المحتوى الرئيسى

Ahmed Innab يكتب: نظرية المؤامرة هي أكبر مؤامرة  | ساسة بوست

05/11 10:41

منذ 14 دقيقة، 11 مايو,2017

عندما تكون في  جلسة مع الأصدقاء أو الأقارب يأتي على مسامعك الكثير من التبريرات والتفسيرات للأحداث السياسية والاقتصادية التي تشهدها منطقتنا العربية والعالم الإسلامي، وكلها تتسم بحصرها لجميع المشاكل التي نعيشها في ذلك الوحش الخفي الذي يصنع المعجزات، ويتحكم في أسعار الطماطم واللحوم، ويتحكم في قرارات الحكومات، ويحرك الجيوش، ويصنع الجماعات المتطرفة ولا يتوقف عن استهدافنا، وعندما تناقش الشخص المؤمن بنظرية المؤامرة وعقيدة الأيادي الخفية تجده يميل إلى حصر مصادر  حديثه في مصدر واحد أوحد، فكل وسائل الإعلام التي لا تتبع تفكيره ما هي إلا أحد رماح المؤامرة، وكل الكتب والمفكرين والعلماء والمنظمات والدول ما هم إلا جنود للوحش الخفي.

نظرية المؤامرة هي أحد أسباب الموت البطيء للأمم والشعوب، والتي  تبدأ من دعوة إلى الركون عن التغيير، وتنتهي بتفسير كل ما هو غير مألوف على أنه من صنع المؤامرة، فلا يوجد أي ذكاء سياسي ولا تخطيط استراتيجي ولا تطور تقني ولا حتى مشاريع مستقلة ذات أهداف مستقلة، كل ما يدور في منطقتنا يصنف على أنه من صالح العدو الخفي الذي يترصد بنا مع إهمال كل مسببات الأحداث أو الجذور التاريخية للمشاكل.

نجد الكثير من بني جلدتنا يميل إلى عدم التحدث في المشاكل والمصائب التي تجري في منطقتنا وعدم إبداء أي رأي لأن العالم كله أصبح مؤامرة، لا حاجة للتفكير، ولا حاجة لتنويع المصادر لفهم المشكلة، ولا حاجة للتخطيط كل ما يدور هو مؤامرة  علينا أن نعتزل العالم ونعلم أن كل ما نقوم به سوف يكون لصالح المؤامرة، نمط التفكير هذا ما هو إلا أحد أعراض تفشي نظرية المؤامرة في المجتمع، والتي أصبحت مثل النار التي تحرق بيتنا الجميل وأصبحنا كالذي يرفض إطفاء النار ويرفض أن يبني بيته من جديد.

قد أصبحت الشعوب تكره التغيير وتكره الإصلاح، وترى أن جرح الهزيمة فينا عميق لا يمكن أن يشفى، وأن الاستعمار أو الاحتلال في المنطقة يتفوق علينا بالكثير ولا يمكن مجابهته مطلقًا، هذه الهزيمة النفسية التي تولدت فينا ما هي إلا أحد أسباب تراجع الأمة الإسلامية عن تحقيق أي تقدم أو نصر؛  بل ترمي بنا إلى مستنقع الضعف والوهن وتدمر كل الأجيال القادمة.

 الفرق بين اتباع نظرية المؤامرة وبين البحث عن الحقيقة

وجب علينا أن نعرف أن الإيمان بنظرية المؤامرة يختلف عن الإيمان بوجود استراتيجيات سياسية وخطط تتبعها كل الأمم والمجتمعات منذ فجر التاريخ لتحقيق مكاسبها ولتعزيز قدراتها، الفرق بينهما أن الأول يقودك الى إغلاق عقلك وترجيح نظرية المؤامرة على كل المواقف الخارجة عن المألوف، وعدم التفكير بأي تفسير للأحداث، وعدم الإطلاع على أي نوع من المعرفة، وعدم بذل أي جهد في التقدم للأمام لأن كل جهد هو لصالح المؤامرة، أما الثاني يختلف لكونه يحثك على فهم حقيقة أن المواجهة تتم بالإعداد والتخطيط والتطوير، وأن هذه الأمم لم تصل إلى ما وصلت له إلا لأنها بذلت جهدها في مجابهة أعدائها والتقدم عليهم وتحقيق مكاسبها على كل الأصعدة، وهذا التفريق هو ما يجعلك قادرًا على أن تكون حياديًّا في بحثك عن الحقيقة، وجادًا في عملك لتحقيق التغيير وصنع المستحيل.

ومن أهم الأمور التي لا يدركها أتباع نظرية المؤامرة، أن الأمم والشعوب المتمكنة والمسيطرة تحاول تغيير الكثير من المبادئ الدينية والعادات والتقاليد للشعوب الأضعف، وهذه حقيقة تاريخية لا مفر منها، عدا عن الرغبة التي تغزو الأضعف في اتباع الأقوى وتقليده كما قال ابن خلدون: المغلوب مولع دائمًا بتقليد الغالب.

لا تتوقف الحكومات المستبدة عن تثبيت نظرية المؤامرة في الشعوب لكي ترضخ الشعوب للحاكم، وتسكت عن أي ظلم، وتتوقف عن أي محاولة للتغيير خوفًا من المستقبل المجهول الذي حاكه الوحش الخفي، عدا عن استعمالها لتبرير أفعال الحكومات في شتى النواحي، كما قال الشاعر : «وراعي الشاة يحمي الذئب عنها.. فكيف إذا الرعاة لها ذئاب؟».

كل الأسئلة التي قد يطرحها الشعب على الحكومة تعد مؤامرة، وكل المطالبات الشعبية تعد فتنة؛ لأن العدو الخفي يحقق أكبر فائدة من خلال تلك الدعوات للإصلاح والتغيير، لهذا نجد أن نظرية المؤامرة هي خير دواء وخير طريق لتثبيت العروش، وإزاحة المعارضة وتبرير التحالف مع المحتل والمستعمر.

تعد الماسونية من أهم الأمثلة على تفشي نظرية المؤامرة بين الشعوب، فالماسونية هي تلك المنظمة التي تحكم العالم وتتحكم في قراراته، وتزرع الفساد في المجتمع، وتمهد لحكم المسيح الدجال، هذا التعريف هو وفق أتباع نظرية المؤامرة والذي وإن صح فهو يحمل في طياته التضخيم الكبير لها، وزرع الهزيمة والخوف في الشعوب، على النقيض من ذلك نجد أن الحركة الماسونية تعرف نفسها على أنها منظمة أخوية عالمية يتشارك أفرادها عقائد وأفكارًا واحدة فيما يخص الأخلاق الميتافيزيقيا وتفسير الكون والحياة والإيمان بخالق إلهي، وقد قيل بأن تفسيرها الحرفي يشير إلى «الهندسة» والذي يرمز إلى مهندس الكون العظيم   – الخالق–.

إن السرية التي تتبعها هذه المنظمة بخصوص نشاطاتها يضع الكثير من علامات الاستفهام حولها، وهو ما يجعل أصحاب نظرية المؤامرة يتخذونها كعامل رئيسي لصنع المؤامرة، وهذا يطرح سؤالًا جدليًّا مهمًا وهو ماذا لو كانت نظرية المؤامرة هي من صنيع الماسونية ذاتها؟ بهدف بث الرعب والهزيمة بين الشعوب وتضخيم حجمها وقدراتها لتكون نظرية المؤامرة أحد أكبر ما أنتجته المؤامرة.

هي وثيقة مزيفة تتحدث عن خطة لغزو العالم من قبل اليهود، وهي تتضمن 24 بروتوكولًا وقد ثبت أنها مزورة وأنها أخذت من كتاب «الجحيم بين ميكافيلي ومونتسكيو»، ولكن الجدل حولها لا يسير حول هذا المنحى؛ بل يتبع نظام الإثبات التاريخي الذي يؤكد من وجهة نظرهم أن  اليهود قد حققوا الكثير من الهيمنة على العالم بالجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.

دومًا ما نجد أن هذه الوثيقة تشكل الدليل بالنسبة لأتباع نظرية المؤامرة على صحة نظريتهم، ولكن لنتساءل مرة أخرى حول ما إن كان تسريب هذه الوثيقة – إن سلمنا بحقيقتها–  هو أحد أشكال زرع نظرية المؤامرة في الشعوب وإعطاء الصهيونية هالة من العظمة والقوة المطلقة في التحكم في كل الأصعدة كوسيلة من وسائل الحرب النفسية ضد الشعوب والأمم، إن الحرب النفسية ما هي إلا أحد أنواع الأسلحة الفتاكة للنيل من الخصوم على المدى القريب والبعيد، ونجد أن الحرب النفسية من الأساليب المتأصلة بين البشر منذ فجر التاريخ.

المسيح الدجال قد خرج فعلًا !

يجب عليك أن لا تنصدم عندما تعلم أن هناك من يؤمن يقينًا بخروج المسيح الدجال وتأثيره المعنوي والمادي على المجتمعات البشرية، هذه النظرية تستند إلى تفاسير معينة لنصوص من القرآن والحديث النبوي وللتوراة والإنجيل، ولها العديد من الأتباع حول العالم، وقد دعا بعضهم إلى الانعزال عن العالم الحديث في الجبال، وبناء القرى المحصنة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل