المحتوى الرئيسى

«العين الحمراء» لرصد أوكار «الوحوش».. و«جى بى إس» لتحديد مواقعها

05/11 10:16

«مهندس و3 صيادين سابقين»، هؤلاء من تعتمد عليهم مصر فى التعامل مع ظهور التماسيح فى أى محافظة مصرية، وهم من أبناء «أسوان» المكلفين رسمياً بالتعامل مع أصحاب «الفك المفترس» داخل وحدة التماسيح، التابعة لقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة، التى تفحص أدق تفاصيل التماسيح فى «البرية».

استقبل المهندس عمرو عبدالهادى، ابن أسوان الذى يرأس «وحدة التماسيح»، موفدى «الوطن» إلى «رحلة المخاطر» فور وصولهم «عروس الجنوب»، ليشرح تفاصيل «الرحلة» إلى خور «دهميت شرق» فى بحيرة ناصر، أحد المواقع التى رصدت وحدته من قبل وجود أوكار للتماسيح بها، ونجاحها فى اصطياد نحو 12 تمساحاً من مختلف الأحجام هناك.

فريق يضم «مهندس و3 صيادين» يعمل على مركب «ناصر1» مسئول عن صيد الحيوانات المفترسة لأخذ عينات منها لدراسة خصائصها

استقلت «الوطن» لنش «ناصر 1» برفقة أعضاء «الوحدة» وأحمد عبدالحكيم، رئيس وحدة الاتصال بوزارة البيئة، وهو لنش تابع لقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة تستخدمه وحدة التماسيح فى أعمالها لدراسة مجتمعات التماسيح فى بحيرة ناصر، وهو «اللنش» الذى يُعتبر «مكتب الوحدة»، ويرسو بجوار مركب نهرى بسيط، ومركب من «الفايبر جلاس» خفيف الوزن يطفو على سطح الماء، وله قدرة على المناورة السريعة أثناء مطاردة التماسيح فى عُقر دارها.

«لنش ناصر»، ليس عادياً، فقد حوّله رجال «وحدة التماسيح» لما يشبه «القاعدة المتنقلة» وعمدوا إلى استغلال كل شبر فيه ليتمكنوا من البقاء فى مياه بحيرة ناصر لأكبر فترة زمنية ممكنة ورصد مجتمعات وأوكار التماسيح، وتطورات حياتها.

مهندسو وصيادو الوحدة أعادوا تصميم الجزء الأمامى السفلى من «اللنش»، وجرى تفريغه من بعض المكونات الحديدية، بهدف إنشاء مطبخ صغير لتجهيز وجبات الرحلة، التى تستغرق عادة من أسبوع إلى 10 أيام فى مطاردة تماسيح البحيرة.

الصيد يتم ليلاً بكشاف يعكس حمار عين التمساح حتى يحدد موقعه

انطلقت «وحدة التماسيح» برفقة موفدى «الوطن» فى رحلتهم، وكانت أولى المفاجآت أن أفراد الوحدة لا يستعينون بالمياه ولا يحملون معهم أى كميات منها، فمياه البحيرة شديدة النقاوة هى مصدر المياه لهم ولنا أيضاً، سواء للشرب أو الاحتياجات المعيشية المختلفة لأعضاء «الرحلة»، وهى مياه كانت تتميز بطعم جميل دون تلوث، واستمرت الرحلة 3 ساعات عقب الانطلاق من «الميناء الغربى» على بحيرة ناصر، حتى قطعنا مسافة نحو 30 كيلومتراً فى البحيرة، المفاجأة الأكبر أن رحلة الثلاث ساعات حتى موقع «الخور» لم ترصد سوى تمساح واحد فقط، الذى رصده مسئول وحدة الاتصال بوزارة البيئة أحمد عبدالحكيم، حين كان يستطلع الموقع بقرب «دهميت» عبر نظارة معظمة، حين صاح «لقينا تمساح»، أعلى سطح «اللنش»، قال لنا «عبدالحكيم» إن طول التمساح يقترب من 4 أمتار، فتوجهنا بـ«اللنش» له، إلا أنه فور شعوره باقترابنا بسبب صوت محرك «ناصر 1»، غاص التمساح فى المياه العميقة لـ«البحيرة»، ولم يكن ممكناً رصده بعدها، توجه «اللنش» حتى نقطة التحرك فى بداية «خور دهميت شرق»، وهو أحد التفريعات الجانبية لبحيرة ناصر بحكم عوامل طبيعية جعلت فى مناطق متعددة عدة «أخوار» جانبية متصلة بقطع من الأرض يعيش بجوار بعضها أهالى من محافظة أسوان، وقرى نوبية متعددة، وحسب أهالى لهم أصول نوبية، التقتهم «الوطن» عقب انتهاء جولة صيد التماسيح؛ فإن أصل كلمة «دهميت» هو «أرض الملكة»، حيث بنى أحدث ملوك الفراعنة قصراً لزوجته فيها، حيث تعنى «دا» باللغة الفرعونية كلمة «أرض»، و«همت» الملكة.

عند «نقطة الانطلاق» شرح فريق عمل «وحدة التماسيح» آلية عمله، حيث يعمل على رصد التماسيح فى الليل فقط؛ فالهدف «كائن ليلى»، تتميز عيونه بوجود عدة طبقات تعكس الضوء؛ وهو ما يُمكّن الفريق من معرفة مكان وجود الهدف والانطلاق لصيده، بعد مرور 3 ساعات من الانتظار فى مدخل «خور دهميت الشرقى»، انطلقت رحلة استكشاف «أوكار التماسيح».

«الصغير» حتى طول «متر ونصف» يصطاد بـ«اليد».. والبالغ يربط بحبل حتى يفقد مقاومته

وأشار فريق «الوحدة» إلى أن أعشاش التماسيح تكون على شواطئ الأخوار، والمقدر مساحتها بنحو 6 آلاف كيلومتر شواطئ بطول بحيرة ناصر، حيث تعيش التماسيح فى المواقع الضحلة، فيما يجرى الرصد من بعد نحو 30 متراً من الشاطئ، مع الاقتراب من التماسيح حتى يتم التعامل معها بشكل أمثل، سواء بالإمساك بها لدراستها، أو رصدها، حتى يتم استخلاص نتائج عن مجتمعات التماسيح بتلك المناطق، ويرجع استقرار التماسيح فى «الأخوار»، حسب فريق «وحدة التماسيح»، إلى أن مياهها أهدأ وحركتها أبطأ من مياه المجرى الملاحى للبحيرة، مع توافر مصادر الغذاء للتمساح بها، مشيرين إلى أن هناك أخواراً حجمها كبير، ويوجد بها قلة من التماسيح، فيما توجد أخوار صغيرة وبها تماسيح كثيرة. نجح فريق «الوحدة» على مدار 9 سنوات فى استكشاف التماسيح الموجودة فى نحو 3 آلاف كيلومتر شواطئ فى بحيرة ناصر، بواقع 50% من الشواطئ الموجودة بها، لكن «الفريق» يتابع حالياً أماكن وجود التماسيح لمعرفة وضعها، حيث إنهم يواجهون تحدياً فى تمويل الرحلات الطويلة للوصول لأماكن أبعد فى بحيرة ناصر لدراسة التماسيح، وهو ما يتطلب ميزانية مالية كبيرة.

وفى مفاجأة غير متوقعة، لفت الفريق إلى أن أعداد تماسيح بحيرة ناصر تقل بسبب وجود صيد مخالف لها بقصد الاتجار فيها، واستخلاص جلودها للصناعة بشكل غير شرعى، لافتين إلى أن الوزارة تعمل على وضع ضوابط حالياً للتعامل مع التماسيح بشكل اقتصادى، وبعد تعاقب أفراد «الوحدة» على شرح أوضاع التماسيح، بدأنا الاستعداد للانطلاق مع آخر ضوء فى النهار، لتبدأ الرحلة على مدار نحو 3 ساعات فى المياه.

التمساح المصطاد يهدأ كما لو كان ميتاً قبل «انتفاضة الهرب».. و«الفريق» يربط فكه بـ«بكرة لاصقة عادية».. ويؤكدون: يفتح فمه بصعوبة ويغلقه بإحكام

ورصدت «الوطن» توثيق فريق وحدة التماسيح لكافة الظروف قبيل الانطلاق فى رحلة البحث عن «التماسيح»، بدءاً من تاريخ اليوم، وإحداثيات المنطقة الموجودين بها بواسطة الـGPS، وموعد الغروب، وتوقيت ظهور القمر، وحجمه، وكثافة السُحب، ووجود أمواج من عدمها، ودرجة حرارة المياه، والجو.

تخلى فريق «الوحدة» عن «اللنش الكبير»، وترك أحد أفراد الفريق لحراسته، مع توجه باقى الفريق لمركب من «الفايبر جلاس» طوله 5 أمتار، وعرضه متر ونصف، ويرتفع عن المياه نحو 30 سنتيمتراً فقط، لتبدأ رحلتنا 7 مساءً بعدما حل الظلام الدامس المنطقة.

قاد حركة المركب المهندس عمرو عبدالهادى، رئيس وحدة التماسيح بوزارة البيئة، مع وجود فرد بجانبه، وآخر يوجه «المركب»، مع وجود موفدى «الوطن»، وأحمد عبدالحكيم، رئيس وحدة الاتصال بوزارة البيئة.

بدأ «عبدالهادى» استخدام مصباح إنارة كبير بحوزته لرصد أعين التماسيح، وأماكن وجودها على الشواطئ، وسط حديثه عن إمكانية عدم رصد تماسيح، أو صيدها، مع استمرار التحرك لرصد أوضاع الشواطئ المختلفة.

وبعد 22 دقيقة كاملة من رصد شواطئ «الخور» المتعرجة، سطعت نقطة حمراء فى الظلام، لتكشف عن وجود تمساح صغير داخل الخور، مسح «عبدالهادى» المنطقة المحيطة به بواسطة ضوء مصباح، حتى اطمأن من عدم وجود تماسيح أخرى، لينطلق المركب فى اتجاهه بهدوء. فى هذه الأثناء قال هانى فايز، أحد أعضاء الفريق، إن التمساح حجمه صغير، ويبعد عن المركب لمسافة 25 متراً تقريباً، وأرجع ذلك لحجم انعكاس الضوء منه، مضيفاً: «بعد فترة هتقدر تحدد حجم التمساح من عينه»، ومع اقتراب المركب تمكن التمساح من الهرب، دون مهاجمة الطاقم، ليتضح عملياً أنه «كائن دفاعى وليس هجومياً»، وأن الهروب وسيلته الأولى لـ«الدفاع» عن نفسه.

استمر «الفريق» فى البحث عن نفس «التمساح»، حتى نجح فى رصده بعد 9 دقائق من البحث عنه.

وفى صمت وهدوء بدأ «عبدالهادى» التواصل مع «هانى»، الذى كان يقود «المركب» عبر حركة بيديه، وإشارات الضوء، ليشير له إلى موقع التمساح، وكيفية تحركه، حتى اقتربنا من مكان وجود التمساح.

وواصل رجال «الوحدة» عملهم دون استخدام أى تجهيزات خاصة باصطياد التمساح، وفى اللحظة المناسبة مدد «عبدالهادى» جسده الرشيق فوق مقدمة المركب، وتدلت يداه، وجزء من جسده فى الماء، حتى أحكم قبضته على التمساح، ليبدأ «الريس الشاذلى»، فى رفع «عبدالهادى» حتى لا يسقط مع التمساح فى المياه.

وعقب الإمساك بالتمساح، الذى تبين أنه صغير الحجم، كانت أولى مهام فريق الوحدة هى غلق فمه المفترس، والمفاجأة كانت أن غلقه يتم بـ«بكرة لاصق عادية»، وأضاف أن التمساح يحكم غلق فكه، لكنه يفتحه بصعوبة، وبالتالى فإن اللاصق البلاستيكى كافٍ للحماية من أسنانه. وواصل «هانى»: «التمساح اللى ماسكينه ده ذكر»، وذلك قبل أن يتم فحصه وهو ما ثبت بالفعل بعدها، وتابع: «من حركته، وقوته تعرف هو ذكر ولا أنثى.. ولعلمك التمساح من طوله متر ونصف إلى 2 متر ونصف بيكون فى شبابه، وأقوى من التمساح الأصغر من كدا أو الأكبر منه».

المهندس «عمرو» يسجل بيانات وظروف الانطلاق لصيد «الوحش»

وأثناء إجراء القياسات على التمساح المصطاد، لم يبد أى حركة كما لو أنه كان ميتاً، قبل أن يتحرك فجأة فى «انتفاضة الهرب»، ولكن إحكام «الريس الشاذلى» لقبضته عليه لم تدعه يهرب، ليقول «هانى»: «الغدر فى دمهم، ولكن إحنا عارفينهم كويس أوى».

وكانت القياسات التى أخذها فريق «الوحدة» على التمساح هى طوله، الذى بلغ متراً و17 سنتيمتراً، ووزنه 4.5 كيلوجرام، ودرجة حرارة المياه وقت صيده، ودرجة حرارة الهواء، وإحداثيات وجوده عبر الـGPS، ثم استخدم «عبدالهادى» مشرطاً طبياً فى قطع 2 من حراشيف التمساح، وقطعة من جلد رجله اليمنى قال إنها توازى «رأس عود كبريت» فقط، موضحاً أن ذلك يجعل للتمساح رقماً يمكن من رصده حينما يكبر، كما تتم دراسة جينات التماسيح، ولو كانت سليمة أو مصابة بأمراض وغير ذلك، ثم فكك «عبدالهادى» الشريط اللاصق عن التمساح، الذى نزف دماً من أماكن قطع حراشيفه، وتركه يختفى فى المياه.

وبعد نصف ساعة كاملة من الرصد، احمّرت عين فى الظلام، ليقترب المركب من التمساح، لكنه غطس وهرب، قبل أن يناور المركب، وينجح «الريس الشاذلى» فى اصطياده بيده على غرار التمساح الأول، الذى تبين كونه «أنثى». لكن تلك المرة كان التمساح مختلفاً، حيث أخذت تصرخ كما لو كانت تستغيث بأحد، لكن لم يقدم أى تمساح لمحيط المركب خلال تلك الفترة، وأخذ فريق العمل قياسات، وظروف الإمساك بالتمساح، ثم أطلقه بالبرية بعدما أخذ عينة منه. ولم يصادف رحلتنا، التى استمرت حتى 10 مساءً بواقع 3 ساعات من البحث عن التماسيح الكبيرة، سوى الذى عثر عليه الفريق قبل أن يختبئ، كما أن رحلة العودة لمدينة أسوان نهاراً على مدار ساعتين ونصف الساعة لم تسفر عن ظهور أى تماسيح أخرى. ويوضح «هانى» أن اصطياد التماسيح الكبيرة البالغة يختلف تماماً عن الصغيرة، حيث تستخدم معدة صيد تسمى «الهربون»، وهى عصا حديدية كبرى، مثبت بها سلك متين لا ينقطع، ومربوطة بـ«كرة كبيرة» تطفو على سطح المياه. ويشدد عضو «وحدة التماسيح» على أن التمساح ليس من طبعه الهجوم، ولكنه كائن دفاعى فقط، ويصطاد ليعيش مثل أى كائن، ويدافع عن نفسه، وأسرته حال التعدى على العش الخاص به، خاصةً فى فترات التكاثر، التى نمر بها حالياً؛ فإنه يكون فى أشرس حالاته.

فك الشريط اللاصق من فم التمساح لإطلاقه فى المياه مرة أخرى

«عبدالهادى» يطلق التمساح فى بحيرة ناصر

رئيس «وحدة التماسيح» خلال استكمال قراءات ومؤشرات التمساح

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل