياجات البسطاء، ويحافظ على أصحاب البرامج الانتخابية ويحميهم من همجية السلطوية الأحادية والمال السياسي، ويُقيمهم من خلال كفاءة البرامج وأولوية محتوياتها.

وهدم مُؤَمِّمة السلطوية الانتخابية حلماً مشروعاً واغتياله جريمة، فلا يوجد مجتمعات تقدمت بمؤسسات كرتونية، تدار من داخل الأنظمة الحاكمة، بينما المجتمعات التي اختارت ممثليها بإرادة حرة عبر اقتراع نزيه أصبحت في مقدمة الأمم، فلماذا تريدوني أن أكره الخير لوطني وأشارك في هلاكه؟!

فأنا لم أشعر بأنني شاركت في أي انتخابات سابقة؛ بسبب عدم تقديم ضمانات التنافسية المنضبطة، وأيضاً عدم وجود منظومة عادلة تفصل بين المتنافسين بالعدل، وتترك للصندوق المغلق رأيه وإفرازه دون تدخُّل فوقي أو مالي، وتتمسك بنزاهة العملية الانتخابية كاملة حتى انتهائها، لتُشعرني بأن صوتي ذهب في مساره كما أردت أنا توجيهه، وليس كما أراد توجيهه صاحب القوة أو صاحب المال؛ لضمان اكتمال التحول الديمقراطي بمفهومه الصحيح، وكذلك لأنني لم أجد البيئة الإعلامية المهنية التي تحترم قواعد المهنة وشرفها، وتعرض وجهات النظر والأفكار كما هي وليس تشويه هذا وتخوين ذاك وشيطنة المخالف لها، وتتجيَّش لممثليها فقط.

فأنا لست أحلم بمزيد من الانتكاسات لوطني، أنا فقط أحلم بانتخابات يذهب فيها المواطنون إلى من يرونهم أهل كفاءة وقادرين على إحداث تغيير سياسي وتحقيق تقدُّم للوطن ويستدعونهم لترشيح أنفسهم، لعل الجميع يعلم أن المناصب تكليف وليست تشريفاً، وفي أثناء التصويت يذهبون للجان الاقتراع من تلقاء أنفسهم، وأرى فيها طوابير الناخبين والزحام من الصباح إلى المساء كما أرها اليوم أمام المخابز ومنافذ السلع الغذائية، ولا ينتظرون مقابلاً مادياً، أو سيارة المرشح التي تنقلهم للجنة الاقتراع، أو تعهدات بتحقيق مصالح شخصيةح بل يسعون لوضع كل فرد في المجتمع في مكانه الصحيح.

لم أحلم بانتخابات أرى فيها المرشحين يسوّقون لأنفهسم بلافتات في الشوارع لا تأخذ اهتماماً أكثر من أصحاب البيت المُعلّقة عليه، ينتظرون انتهاء الانتخابات ليستولوا على اللافتات ويصنعوا منها فراشاً لطاولة الأكل، أو ربما لا ينتظرون الانتهاء من الانتخابات! ويعقب ذلك المشهد العبثي، لجان اقتراع خاوية وناخبون لم يظهروا إلا عند إعلان النتائج.

أحلم بالمشاركة في انتخابات وسط بيئة تشريعية نقية تشرف عليها منظومة قضائية عادلة تعطي لكل ذي حق حقه، ولا تجور على أحد، وتحترم حق المواطن في اختياراته وتتركها تذهب لمن وثق بهم، ولا تؤمِّم سلطة الشعب لصالح النظام الحاكم، وتلتزم بضوابط الضمير تجاه عملها، لا أحلم بانتخابات يحسمها المسؤولون عن إدارتها قبل بدء الاقتراع.

من العبث بعقلي أن يطلب مني أحدهم أن أشارك في أي انتخابات قادمة وأخوض معركة تنافسية جديدة في المناخ السياسي العام الموجود نفسه بالمعطيات السابقة نفسها، لأحصل على النتائج نفسها التي حصلت عليها سابقاً، فأنا لست بهذا الكم من الغباء الذي يجعلني أستنسخ الخطأ مرتين، وأراهن على أمانيّ لم يتأسس قواعدها بعدُ، وأكون مجرد قطعة ديكور على مسرح يتم تفصيله لستر نظام حاكم تعرى لا يمثل فيه سوى من أراد أن يكون كومبارس.

فقط، أنا أحلم بانتخابات تُحترم مفهوماً، بجوهرها الأساسي الذي هو الشعب يحكم نفسه وهو مصدر السلطة، بهدف تسوية الصراعات السياسية والاجتماعية بطرق سلمية يفصل فيها العامة وليس النظام الحاكم، تتوافر فيها النية الحقيقية لتداول السلطة والتغيير السلمي لمراكز القوة؛ لتجنُّب الاصطدامات العنيفة بين المراكز والفئات والأفكار المختلفة التي تهلك الأوطان.

فغالبية الدول التي تُجري فيها الأنظمة الحاكمة الانتخابات لتحقيق مقاصد وأهداف سياسية نقيضة لمبادئ الانتخابات الديمقراطية، وتسعى لكسب شرعية حكم ديمقراطي زائفة هلكت فيها الأوطان في الصراعات التي تقوم بينها وبين فئات الشعب الأخرى على خلفية التلاعب في آلية الانتخابات والاستيلاء على الحكم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل