المحتوى الرئيسى

شروق عبد النعيم تكتب: فشلك لم يكن رغبةً إلهية | ساسة بوست

05/09 18:21

منذ 22 دقيقة، 9 مايو,2017

نحن أمة تحركها العواطف والانفعالات أكثر من العقل والمنطق، نلجأ إلى تعليق الكثير من فشلنا الدنيوي على شماعات السماوات العليا والأقدار المكتوبة التي نعجز عن تغييرها، أو حتى التنبؤ بها. ومن كان مقتنعًا بغير ذلك أو قام بإسناد فشله إلى مبررات منطقية يقبل بها أي عقل واعٍ، اتهمناه على الفور بقلة الإيمان والجزع وعدم الرضا بالمكتوب. وما هو المكتوب إذن؟

أيها القارئ العزيز، كم مرة فشلت فيها في أمر ما من الأمور الدنيوية التي ننشغل بها دائمًا وأبدًا ثم وجدت كلمات المواساة تأتيك على هيئة «إنها القسمة والنصيب، والقضاء والقدر، والله منع عنك ذلك لأنه كتب لك الأفضل»؟

فهل حقًّا تعتقد أن هذا الأمر الذي لم ينجح في النهاية كان فشله فقط متوقفًا على «القسمة والنصيب»؟ تلك الوظيفة التي خسرتها عقب مقابلة العمل، والفتاة التي أحببتها ولكنك تزوجت غيرها، والمنزل الذي رغبت في شرائه لكنك لم تستطع، وغيرها من الأمور الدنيوية التي تشغلنا جميعًا، هل كان ذلك كله من جرّاء «القسمة والنصيب»؟

إذا نظرنا للأمر من لغة الفلسفة والمنطق، فالمقدمات وحدها هي التي تؤدي إلى النتائج، وإذا اختلفت المقدمات، فحتمًا ستتغير النتائج. بمعنى أن أفعالك وحدها هي ما يحدد ما ستصبح عليه، ربما أن هناك ظروفًا مادية أو اجتماعية تحيط بك، لكنها أيضًا منطقية وواضحة وملموسة ولا علاقة لها بمعجزة هبطت عليك من السماوات.

فالوظيفة التي لم يتم اختيارك فيها كانت لأسباب تتعلق بمؤهلاتك ومهاراتك، أو حتى مبررات متعلقة بالواسطة والمحسوبية، وهي أمور كلها منطقية وملموسة، ولا تعني بالضرورة أن الله منع عنك تلك الوظيفة فقط لأنه كتب لك الأفضل، وتلك الفتاة التي لم تستمر خطبتك بها، فهناك حتمًا سبب ما أدى إلى انفصالكما، سواء كان عدم توافق شخصيتيكما، أو مشكلة ما أدت إلى النهاية، وتلك كلها أمور منطقية أيضًا ولا تعني بالضرورة أن تلك الفتاة كانت ستجلب لك الهم والتعاسة، ولذلك قرر القدر أن ينهي ما بينكما ليرتب لك لقاءً مع فتاة أخرى هي التي ستسعد بجوارها.

فحتى إن حصلت على وظيفة أفضل في وجهة نظرك من تلك التي خسرتها، وحتى إن تزوجت من فتاة كانت بمثابة الجنة بالنسبة إليك وصارت أحب إليك من التي سبقتها، فصدقني هذا لم يكن مبرر فشلك. فالمستقبل لا علاقة له بتحديد ملامح الحاضر. والنجاح والفشل أمران منطقيان لا تستوي الحياة بدونهما.

عزيزي القارئ، لم يعد لي عقل يقتنع أننا نتحرك فقط وفقًا لتدابير السماء، والطرق التي يرسمها لنا القضاء والقدر، لم أعد مقتنعة بأن هناك ما يسمى بـ «القسمة والنصيب» اللذين يتحكمان في اختياراتنا وحياتنا وكأننا مسلوبو الإرادة لا نقوى على تغييرهما. إنني مؤمنة جدًّا بالقضاء والقدر، لكن ما أقوله إن الأمر ليس عشوائيًّا وخارقًا للقدرات البشرية كما نعتقد. الأمر مباشر أكثر مما يبدو عليه، وطبيعي ومنطقي حتى وإن كان من تدخل تدابير السماوات، فزمن المعجزات قد مضى، وما نعاصره الآن إنما هو نتيجة حتمية لتصرفاتنا البشرية، وبناء عليها كُتب هذا المسمى بـ «القسمة والنصيب».

كفانا تعليق أمنياتنا المؤجلة وفشلنا في أمنياتنا السابقة على شماعة القضاء والقدر؛ فنصبح بذلك غير نادمين بل مسلوبي الإرادة ومنعدمي التفكير. كفانا لومًا لكل العوامل الخارجية والخارقة التي لا وجود لها سوى في خيالاتنا، كفانا اقتناعًا أن الفشل ليس إلا رغبة الإله في أن نحصل على الأفضل.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل