المحتوى الرئيسى

قانون الاستثمار جيد.. ولكن! | المصري اليوم

05/15 01:57

فى يونيو 1976 عقد المجلس الثقافى البريطانى فى القاهرة امتحاناً لدراسة دبلوم صحافة فى جامعة ليدز البريطانية العريقة فى يوركشاير.. تقدم حوالى مائة مرشح، وقع الاختيار على خمسة كنت آخرهم فى الترتيب.. سافرت وكلى آمال عريضة للحياة فى عاصمة غربية والأهم الدراسة فى مجال الاختصاص.. بدايه أقول لكم إن التعليم فى بريطانيا هو الأول- من وجهة نظرى- عالمياً وليست أمريكا أو اليابان.. أتذكر أول درس عملى حيث وقفنا أمام مقر جريدة التايمز التى ستصدر أول بوستر ملون فى تاريخ الصحافة الإنجليزية وكان عن نجم كرة القدم البريطانى الراحل جورج بست.. المهم أن الأسئلة اختبرت قوة الملاحظة لدى الطلبة.. فمن قال إنه يرتدى بدلة لأول مرة.. وآخر ذهب إلى أنه لم يحلق ذقنه وجاء الدور على فقلت إنه غير تسريحة شعره.. الموضة أيامها كانت تصفيفة شعر فرقة البيتلز «الخنافس» الموسيقية الشهيرة لكن هذا النجم المتمرد خرج عن المألوف..

التايمز باعت 3 ملايين نسخة يومها بسبب الصورة.. نعم كان التعليم ممتازاً.. لكن السكن الجامعى أرهقنا.. التدفئة ثلاث ساعات فى المساء يتفق الطلاب عليها.. الأنوار تطفأ الثامنة ليلا.. حياة أقرب إلى معكسرات التجنيد.. أنهينا الفترة وعدنا.. ومرت السنوات لأعود إلى لندن فى زيارة لثلاثة أيام عام 1986.. ليست هذه المدينة الضبابية التى كنت أصلها بقطار الضواحى فى العطلات.. الإعلانات مضاءة على أسطح البنايات.. الأسواق مزدحمة جداً.. العرب فى الشوارع الراقية.. الطوابير أمام محلات الأسطوانات والمسارح ودور السينما تؤكد أن البريطانيين صاروا أغنى من ذى قبل.. سألت صديقى المقيم هناك ويملك مطعماً شرقياً «هل توقف الإنجليز عن البخل؟» بابتسامة قال لا.. ولكنها عصا تاتشر السحرية..

أهم ما لاحظته أن 80% من الإعلانات لشركات أجنبية.. بنوك وإلكترونيات يابانية.. شركات بترول أمريكية وهولندية.. مؤسسات هندية وأفريقية.. تساءلت عن الهوية البريطانية التى كانت تقترب من حد الصلف والكبرياء وترفض أن يكون هناك صناعات منافسة للقلاع الإنجليزية العتيقة معتبرين أنها الأفضل والأرقى.. قال صديقى إن رئيسة الوزراء (من 1979 حتى 1990 وانتخبت ثلاث مرات) قالت علينا أن نتخلى عن الإرث الإمبراطورى فى الاقتصاد.. لم يعد لدينا مستعمرات.. بعض المصانع توقفت.. لابد من الاستثمار وكان هذا هو الحل الذى أنقذ بريطانيا رغم أن الشعب دفع تكلفة باهظة ثمناً له..

كانت العقبة الكؤود أمام تاتشر هى حزب العمال البريطانى فقبلها رئيسان للوزراء لهما ميول اشتراكية هما جيمس كالاهان وهارولد ويلسون.. خاضت تاتشر معركة عنيفة مع النقابات التى رفضت سياستها الاقتصادية فى البداية وخصوصاً الخصخصة وتحرير الأسواق وإصلاح النظام الاجتماعى البريطانى.. شفرة جديدة هزت أركان الاقتصاد البريطانى التقليدية..

منذ توليها منصبها بدأت ببيع المنشآت الحكومية فعرضت أشهر الشركات البريطانية العالمية للبيع مثل شركة الصلب وماركات السيارات البريطانية الأشهر وتم نقل ملكية رولزرايس العالمية التى تنتج محركات الطائرات والسيارات إلى مستثمرين أجانب بالإضافة لبيع شركات البترول والغاز والاتصالات.. الأهم أنها باعت معظم المساكن الحكومية العامة للعاملين القاطنين فيها.. اجتاحت المظاهرات الغاضبة البلاد ووصلتها خطابات تهديد بالقتل.. لم تهتز..

الفارق بينها وبين دولة مثل مصر أنها امتلكت حزباً قوياً وإعلاماً متفهماً يناقش ويحلل بالحجة والمنطق.. لو اقتصرت تاتشر على «الطبالين» و«الشتامين» وأصحاب معلقات الهجاء، لما استطاعت إنجاز أى شىء.. لم يصدق أحد أنه سيعاد انتخابها مرة أخرى فإذا بها تنجح عام 1983 ومرة ثالثة فى 1986 وأمام منافسين أقوياء من حزب العمال..

هذه هى الديموقراطية.. اقهرنى بالحجة والمنطق.. بالمناظرة والمناقشات الحرة.. بالسجال بين نواب يدافعون عن معتقداتهم دون رقيب أو حسيب أو دون تصنيف أو تهديد من رئيس البرلمان..

بالرغم من أن الخصخصة كانت مستهجنة فى عهد تاتشر فإنها أصبحت الآن قاطرة التنمية فى أوروبا ومثلت الجزء الرئيسى فى خطة الاتحاد الأوروبى لإنقاذ اليونان بعد ذلك من الإفلاس.. أسهم تحرير تاتشر لأسواق المال وفتح الباب أمام الاستثمار أن أصبحت لندن عاصمة للمصارف الأوروبية والمال ومازالت كذلك حتى الآن رغم انشقاقها عن الاتحاد الأوروبى.. رفضت إدخال الجنيه الإسترلينى فى سلة العملات الأوروبية «اليورو» ومازال أقوى عملة إلى اليوم..

مناسبة هذا الكلام هو ما يتردد الآن من انتقادات لقانون الاستثمار الجديد الذى يمنح المستثمر الأجنبى الأرض بالمجان مع إعفاء من الضرائب لمدة 10 أعوام وإعفاء الآلات والمعدات اللازمة للمشروعات من كافة الرسوم والجمارك والضرائب ويمنحه الحق فى تحويل الأرباح الناتجة عن المشروع إلى الخارج دون قيود وكذلك إعفاء الشركات المصدرة لإنتاجها بالكامل من الضرائب..

من حق السياسيين المصريين والنواب التخوف من القانون، لأننا بلد يطبق معايير مزدوجة والمجاملات فيه تنتصر على القوانين دائماً.. من ثم لابد من تحصين قانون الاستثمار برقابة حديدية تحصن الاستثمار حتى لايكون وسيطاً لبيع مصر.. الاستثمار الصحيح لا يسرق الأوطان ولكنه ينميها إذا ما تم تطبيقه بكفاءة.. كما أن حل أهم مشكلتين تواجهان مصر هما البطالة وتراجع النمو الاقتصادى فى جذب الاستثمارات.. ودعونا نسأل عن رجال الأعمال المصريين الذين نتباكى على أن القانون الجديد يظلمهم.. لماذا تستثمر عائلة ساويرس فى أوروبا وكندا وأفريقيا وكوريا، ولماذا يستثمر محمد فريد خميس فى الصين وأمريكا ولماذا يستثمر أبو العينين فى إيطاليا وإسبانيا ورشيد محمد رشيد فى جنوب أفريقيا ويستثمر آخرون فى تركيا أليست الشروط فى تلك الدول هى التى جذبتهم.. هناك قوانين حاكمة ولو كان أى منهم قد ارتكب خطأ لكان محبوساً الآن ومطاردا من الإنتربول والمحاكم الدولية..

سأضرب هنا أمثلة بقوانين الاستثمار فى دول أغنى وأكبر اقتصادياً من مصر فإذا بدأنا بإنجلترا سنلاحظ أن بريطانيا لها شروط فى الاستثمار والحصول على الجنسية ونلخصها فى الآتى:

1- فتح حساب مصرفى وإيداع مبلغ 2 مليون جنيه إسترلينى فى هذا الحساب، وهو الحد الأدنى المطلوب للاستثمار هناك.

2- بعد السفر يجب البدء فى استثمار هذا المبلغ خلال الثلاثة أشهر الأولى من تاريخ الوصول، ويمكن استثماره فى المجالات التالية:

- شراء الحصص من الشركات أو ابتياع السندات الحكومية (وهو مشابه لما سيحدث فى مصر)

شروط الإقامة فى بريطانيا تنص على أن يحصل الشخص على الإقامة المؤقتة بعد الاستثمار فيها، ولا يحصل على الإقامة الدائمة مباشرة، وبشكل عام يحصل المستثمر على الإقامة الدائمة بعد مرور 5 سنوات من الإقامة، لكن تختلف شروط الحصول عليها من حيث مبلغ الاستثمار، فكلما زاد مبلغ الاستثمار قلت المدة التى يحصل فيها الشخص على الإقامة الدائمة.

وليست بريطانيا وحدها سنجد أيضاً تركيا التى يشيد كثير من المصريين بتجربتها الاقتصادية ولا يعرفون القوانين التى أصدرتها فى هذا الصدد.

فقد لجأت تركيا إلى إصدار قانون جديد يسهل الحصول على الجنسية وجواز السفر للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، فى محاولة لإنقاذ اقتصادها الذى يعانى من أزمات متفاقمة، أهمها وأبرزها الهبوط المستمر فى سعر صرف العملة المحلية، وهو الهبوط الذى لم تنجح التحركات الحكومية حتى الآن فى كبح جماحه، فضلاً عن أن العديد من المصادر تحدث عن ركود أيضاً فى القطاع العقارى قد يصل إلى مستوى الأزمة.

بحسب القانون الجديد فإن من يقوم بإيداع 3 ملايين دولار أمريكى فى البنوك التركية يحق له الحصول على الجنسية التركية بعد ثلاث سنوات شريطة عدم سحب المبلغ خلال تلك الفترة، كما يستحق الجنسية بعد المدة ذاتها أيضاً من يشترى عقاراً بقيمة مليون دولار أمريكى فأكثر أو من يستثمر فى مشروع تجارى بقيمة لا تقل عن مليونى ليرة تركية، أو من يمتلك شركة تشغل مائة مواطن تركى على الأقل.

هذه هى المرة الأولى التى تطرح فيها تركيا هذا النوع من التسهيلات خاصة المدة اللازمة للحصول على الجنسية، وهى ثلاث سنوات بدلاً من خمس سنوات، حيث كانت مدة السنوات الثلاث للحصول على الجنسية تقتصر على الزواج من مواطن أو مواطنة تركية فقط، بينما يحق للمستثمرين والعاملين من دافعى الضرائب التقدم من أجل الحصول على الجنسية بعد مرور خمس سنوات على إقامتهم فى البلاد.

إن الاتفاقيات فى أوروبا الآن أصبحت تكسر الحواجز ويتحالف الخصوم التقليديون لإنقاذ الاقتصاد.. يوم 23 نوفمبر 2013 وقعت رئيسة الحكومة الألمانية أنجيلا ميركل اتفاقاً تاريخياً بين حزبها الاتحاد الديمقراطى المسيحى وغريمه التاريخى فى السياسة الألمانية الحزب الديمقراطى الاشتراكى أو اليسارى بالتعبير المصرى.

إنجيلا ميركل سلكت طريقاً آخر غير تاتشر حيث انقلبت على التحالف التقليدى بين أحزاب نفس العائلة السياسية، ما سمته «التحالف العظيم» بين الأضداد لتوحد الشعب والنخبة السياسية الألمانية بشكل غير مسبوق، منطلقة من قناعة أن الأزمة الاقتصادية التى تهز العالم الغربى لا يستطيع حزب واحد مهما أوتى من جماهيرية أن يواجهها أو أن يمرر القرارات المؤلمة والقاسية التى تتطلبها عملية الإنقاذ، والتى تتطلب وفاقاً شبه إجماعى فى الطبقة السياسية وفى البرلمان..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل