المحتوى الرئيسى

مناقشة كتابات حزب "كنا عايشين" في سوريا

05/14 20:32

حزب "كنا عايشين" في سوريا حزب له أنصار كثر ومنتسبون يتزايدون وهم جميعاً يحملون فكراً متقارباً.

ويبدو أن هذا الحزب يمارس عملية التثقيف الفكري لعناصره بطريقة تلقائية ذاتية، ويستفيد من امتداد زمن الثورة السورية ومن تضاعف تضحياتها سنة بعد سنة، ويستخدم صور الدمار والخراب الذي حل بالمدن السورية؛ ليكسب المزيد من المنتسبين والأنصار.

ولهذا الحزب فقهاء ومفكرون ومنظِّرون ومجددون يحاولون أن يردوا الهجمات الإعلامية التي كان يشنها بعض الثوار ضدهم؛ فقد تعرض أنصار هذا الحزب لحملات إعلامية معادية ضارية ورفع الثوار لهم شعار الحذاء العسكري المرفوع وهم تحته يرسمون على قفاه شمساً ساطعة وسماءً زرقاء.

وشكَّل هذا الشعار إحراجاً كبيراً للحزب فانقسم لجناحين؛ جناح من البسطاء الخائفين على الدوام أصرّ على تغنّيه بالحياة الماضية بما فيها من مشويات ومشروبات ونزهات حتى لو كانت تحت الجزمة العسكرية ولم يقحم نفسه في فلسفات تبريرية ومربعات، وجناح آخر راديكالي تنظيري أصحابه أشد تطرفاً وصلوا في طروحاتهم إلى درجة راحوا يعددون فيها محاسن الديكتاتورية والاستبداد.

وضربوا لنا مثلاً في تشبيه وضع سوريا قبل الثورة بالدولة التي تسير على درب الصين "تطور اقتصادي بلا حرياتٍ مُعَطِّلَة".

وراحوا يكتبون ويتكلمون عن ازدهار اقتصادي هائل ومتصاعد كان في عهد بشار الأسد قبل الثورة وانجرف معهم منجرفون كثر حتى من بعض المحسوبين على الثورة السورية.

وهذه أشهر الكتابات القريبة التي انجرت وراء كتابات حزب "كنا عايشين" وكرر أصحابها تلك الكتابات وخُدعوا بكذبة الازدهار الاقتصادي، خاصة في قضيتي الغذاء والدواء قبل الثورة:

"سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي استطاع تأمين الأمن الغذائي والدوائي، فأمّن مخزوناً استراتيجياً من القمح لعشرات السنين، كما بنى مصانع أدوية عظيمة أمَّنت للسوريين الدواء، لا بل كانت تقوم بتصدير الفائض إلى الخارج.

لقد كان من المطلوب القضاء على البنية الصناعية في سوريا، وخاصة في حلب التي كانت تحتضن أهم المعامل في سوريا، وتنتج أعظم السلع والبضائع.

والمؤامرة استهدفت الاقتصاد السوري الذي بدأ يتعافى بشكل رائع في العقد الأول من هذا القرن.

إن قلتم إن سوريا تعرضت لمؤامرة، فسأقول لكم: لا؛ بل تعرضت لأبشع مؤامرة عرفها العرب خلال تاريخهم الحديث، ماذا تريدون أكثر من ذلك...؟ نحن متفقون".

لقد مرت الكذبة الضخمة والوهم الكبير ضمن عملية خداع عظمى تستهدف الثورة السورية.

لقد أوهمت هذه الكتابة أن الاقتصاد السوري قد بدأ يتعافى بشكل رائع في العقد الأول من القرن الحالي؛ أي فترة حكم بشار الأسد، وأقرت للموالين بأن هذا الاقتصاد قد استُهدف بمؤامرة بشعة وعلى ذلك تكون الثورة السورية هي نتاج هذه المؤامرة وأداتها، فهي من فتح باب المواجهة مع هذا النظام الفاسد الذي نُسب إليه الازدهار والتعافي بقصد او من دون قصد.

وتم ذكر خزين القمح الاستراتيجي ولم يذكر كيف تكوَّن وتجمَّع هذا الخزين!

لقد تحقق بفضل جهد الفلاح السوري الخاص؛ فعندما فرضت الخصخصة أمرها على سوريا بفعل التحول العالمي الكامل إليها، استطاع جهد الفلاح نوعاً وكمّاً أن يحقق ما تحقق، وما تحقق قليل يسير إذا علمنا أن أرض الجزيرة السورية، خصوبة وماءً، يمكن أن تكفي وحدها العالم العربي كله عدة مرات لو استُثمرت كما ينبغي.

أما جهد الفلاح السوري، لو زالت من أمامه عوائق الفساد والرشى والعمولات والمحاصصات التي يحتويها ويحميها النظام الفاسد فيمكن أن يحقق مفاجآت مذهلة قد لا يصدقها الخبراء والمتوقعون.

في عهد نظام الأسد، كان أزلام النظام وشركاؤه يكتمون عن الفلاح السوري البسيط أن الدولة ستُصْدر قراراً مثلاً ببيع محصول الثوم أو الكرز أو الشوندر أو الأغنام للسوق الخارجية بالعملة الصعبة، ويقوم المتربصون الذين في أجهزة النظام بتنظيم حملة شراء واحتكار للمحاصيل والمنتجات الزراعية، وهم العالمون بمخططات تسويقها وتصديرها ويشترون بالليرة السورية ليبيعوا بعد أيام بالعملة الصعبة.

ويقوم الفلاح المسكين ببيع ما لديه من دواب ومحصول بالجملة وبالليرة السورية لأولاد السياسيين والمسؤولين المترفين المنغمسين بالسرقات والعمولات وأولاد أعضاء مجلس الشعب تحت الضغط ورهبة السلطة.

وبالكاد، يستحصل الفلاح على رأسماله؛ لأن آلة الترعيب والإرهاب الأمني والسياسي التي يستخدمها ضده رموز النظام ووسطاؤه لبيع محصوله بالليرة السورية تكاد لا تطاق، فيبيع المسكين ما لديه تقريباً بسعر التكلفة! هذا السيناريو المقرف استمر 40 سنة، ابتزاز مستمر للفلاح البسيط يطول المحاصيل جميعها واللبن والحليب والأغنام والقطن والقمح والشعير والسمك.

ولو تمكن الفلاح السوري من بيع المحصول الذي لديه بالسعر المناسب للسوق الاستهلاكية وليس كما تحدده الأجهزة الفاسدة بوزارة الاقتصاد ووزارة التموين ومجلس الشعب- لتضاعفت إنتاجيته وجهوده.

وبشأن الخزين الاستراتيجي المتعاظم للقمح الذي تغنّت به الكتابات، فسيكتشف من يكلف نفسه قليلاً ليطلع على تقارير مديريات الزراعة السورية المعلنة عام 2010؛ أي قبل الثورة مباشرة، ليرى أنها قد وثَّقت إصابة 25 في المائة من المحصول بمرض الصدأ؛ بسبب الفساد والإهمال الحكومي.

في سوريا، كان هناك جهد للفلاح متعاظم متزايد كمّاً ونوعاً، وتزايد مواكِب مستمر للعاب الفاسدين السارقين المعشعشين المتزايدين في أروقة النظام.

وأفردت الكتابات كلاماً خاصاً لافتاً عن الصناعة الدوائية التي وصلت للاكتفاء والتصدير حسب الخداع المعلن. وهذا الخداع الكبير اعتمد على أمر مزيف خطير حسبما أفاد أحد كبار المشتغلين المطلعين على صناعة الدواء في سوريا، وقال: "إن المادة الأساسية الفعَّالة في معظم الأدوية السورية المصنعة محلياً إنما هي هندية المنشأ وهي أردأ وأرخص المصادر في العالم؛ ما جعل إنتاج الدواء في سوريا وهماً كبيراً وكذبةً كبرى، وهناك مناشئ أسوأ وأردأ حرص المستوردون على اختيار أرخص ما في الصين، وحرصوا على التفنن في مادة الحشو والتغليف".

وعن حلب ذكرت الكتابات المصانع والصناعة التي نشطت فعلاً، وانصبَّت إشارات المروجين على دعم النظام وتسهيلاته، وتناسوا سرقاته ومحاصصته لأصحاب المعامل وتناسى المزورون أيضاً أن الوضع الصناعي الحرفي في سوريا لم يكن يوماً متدهوراً، والسبب في ذلك هو الصناعيون السوريون أنفسهم بحرفيتهم الفردية العالية وساعات إنتاجهم الفريدة والمميزة التي تختلف وتزيد على مثيلاتها في العالم كله.

ومرة أخرى، لو تُرك الصناعي السوري لجهده ومهارته من دون حصة للسارقين الرسميين لأذهل العالم أيضاً كما فعل فعلاً لسنين وسنين في عقود ما قبل الأسد.

وكثيرون لا يعلمون أن في حزام حلب عشرات المعامل والمنشآت الخاصة بكبار الصناعيين الشركاء مع آل الأسد أو أذنابهم، وهي واجهات للترف والفساد؛ فترى نصف مساحة المنشأة الصناعية معملاً، ونصفها الآخر معزول تماماً بجدران عالية مخصص للدعارة واللهو والمجون بين الشركاء.

وقد وجد الثوار في المناطق الصناعية لحلب وثائق كثيرة عن شراكات وفساد للمترفين الصناعيين وشذوذهم الذي بلغ عند بعضهم أن يستورد أغلى الأشجار والأزهار من أوروبا بمئات آلاف الدولارات؛ لتكون زينة حول حمام السباحة عنده.

ولا ينسى المتابعون كيف سُلّطت ألسنة أنصار "كنا عايشين" تتهم "الجيش الحر" بسرقة المعامل والمصانع في حلب عند سيطرة "الحر" عليها. واليوم تبين أن أغلب هذه المعامل قد فُكك ونُقل من المالكين أنفسهم وقد عادوا بمعاملهم الآن بعد احتلال حلب لينصبوها ثانية تحت وطأة الإتاوات والابتزاز.

ويد إيران أطلقها النظام الطائفي لتحتكر بالتدريج كل شيء بسوريا في العشر سنوات التي جعلتها الكتابات ذهبية في سوريا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل