المحتوى الرئيسى

الإدارات الذاتية أخطر مشروع يهدد سوريا منذ سايكس - بيكو

05/14 20:32

حسب علماء السياسة، فإن شروط قيام أية دولة هو توافر 3 عوامل: قطعة من الأرض، يسكنها شعب ما، يحكمه نظام معين ضمن عقد اجتماعي بين هذه المكونات الثلاثة، ويضاف إلى ذلك الاستقلالية والاعتراف كشروط مكملة. فمنذ مؤتمر ويستفاليا سنة 1648م ونشوء مفهوم الدولة القومية، كانت جميع الإدارات الذاتية تتمخض بعد عقود عن دول مستقلة وكانت خدعة إنشاء الإدارات الذاتية أداةَ المستعمر الإنكليزي والفرنسي وحلفائهما طوال القرنين الثامن والتاسع عشر لتفتيت جميع المناطق التي احتلوها لسهولة السيطرة عليها.

فبعد مؤتمر لندن سنة 1840م، بدأت الدول الاستعمارية، متمثلة بإنكلترا وفرنسا والنمسا وروسيا القيصرية وغيرها، مخططها لتقسيم الإمبراطورية العثمانية بشماعة المطالبة بحماية رعاياهم المسيحيين وبقية الأقليات وإقامة إدارة ذاتية لهم مع محاكم خاصة -كما يحصل اليوم بسوريا تماماً- مع إبقاء الاعتراف بالخلافة العثمانية كمرجعية أساسية وسيادة مركزية، ولكن كانت هذه خدعة ريثما تكتمل مقومات قيام الدولة بهذه الإدارات لتعلن استقلالها وانفصالها.

وهذا ما حصل بعد سنوات وبشكل تدريجي؛ إذ انتهت هذه الإدارات الذاتية بشكل دول مستقلة بدول البلقان وشرق الأناضول والوطن العربي، لتكون رصاصة الرحمة وإعلان احتضار ووفاة الإمبرطورية العثمانية بمعاهدة سايكس-بيكو السرية، ثم سان ريمون وشروط كروزن الأربعة، لتتحول الدولة العثمانية من إمبراطورية كقوة عظمى وحيدة بالعالم تتربع على 3 قارات قرابة 5 قرون إلى ما يشبه دويلة تسمى تركيا عاصمتها أنقرة بدل إسطنبول؛ لفصلها عن أي صلة أو ذكرى بتاريخها العظيم خشية استيقاظها مجدداً.

ومع ذلك، فإن المستعمر الإنكليزي لم يقف عند هذا؛ بل أنشأ كانتونات وكيانات ذاتية غير محسومة المصير بكل منطقة كان يحتلها قبل خروجه؛ لتبقى نقطة توتر يحركها متى شاء حالما تخرج هذه الدول عن السيطرة. وعلى رأس هذه الكانتونات إسرائيل التي تفصل الوطن العربي بشقيه الآسيوي والإفريقي بما يشبه الخنجر بالقلب، ومشروع الدويلة الكردية متمثلة بمعاهدة سيفر التي تم تجميدها مؤقتاً بمعاهدة لوزان؛ لقيام إسرائيل حينها بالدور المطلوب، وكذلك كشمير كمنطقة توتر ونزاع مستمرين بين الهند وباكستان، وكذلك إقليم دارفور، وآخرها العراق، وغيرها من مناطق.

والكل يعرف كيف انتهت الإدارة الذاتية بدارفور بدويلة جنوب السودان مستقلة، وكذلك كردستان العراق دولة داخل الدولة بجيش وعلاقات سياسية ودولية واقتصادية وميزانية مستقلة، حتى ليكاد يمحى العراق من خريطة العالم.

تتعرض الثورة السورية وسوريا اليوم لأكبر خطر في تاريخها منذ 100 سنة بعدما فشلت جميع محاولات إجهاض الثورة وإنتاج النظام من داخل النظام، المتمثلة بلعبة انشقاقات بعض أركان النظام، وذلك بالتخلص من رأس النظام والجلوس مكانه؛ للمحافظة على الدولة العميقة المتمثلة بالأجهزة الأمنية والجيش، وكذلك فشل إجهاض الثورة بمخطط داعش وانفضاح أجهزة استخبارات عربية وغربية تقف خلف داعش، وفشل مشروع الصحوات أيضاً الذي كان يهدف إلى تشكيل فصائل مسلحة باسم كل عشيرة وعرق وطائفة؛ لإشعال فتيل حرب أهلية.

ويتم الآن العمل على الخطة البديلة؛ وهي إنتاج النظام من داخل الثورة وإفشال قيام سوريا مستقلة وقوية، وذلك من خلال لعبة الاستعمار القديم بتفتيت سوريا بإقامة إدارات ذاتية تكون في صراعات دائمة داخلية فيما بينها للسيطرة على سوريا كاملةً، حيث يتم الترويج للإدارات الذاتية أو ما يسمى المناطق الآمنة تحت الفصل السابع، وقد شرعت كل من أميركا وبريطانيا في دعمها بالقوة حالما تأخذ شرعية الحاضنة الشعبية بخداع الثوار من خلال ميليشيات وفصائل مسلحة تم تدريبها، حيث كلفت أميركا وبريطانيا دولاً عربية دعم مناطق وفصائل معينة لحين إعلان ساعة الصفر بإقامة المناطق الآمنة.

ففي الشمال، يتم العمل على الحكم الذاتي بالنار والحديد من خلال الميليشيات الكردية الديمقراطية المدعومة أميركياً بنظام ذاتي يشبه الدستور ومحاكم وأحكام عرفية، وسن قانون الكفيل لمن يريد الدخول إليها من العرب، وتم إنشاء مطار أميركي بالحسكة، والسيطرة على حقول الغاز بالجبيسة، علاوة على تهديد هذا الإقليم الكردي أمن وسيادة تركيا، في محاولة لإضعافها وتقسيمها بتشجيع أكراد تركيا على الانفصال بإدارة ذاتية موازية.

وفي الجنوب والشرق، تسعى مفوضة الاتحاد الأوروبي، موغيريني، لإقامة مشروع إقليم الجنوب تحت أسماء مختلفة ومخادعة بدعم بريطاني-أميركي والذي يضم كلاً من السويداء ودرعا والقنيطرة دون الجولان، حيث سيتم رسم حدود سوريا من دون الجولان لمرور 100 سنة على اتفاقية التقسيم وقرب زوال النظام الذي حمى إسرائيل، وسيتم حماية هذا الإقليم تحت الفصل السابع بما يسمى مناطق آمنة، ومن خلال فصائل يتم تجهيزها لهذه الغاية من قِبل غرفة التنسيق والدعم الدولي الممول بمال عربي وإشراف أميركي-بريطاني.

وهذه الفصائل شرعت في تخزين السلاح وتلقي دورات عسكرية خاصة؛ من أجل هذا المخطط المستقبلي. وبالتزامن مع هذا، هناك محاولات لإفراغ حوض اليرموك المحاذي للجولان المحتل بالمثلث السوري-الأردني-الإسرائيلي من سكانه الأصليين وإسكان شيعة عراقيين وإيرانيين مكانهم؛ لضمان حدود الجولان، وذلك بحجة وجود بضع مئات من الدواعش بحوض اليرموك، حيث شاهد الثوار بعض المروحيات الأميركية وهي تلقي إليهم المعونات من الذخيرة والسلاح وكذلك دخول شاحنات محملة بمواد من الجوار على غرار دعم "قسد" بالشمال، والخطة البديلة هي تهجير دروز السويداء وإدلب وإسكانهم الجولان وحوض اليرموك والقنيطرة ترتيباً لمخطط ما.

وقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بأن داعش لم يطلق رصاصة واحدة عبر الجولان، وكذلك حافظ داعش على مرور مياه وكهرباء سد الوحدة للجوار الموجود بالمثلث السوري-الأردني-الإسرائيلي رغم التجاذبات الإعلامية؛ ما يوحي بمن يقف وراء داعش وعلاقاتها المشبوهة وغاية وجودها لتكون شماعة لاحتلال الجنوب وإقامة إدارات ذاتية.

أما المنطقة الشرقية، فقد أسست بريطانيا قاعدة التنف وأقامت معسكرات خاصة لتدريب العشائر، حيث دربت عدة آلاف قد تصل لقرابة 30 ألف حسب بعض المصادر، حيث تشرف بريطانيا على بادية الشام؛ بدءاً من الحدود الأردنية حتى البوكمال والمتاخمة لحدود العراق، متضمنة المناطق الشرقية من السويداء وريف دمشق وحمص ودير الزور وتدمر والقريتين، وهذه المناطق تشهد حركة مستمرة لدخول الميليشيات الشيعية من العراق وكذلك لعبة انسحابات الدواعش بين النظام والميليشيات؛ ما يشير إلى تورط البريطانيين بهذه اللعبة.

هذا إضافة إلى مخطط إقامة إدارة ذاتية بمنطقة الرقة ودير الزور وشرق حمص والسيطرة على حقول النفط، وذلك أيضاً بما يسمى مناطق آمنة، وسيطرة فصائل العشائر التي دربتها بريطانيا بقاعدة التنف، وربما المخطط أبعد من ذلك، حيث احتلال الموصل تحت كذبة تحريرها من داعش ودعشنة ثوارها الشرفاء، ودعم الحشد الشيعي الشعبي بدعم أميركي-بريطاني لتسليم الموصل لكردستان العراق، وإعادة رسم مدن السُّنة غرب العراق ليست بعيدة عما يحاك للمنطقة كاملة.

وسيتم تعميم سيناريو المناطق الآمنة والإدارة الذاتية بكل سوريا وتوكيل دول عربية بدعمها اقتصادياً وعسكرياً بحيث تصبح بعد سنوات شبيهة بدويلات مستقلة داخل الدولة؛ لأن تقسيم سوريا مستحيل جغرافياً؛ بل عبارة عن مناطق لأمراء حرب، وعندها لن ترجع سوريا لسابق عهدها قبل نصف قرن أو أكثر، وستكون بما يشبه لبنان.

والمراقب يلاحظ أن أغلب ممثلي الفصائل الذين يتم صناعتهم وتبنّيهم لهذا المخطط غير متعلم بما يسمى الطابور السادس لتسهيل تمرير هذا المخطط من خلالهم، ثم التخلص منهم كما فعلوا بالأفغان عندما ألبسوا الجهلة بدلات فرنجية، لذلك يجب الحذر من هذه المشروع ووأده قبل مولده؛ لأنه بمجرد ولادته من الصعب إزالته.

ومن الناحية القانونية والسياسية، فإن أي طرح للامركزية الإدارية أو إدارات ذاتية وتحت أي اسم في ظل غياب الدولة وسلطة تشريعية منتخبة من الشعب- هو انتحال تمثيل الشعب واغتصاب حق تمثيله، وهو طرح تقسيمي بامتياز مهما تلاعبوا بالمصطلحات ومكيجوا هذا المخطط وغلّفوه بالوعود الحسنة. وإذا كان البعض يتحجج بأن ذلك مرحلة مؤقتة وغايته رجوع اللاجئين وتوفير مستلزمات الحياة بهذه المناطق، فالرد على هذه الترهات لماذا الدول القائمة على هذا المشروع الخطير، وعلى رأسها بريطانيا وأميركا، لا تزوّد الثوار في المناطق المحررة بصواريخ ستنغر؛ لمنع البراميل والقصف الجوي ومن ثم عودة اللاجئين دون مشروع الإدارات الذاتية؟!

ولماذا لا يدعمون المؤسسات الثورية المدنية أيضاً الموجودة بالمناطق المحررة والمتمثلة بالإدارة المحلية؛ كالمجالس المحلية ومجالس المحافظات والمحاكم، ومساعدتها على تشكيل ضابطة شرطة كقوة تنفيذية، وجهاز أمني تابع للمحكمة لحفظ الأمن والاستقرار؟! ولكنهم للأسف عكس ذلك فإنهم يهددون أي فصيل يتوحد مع الآخر أو يشارك عناصره في حفظ الأمن تحت إشراف المحاكم الثورية؛ بقطع التمويل عنه ومحاربته وربما دعشنته، حيث إن المخطط أصبح واضحاً بتقسيم سوريا إلى إدارات ذاتية، بحيث تكون دمشق منطقة خضراء كالعراق وتحوي إحداها ما يسمى هيئة الحكم الانتقالية معلَّبة بالخارج، وذلك كخطة ومحاولة نهائية؛ لأنهم حتى هذه اللحظة يراهنون على إنتاج النظام.

وأخيراً، نتمنى ألا تفقد بريطانيا والإدارة الأميركية هيبتها ومصداقيتها كقوة عظمى وشرطي العالم الأوحد، وأن تكون صحوة إنسانية بتهديدهم لروسيا وإيران بسوريا وتعهدهم بالتخلص من النظام وليس رئيسه فقط نتيجة استخدامه الكيماوي الذي قتلت براميله المتفجرة أكثر من نصف مليون سوري تحت عِلم ومشاهدة أميركا وبريطانيا، حيث يتفرج على هذه البراميل مايكل رانتي بنظارته السوداء -وليس بالأقمار الاصطناعية- من الحدود الأردنية والتركية وهي تتساقط من السماء كحمم بركانية منذ 6 سنوات مقارنة بكيماوي خان شيخون الذي لا يعدل برميلاً واحداً.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل