المحتوى الرئيسى

د.محمود الحوت يكتب: هل دافع العرب عن (الحرم) أمام جيش أبرهة؟ من خواطر (سورة الفيل)  | ساسة بوست

05/11 23:23

Follow @Check out د.محمود الحوت (@dr_elhoot): https://twitter.com/dr_elhoot?s=08

منذ 22 دقيقة، 11 مايو,2017

أَلَم تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴿١﴾ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴿٢﴾ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴿٣﴾ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ﴿٤﴾ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴿٥﴾

* قصة أصحاب الفيل هي قصة قرآنية لحدث تاريخي  قريب العهد.

– وقد عاصرها وعاينها جيل كامل ممن يكبرون النبي بأكثر من عقد من السنوات، وممن هم يملؤون مكة من شيوخٍ وكهولٍ ومعمِرين، كل هذا الجيل عاصر- وهو مدرك واع- حادثة الفيل، ولم يصدر عن أحدهم ما يشكك في وقوع الحادثة، ولا في أحداثها كما قصتها الآيات، ولا في كيفيتها التي أحبط الله بها عمل أصحاب الفيل، ولا في الطير الأبابيل، ولا في حجارة السجيل، ولا فيما انتهت إليه مصائر القوم الذين صاروا كالعصف المأكول.

فالحادث حقيقي وقد وقع وتم، بالوصف والماهية التي فهمها العرب من الآيات.

 برغم أن القصة شديدة الإيجاز، فيمكننا الوقوف معها لاستخلاص بعض المعاني قبل السباحة مع الخواطر بين الآيات وكلماتها ومعانيها:

* أن شرف الكعبة كان عظيمًا يعلمه القاصي والداني مطبقًا الآفاق.

* أن الكعبة كانت هدفًا قديمًا للتبشير النصراني ومن خلفه العداوات اليهودية.

* أن زعماء القبائل وملوك العشائر لبعض العرب يستشعرون واجب الدفاع عن الحرم وشرف الذود عنه، ولكن ليس إلى الحد الذي يفقدهم حياتهم أو سلطانهم، فحينئذٍ يشترون حياتهم وسلطانهم حتى ولو بالمعاونة على هدم الحرم.

ففي جزيرة العرب، ليست هناك قوة حقيقية مستعدة للدفاع عن الحرم، وقد كشفت حملة (أبرهه) أن هؤلاء الذين يُعَظِمون الحرم ويحجون للبيت ويُجِلُونَّه، ليسوا هم من يدافع أو يدفع ضرًا عنه.

* إذا صدق ما ذُكِر عن موقف (عبد المطلب) من (أبرهه) وحملته، فهذا يعني أن قريشًا ومن والاها، ما كانوا حماةً للحرمِ وأن الحرم هو من يؤمنهم ويوفر لهم الحماية والشرف لقداسته ومكانته عند العرب.

* أن الله قد جعل هذا الحرم آمنًا، وضمن لأهله أن يرزقهم من الثمرات، سواء من آمن منهم بالله أو من كفر، سواء من نال عهد الله أو كان من الظالمين حيث قال الله تعالى في سورة البقرة:

 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا…(125) سورة البقرة

فقد تكفل الله منذ رفع ابراهيم واسماعيل القواعد من البيت بأن يجعله آمنًا، ليس بجيوش المشركين ولا بجهود الوثنيين، بل رغمًا عنهم، يؤمنه ويحميه، ويكفيهم عناء ذلك، بل ويكف أيديهم عن المشاركة في حمايته وتأمينه إلى أن يزول الشرك عنه، وتتساقط الأوثان من بيت الله وتتحطم الأصنام، ويعلو الأذان بتكبير الله وبنداء لا إله إلا الله. وهنا سوف يتسلم المؤمنون – تكليفًا وتشريفًا- مسؤلية حماية وتأمين البيت الحرام، فإن أخطأوا وقصروا فهو نقص في دينهم، وذنوب وآثام في ميزانهم، وتظل حمايته في أعناق المسلمين إلى قيام الساعة.

* ألَّا يكون للشركِ والمشركين دورٌ من أي نوع في حماية البيت الحرام، فلو تصدى المشركون للدفاع عن الكعبة وانتصروا، لكان انتصارًا للشرك، ولصار لهم فضل الحماية والدفاع عن البيت، وقد شاء الله أن يجردهم من هذا الفضل.

* من دلائل قرب ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، أن تنقطع الصلة بين حماية البيت وتأمينه وبين المشركين، وليتجدد في ذاكرة العرب دعاء إبراهيم، ووعد الله له بحماية البيت، حتى يأتي النبي الذي يتَّبع (…ملةَ إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين)، كما أنه أولى الناس بإبراهيم، وليكون أولى الناس بالبيت الحرام، حمايةً ورعايةً وتعظيمًا.

 يخاطب الله نبيه ببداية على شكل سؤال:

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴿١﴾)؟

 سائلًا إياه على سبيل التنبيه والإخبار، إن كان يعلم: ماذا فعل ربه بأصحاب الفيل؟ وكيف فعل هذا؟

هل أنفذوا خططهم؟! أم أن كيدهم وتخطيطهم وحملتهم وجندهم قد ضلوا غايتهم وعجزوا عن بلوغ مبتغاهم؟!

وهل حقق أصحاب الفيل أغراضهم، قبل فعل الله فيهم؟!

سؤالان في آيتين، هما في حقيقتهما إخبار عن أمرٍ قد تحقق، وهو صدق لا لبس فيه.

 أولهما: فعل الله بأصحاب الفيل.

والثاني: ضلال سعيهم، وإحباط كيدهم، ومنعهم من الإضرار بالبيت الحرام أو الاقتراب منه.

* ثم تصور السورة كيفية ما فعله الله بهم، فالطير الأبابيل مرسلةٌ عليهم جماعات وأسرابًا متدافعاتٍ حتى تظللهم كالغمام وتحجب أشعة الشمس فتظلم الدنيا من فوقهم.

وأصوات خفقات أجنحة الطيور تملأ الأسماع بهمهمات غامضة.

و (أبرهه) وجيشه يملأهم القلق والاستغراب، ثم يستبد بهم الفزع، ثم يدفعهم الهلع، فينفرطَ عِقد صفوفهم، فيسود الهرج والمرج جمعهم.

 والفيل يحجم عن التقدم في اتجاه مكة ثم يهرع إلى سفح أحد الجبال.

وتنهمر من أسراب الطير المحلقة فوق حشود (أبرهه) أحجارًا دقيقة من طين متحجر، تصيب عددًا كبيرًا من جنود الجيش، على امتداد الوادي الذي يجمعهم (طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل)، وكأن الأحجار الملقاة تختار من تصيبه من جموع الجنود المضطربين، فيتساقط كل من أصابه الحجر على الأرض، ليرتبك المشهد ويفزع الجميع يتلمسون طريقًا للنجاة أو ساترًا من الحجارة المقذوفة عليهم من أسراب الطير الأبابيل التي تغطي السماء فوقهم، وتتداعى الأجساد التي أصابتها الحجارة، فتتناثر أعضاؤها كأوراق الأشجار الجافة الذابلة التي يعصف بها الريح ويهلك من هلك من الجند، وتساقطت أعضاء من أوشك على الهلاك، ويتحول جيش (أبرهه) في مشهده العام وكأنه أكوام من بقايا الأوراق الجافة لنباتات محصودة، تدفع بها العاصفة بعيدا عن مكة في طريق الهروب.

 * هكذا قص القرآن في سورة قصيرة وآيات قليلة (قصة أصحاب الفيل).

* كان النبي صلى الله عليه وسلم، والقلة التي اتبعته من المؤمنين يواجَهُون بالتكذيبِ والمقاومةِ والأذى من أهل مكة، هؤلاء الذين يرفضون الإيمان بالله ويصدون عن سبيله، ويدَّعونَ أنهم حماةٌ وسدنةٌ لبيتِ الله وحرمِه، قائمين على دينِ آبائهم؛ حيثُ الشرك باللهِ هو ظاهره ومخبره، وآلهتهم هي أصنامهم وهي شفعاؤهم.

*وكان أهل مكة يرون من محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ودعوته خروجًا على مألوفهم، وانقلابًا على ميراث آبائهم وأجدادهم، وتحقيرًا لدينهم، وتهديدًا لمكانتِهم وسيادتِهم وتفردِهم في جزيرةِ العرب.

* وتنزل آيات السورة (الفيل) بإيجازها الواضح تتحدث عن فعل الله بأصحاب الفيل، وكيف صرفهم عن هدفهم في التمكن من مكة والوصول للحرم وهدم البيت العتيق، وكيف صرعهم وأهلكهم بالطير الأبابيل وبحجارةٍ من سجيلٍ.

ولم تذكرُ الآياتُ أهلَ مكة بأي كلمةٍ أو إشارةٍ، ولا ماذا فعل أهل مكة؟ وكأنهم غير موجودين، وكأنهم غير معنيين بالأمر، تجاهلهم الكامل واضح في السورة، والأمر كله بيد الله، هو وحده الذي تكفل برد الجيش وإهلاكه وحماية حرمه وبيته، في رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه ورسالة للمشركين.

*فالنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه – والسورة خطاب مباشر للنبي ومِن ثَّم المؤمنين – يتلون الآيات التي تبعثُ حادثَ الفيلِ- بعد عقود أربعٍ من وقوعه، حيًَّا بمشاهدِهِ الكُبرى، لا يرون فيها إلا يد الله تعمل، ولا يَرَون فيها ظِلًّا لِمَكِيٍّ أو تسمع ركزًا لِقُرشِي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل