المحتوى الرئيسى

هل يجمع العِلم ما فرَّقته السياسة؟.. علماء فيزياء من إسرائيل وتركيا ومصر وإيران يشاركون في أكبر مشروع علمي بالشرق الأوسط

05/11 20:53

تجري الاستعدادات في مدينة علان الأردنية على قدم وساق لافتتاح أهم مركز علمي بمنطقة الشرق الأوسط كلها، معهد "سيسمي-sesame" الذي يحتوي على الجيل الثالث لمسرعات الجزيئات ويشرف عليه علماء من دول تبدو متصارعة سياسياً.

ومن المُقرر أن يفتح المركز أبوابه رسمياً يوم 16 مايو/أيار، في حفلٍ سيحضره الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن.

ورغم أن الافتتاح الرسمي لم يتم بعد، فإن هناك العديد من التجارب والأبحاث التي بدأ الفيزيائيون القيام بها في المركز بالفعل. في يناير/كانون الثاني، تمكنوا من تسيير شعاع من الإلكترونات بسرعة تقارب سرعة الضوء، فيما يأملون أن يكون بصيصاً من الضوء يظهر بعد سنوات من الظلام.

وتتكون المجموعة العاملة في المعهد من فيزيائيين من دولٍ عديدة، نادراً ما تتعاون بعضها مع بعض (مصر، وإسرائيل، وتركيا، وإيران، والبحرين، وقبرص، والأردن، وباكستان، وفلسطين)، لكن يبدو أن علماء هذه الدول مصممون على التعاون العلمي فيما بينهم.

العلم والسلام إلى الشرق الأوسط

يقول أصحاب اقتراح افتتاح مركز "سيسمي"، إنَّه قد يجلب الفيزياء الحديثة المتقدمة إلى منطقةٍ من العالم ينقصها الكثير فيما يخص المرافق وأموال الأبحاث.

اختِيرَ اسم "سيسمي" بسبب شيوعه في ثقافة المنطقة، وهو يعني "سمسم"، والكلمة الإنكليزية "Sesame" هي اختصار لـ"المركز الدولي لشعاع سنكروترون للعلوم التجريبية والتطبيقية في الشرق الأوسط".

وقال كريستوفر ليويلين سميث أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد ورئيس مجلس "سيسمي"، في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية: "قد يفوز شخصٌ ذو فكرةٍ لامعة بجائزة نوبل بمساعدة هذا المشروع".

لكن ربما يكون هذا أقل ما يمكن للمشروع تقديمه، وذلك وفقاً لكلام إليعازر رابينوفيتشي، عالِم الفيزياء النظرية في جامعة القدس، الذي كان يسعى وراء حلم تحقيق تعاونٍ عربي-إسرائيلي، وهو بذلك يسير مع أصدقائه ومعاونيه على حبلٍ مشدود بين قمم الحروب، والمعاهدات، والمفاوضات، والإنذارات النهائية، والاغتيالات، والكوارث الأخرى منذ أكثر من 20 عاماً.

هذه قصة حلمٍ مستحيل، ورحلةٍ إلى ما يسميه رابينوفيتشي كوناً موازياً من السلام والتعاون في الشرق الأوسط. وقال مؤخراً: "نحن نسميه الضوء في نهاية النفق".

ويسير مركز "سيسمي" على خطى المنظمة الأوروبية للبحث النووي (سيرن)، التي أنشأتها منظمة اليونسكو بهدف إحياء العلم الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، وتبنِّي روح التعاون في القارة.

يوجد بهذا المركز البحث الأهم في الشرق الأوسط بمجال الفيزياء الحديثة، أحد مُسرِّعات الجزيئات، التي تُعرف باسم سنكروترون، وهو جهاز يُسرِّع الإلكترونات داخل حلقة من المغناطيس بحيث تصل سرعته لسرعة الضوء تقريباً.

وعكس مصادم الهدرونات الشهير التابع للمنظمة الأوروبية للبحث النووي (سيرن)، وهو المسرع الذي مكن العلماء من اكتشاف عناصر هامة مثل جسيم هيغز وأحدثَ ثورة في علم الفيزياء، فإن الهدف من المسرع الأردني ليس اصطدام الإلكترونات، أو أي شيءٍ آخر، بحثاً عن قوى أو جزيئات جديدة في الطبيعة.

وقال ليويلين سميث إنَّ الفارق الوحيد اليوم هو أنَّ العداوات في أوروبا كانت قد انتهت بالفعل، بينما لم تزل العداوات حية بقوة في الشرق الأوسط.

وأرجع رابينوفيتشي، في حديثه لـ"نيويورك تايمز" أيضاً، بدايات مشروع "سيسمي" إلى اتفاقية أوسلو عام 1993، حين تصافح إسحق رابين وياسر عرفات أمام الرئيس بيل كلينتون.

في ذلك الوقت، كان رابينوفيتشي يعمل في المنظمة الأوروبية للبحث النووي. وذكر أنَّه بعدها بفترةٍ قصيرة، دخل مكتبه زميله الإيطالي سيرجيو فوبيني، وأخبره بأنَّ الوقت قد حان لوضع "مثاليته الساذجة" تحت الاختبار.

وقال رابينوفيتشي إنَّ العلم طريقة طبيعية لبناء الجسور بين الثقافات والأمم بسبب لغته المشتركة.

ونصَّب رابينوفيتشي وفوبيني نفسيهما على رأس "لجنة علمية شرق أوسطية"، أدت بدورها إلى اجتماعٍ في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995 بخيمة حمراء كبيرة في مدينة دهب المصرية، بالقرب من البحر الأحمر، في شبه جزيرة سيناء، وقد حضر الاجتماع علماءٌ من الشرق الأوسط ومن خارجه. ونجوا بلا إصابات من زلزالٍ ضخم بمقياس 6.9 ريختر. وقال رابينوفيتشي: "لقد رأينا جبل طور سيناء يهتز".

وفي لحظةٍ مهمةٍ أخرى، طلبت وزيرة البحث العلمي المصرية، فينيس جودة، من الجميع أن يقفوا دقيقةً حداداً على روح رابين، الذي كان قد اغتيل قبلها بأسبوعين فقط.

الهدف من هذا المسارع هو جعل الإلكترونات تتراقص وتبعث حزماً إشعاعات قوية، تُسمَّى بشعاع سنكروتون، يمكن استخدامها لدراسة خصائص المواد المختلفة؛ بدءاً من أشباه الموصِّلات إلى الفيروسات والذرات.

هناك نحو 60 مصدراً لهذا الشعاع في العالم حالياً (60 مركزاً تنتج هذا الشعاع)، الذي تزداد قيمته بمجالات الطب والهندسة.

في أبريل/نيسان 2016، اكتشف علماءٌ يستخدمون أشعة إكس الناجمة عن مصدرٍ لهذا الشعاع في مختبر "سلاك" بولاية كاليفورنيا الأميركية تفاصيل جديدة عن بنية البروتينات التي تُنظم ضغط الدم، وقد رفع هذا الاكتشاف احتمال التوصل إلى علاجاتٍ أفضل لارتفاع ضغط الدم.

الفكرة وراء مصادر أشعة سنكروتون هي تحويل ما كان سابقاً عائقاً وطاقةً مُهدرة إلى أداة علمية. فحين تُسَرَّع الجزيئات المشحونة، وهي الإلكترونات في هذه الحالة، في مضمارٍ إلكترومغناطيسي داخل ماكيناتٍ مثل مُصادم الهدرونات الكبير، تُبعَث طاقةٌ تُسمى أشعة السنكروتون. ويمكن ضبط ناتج الماكينة بإدخال صفوفٍ مغناطيسية تُسمَّى المُمَوِّجات، لتجعل الإلكترونات تتراقص وتنتج حزم أشعة قوية ضيقة من أي نوع من أنواع الضوء.

الطريقة التي تعكس بها المواد المستهدفة الأشعة، أو تمتصها، يمكنها أن تكشف ترتيبات الجزيئات وأشكالها، كما اكتُشِفَ التركيب اللولبي المزدوج بصور أشعة إكس التي التقطتها روزاليند فرانكلين في خمسينات القرن الماضي.

مركز "سيسمي" به مساحة تكفي لـ7 مصادر أشعة مختلفة، لإنتاج طاقاتٍ تتراوح بين أشعة إكس والأشعة تحت الحمراء، أو الأشعة الحرارية، أو لإجراء التجارب، لكنه حين يُفتتح سيكون هناك نوعان فقط.

الأول هو مصدر أشعة إكس التي ستُستخدم، ضمن استخداماتٍ مختلفة، لدراسة التلوث في وادي الأردن، بالتحقق من كميات المعادن مثل الكروم والزنك في عينات التربة.

وسيُنتِج المصدر الآخر موجات أشعة تحت حمراء لميكروسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء، يستخدم القواعد ذاتها التي تستخدمها نظارات الرؤية الليلية التي يرتديها الجنود أو القناصون؛ من أجل دراسة الخلايا السرطانية والأنسجة البيولوجية الأخرى.

ومن المُخطَّط أن يُتاح في نهاية العام مصدر ثالث للأشعة لإنتاج أشعة إكس من أجل علم البلورات، المختص بدراسة بنيات البروتينات والفيروسات.

وفقاً لليويلين سميث، فقد أُنفِقَ على المشروع 90 مليون دولار حتى الآن. يشمل هذا 5 ملايين دولار من كلٍ من إسرائيل، والأردن، وتركيا، وإيران، ومنحة أخرى قيمتها 5 ملايين يورو من الاتحاد الأوروبي، وهي التي مكنت المنظمة الأوروبية للبحث النووي من المساعدة في بناء الهياكل المغناطيسية، والإشراف على بناء "سيسمي".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل