المحتوى الرئيسى

هذا التعاطف المفاجئ مع الرئيس مرسي

05/13 15:47

بطبيعة الحال لا أقصد هنا تعاطف أعضاء جماعة الإخوان أو ما يسمى بتحالف أنصار الشرعية ، فتعاطفهم مع الرئيس الأسبق محمد مرسي مفهوم وقديم منذ لحظة إطاحته ، وهو مبني على ولاء تنظيمي أو ولاء عقدي في أغلبه ، ولكني أتحدث عن الظاهرة الجديدة التي تنتشر تدريجيا بوضوح في كتابات خصوم محمد مرسي وخصوم الإخوان في مصر ، فخلال الشهر الأخير يمكن رصد عشرات المقالات والتصريحات من شخصيات سياسية وقانونية وإعلامية بارزة ممن أيدوا إطاحة مرسي وإبعاده ، كلها تتحدث بلغة جديدة عنه ، لا تخطئ التعاطف مع قضيته ، خاصة المظالم التي قال أنه يتعرض لها في سجنه .

وكانت الكلمة الأخيرة التي قالها الرئيس الأسبق في جلسة محاكمته في القضية التي تعرف بإهانة القضاء ، حيث اشتكى من أنه منذ أربع سنوات لم يقابل أحدا من أهله ولم يجتمع بأحد من محاميه وأنه يتعرض لانتهاكات داخل سجنه ، بل إن القضية التي يحاكم فيها لا يعرف اتهامه فيها ولا حيثياته ولا أي شيء عنها ، كانت تلك الكلمات صادمة بالفعل ، ومن الصعب تفسيرها ، والغريب أنه لا توجد أي جهة رسمية عقبت عليها ، فلا المحكمة صدر عنها شيء في حدود علمنا ، أو قرار واضح بتمكينه من الاجتماع بمحاميه أو إلزام الجهة التنفيذية بتمكينه من مقابلة أهله في الزيارات المقررة قانونا ، ولا وزارة الداخلية قالت شيئا عن حقيقة اتهامه لها أو أسباب حرمانه من تلك الحقوق البديهية التي يضمنها القانون ، ولا مؤسسة الرئاسة عقبت ولا الحكومة ، وهو ما أعطى انطباعا واضحا بصحة كلامه ، وبالتالي تأكيد مظلوميته .

هل هذا التعاطف الذي يتسع تدريجيا مع محنة الرئيس مرسي تنحصر أسبابه في أبعاد إنسانية وحقوقية محض ، أم أنه مؤشر على تحولات سياسية جديدة في مصر يمكن أن يبنى عليها تصور مستقبلي ، بطبيعة الحال ، من الصعب أن تكون هناك إجابات حاسمة وقطعية على مثل هذا التساؤل في تلك المرحلة ، ويحتاج الأمر إلى رصد الفترة المقبلة وتطورات الوقائع على الأرض وفي فضاء الإعلام لاستشفاف الإجابة ، ولكن بعض المقدمات قد تكون كاشفة على أن هذا التحول ليس حالة إنسانية مجردة ، وإن كان البعد الحقوقي والإنساني واضحا فيها ومقطوعا به ، ولكن تلك التجاوزات حدثت كثيرا مع الدكتور مرسي وغيره من الإسلاميين طوال السنوات الأربع السابقة ، ومنذ إطاحة نظامه في 3 يوليو ، ولم يكن التوقف عند مسألة "الحقوق" الإنسانية له أو لأنصاره ذات حضور ، فضلا عن أن تصدر بشأنها بيانات وتكتب مقالات من أقلام متنوعة المشارب السياسية وكلها كانت مواقفها ضد الإخوان ومرسي على طول الخط ، لم يبرز هذا التعاطف والبعد الإنساني والحقوقي رغم كل تلك الانتهاكات ، ولكنه بدأ في الظهور مؤخرا بعد موجات من الإحباط السياسي العام في مصر ، والاصطدام بحقيقة أن دوامة التجاوزات تطال الجميع ولا تستثني أحدا بدرجة أو أخرى ، وأن التساهل في أمرها كان خطأ ، وأن الحقوق لا تتجزأ وأن الإيمان بالحريات العامة والضمانات القانونية عندما تتسامح مع إهداره فإنه يصل إليك حتما ، وقد أثبتت الأحداث وتواليها تلك الحقيقة ، وهذا ـ في تقديري ـ ما جعل هناك تحولا واضحا في تلك المسألة .

التهاون في الانتهاكات إذا كانت لخصمك السياسي هو خطأ سياسي كما هو خطأ أخلاقي بطبيعة الحال ، لكن المشكلة هنا أن الجميع وقع في هذا الخطأ ، مرسي وأنصاره وخصومه أيضا على حد سواء ، وتجربة السنوات الست الماضية منذ تفجر ثورة يناير أعطت هذا الدرس للجميع ، ويفترض أنها حقيقة توجب التواضع السياسي على الجميع ، وتفرض على الجميع المراجعة السياسية والأخلاقية لكل المواقف السابقة .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل