المحتوى الرئيسى

عباس يخنق غزة بمساعدة إسرائيلية.. «أنا والعدو على أخويا»

05/09 09:58

"أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب".. ربما لم يعد هذا القول في أدبيات الأمثال العربية ملائمًا لما يجري في غزة، فما كان طبيعيًّا ومعتادًا من أن تسود خلافات بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة "حماس" بلغ حدًا غير متوقعًا، وذلك باعتماد السلطة على الاحتلال في معاناة الغزيين.

الرئيس عباس فرض إجراءات عقابية كبيرة ضد أهالي القطاع، فقرر في أبريل الماضي، خصم 30% من مستحقات موظفي السلطة في القطاع، ثمَّ تبع ذلك عدم دفع فواتير الكهرباء التي تغذّي غزة، وإغراقها في الظلام ومياه الصرف الصحي، وترك المرضى على رأسهم الأطفال يموتون في المستشفيات بسبب انعدام الوقود التشغيلية لها.

لم يتوقف الأمر عند ذاك الحد، بل إنَّ عباس تقدَّم بطلب رسمي إلى الاحتلال لوقف اقتطاع ثمن استهلاك الكهرباء في غزة، وقيمتها 11 مليون دولار، من عائدات الجمارك الفلسطينية.

كشف ذلك مسؤول فلسطيني تحدَّث لصحيفة " الحياة اللندنية"، قال إنَّ السلطة طلبت رسميًّا من إسرائيل، نهاية أبريل الماضي، وقف اقتطاع ثمن استهلاك الكهرباء من عائدات الجمارك التي تجبيها تل أبيب من المستوردين الفلسطينيين عبر الموانئ والمعابر التي تسيطر عليها، لمصلحة السلطة، إلا أنَّ إسرائيل لم تستجب للطلب.

المسؤول صرَّح أيضًا – دون أن تذكر الصحيفة اسمه: "نحن ندفع بدل استهلاك الكهرباء الإسرائيلية في غزة، بينما تقوم حركة حماس بجباية الأموال من المستهلكين وتحول الأموال إلى موازنتها، والسلطة قررت وقف تمويل انقلاب حماس في غزة، وسنكرر الطلب من إسرائيل وقف اقتطاع الأموال من إيراداتنا لمصلحة حركة حماس وانقلابها".

وتقتطع إسرائيل من أموال الضرائب الخاصة بالسلطة، بشكل شهري، مقابل فاتورة الكهرباء في غزة، لكن السلطة تتهم الشركة التي تسيطر عليها حماس بأنَّها تجبي الأموال ولا تحول الثمن للحكومة الفلسطينية في رام الله.

ظلَّ لقطاع غزة أسلوبه الخاص في إعلان جدارته بالحياة، وصفها الشاعر محمود درويش بأنَّها مدينةٌ تعادل تاريخ أمة، بقعة أرض محاصرة من كل الجهات تكافح من أجل العيش وعلى أطرافها عدوٌ يخنق، وفي داخلها رئيسٌ يحاصر ويستعرض.

كثيرةٌ هي التطورات السياسية في الأيام الأخيرة، فبات قطاع غزة هو مسرح المعركة غير القتالية بين "حماس" والسلطة، وصراحةً قال عباس - خلال اجتماع سفراء السلطة برام الله في 11 أبريل الماضي - إنَّ القرارات والإجراءات التي يتخذها تستهدف إجبار حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، وإنهاء الوضع الخطير الذي أوجدته هذه الحركة حسب قوله، في محاولة منه لأن يدفع "حماس" إلى رفع الراية البيضاء.

حكومة "الوفاق الوطني" برئاسة رام الحمد الله، أقدمت على خصم أكثر من 30% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، مبررةً ذلك بأنَّه جاء سبب الحصار المفروض عليها، وأنه لن يطال الراتب الأساسي.

عدد موظفي السلطة يبلغ 156 ألف موظف "مدني وعسكري"، منهم 62 ألفًا من غزة "26 ألف مدني 36 ألف عسكري"، يتقاضون قرابة 54 مليون دولار شهريًا، وتبلغ نسبة غزة 40% من إجمالي الموظفين، بحسب بيانات صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية.

وترفض حكومة الوفاق الوطني منذ تسلمها الحكم مطلع يونيو 2014 صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة "المحسوبين على حركة حماس"، والذين هم على رأس عملهم، أو دمجهم في سلم موظفي السلطة، وفي المقابل تقوم بصرف رواتب حكومة رام الله المستنكفين عن العمل منذ 10 سنوات.

غضب "عباس" من حركة المقاومة جاء بعد تشكيلها لجانًا إدارية لإدارة الحكم في غزة فهو يرى أنّها سبب الانقسام، وفي شكل غير مسبوق، حذَّر عباس حركة "حماس" من إجراءات غير مسبوقة، فقال خلال لقائه بالسفراء العرب بواشنطن، قبل أيام: "لن نقبل بالاستمرار في العمل مع حماس وهي تشرع الانقسام، وأنا قررت أن أعيد النظر بكل ما أفعله مع حماس في قطاع غزة.. سأتخذ خطوات غير مسبوقة بعدما أوقفت حماس المصالحة، والآن لا توجد مصالحة، والخطوات ستكون مؤلمة، إذا لم تعد حماس عما فعلته في غزة".

تعالت لهجة الهجوم على القطاع حتى بلغ حدًا مرعبًا، فقال محمود الهباش مستشار فلسطيني" target="_blank">الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية، وأثناء خطبة الجمعة، إنَّه يتوجب على الرئيس حرق غزة وهدمها لو اضطر لذلك لإعادتها للشرعية.

وأضاف أنَّ عباس سيأمر بسحب سلاح حماس والمقاومة في غزة، وأنَّه لن يبقى إلا الأجهزة الأمنية تحت شرعية الرئيس.

"حماس" من جانبها دعت غداة التهديدات، الفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية والإسلامية لاجتماع لإطلاعها على المستجدات، وشارك في الاجتماع قياديون رفيعون من كل الفصائل، بينهم نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" فايز أبو عيطة.

عقب الاجتماع، عقدت حماس والفصائل مؤتمرًا، تحدَّث فيه صلاح البردويل، فأكَّد رفض الحركة لما أسماها "التهديدات والابتزازات من قبل الرئيس عباس".

البردويل أوضح أنَّ الحركة أبلغت الفصائل خلال الاجتماع أنَّ "اللجنة الإدارية مؤقتة لتنظيم العلاقة بين المؤسسات الحكومية نظرًا لغياب الحكومة"، وقال إنَّ هناك اتفاقًا على أن يشارك الكل في أي حوار مستقبلي مع "فتح"، ورحَّب بأن تباشر الحكومة أعمالها بسبب اتفاقات المصالحة، مؤكِّدًا الاستعداد لتنفيذها بحذافيرها.

المواجهة مع إسرائيل تظل سيناريو مطروح بقوة بسبب الأزمة الراهنة بين السلطة وحركة حماس، ومدعى ذلك هو ما حدث قبل ثلاث سنوات حين أدَّت أزمة في الرواتب إلى مواجهة عسكرية.

"حماس" لمحت إلى حرب جديدة مع إسرائيل في حال استمرت إجراءات عباس، فالناطق باسمها سامي أبو زهري قال: "الاحتلال الإسرائيلي سيدفع ثمن تشجيعه لرئيس السلطة على خنق غزة.. على الاحتلال أن يعيد تقييم حساباته قبل فوات الأوان، وحركة حماس في جعبتها الكثير لقلب الطاولة على الجميع".

المحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" العبرية، آفي بنيهو وصف إجراءات السلطة ضد قطاع غزة بأنها "استعراض لعضلاته أمام حركة حماس".

وأضاف - بحسب الصحيفة: "أبو مازن يستعرض العضلات، لا يحول الرواتب ويمارس أدوات الضغط على حماس والأيام وحدها ستقول كم سيسير بهذا الضغط وإذا كان هذا بالفعل قرارًا استراتيجيًا أم أنه مجرد زينة للقاء في البيت الأبيض".

وتابع: " عباس الرجل المسن جدًا، يتمتع منذ سنوات بمكانة رئيس دولة دون أي مسؤولية عن دولة.. لديه طائرة وحراسة، حرس شرف ووجبات رسمية ومضافات رسمية، وإلى جانبها لا توجد لديه الكثير من المسؤولية".

ورأى المحلل: "على إسرائيل أن تفتح 7 عيون وأن تتابع بيقظة لأنه إذا ما تنازعت حماس والسلطة فإنها ستدفع الثمن مثلما حصل قبل 3 سنوات حين أدت أزمة الرواتب وأمور أخرى إلى المواجهة العسكرية".

الدكتور أيمن الرقب منسق العلاقات الخارجية في حركة "فتح" قال إنَّ الخلافات بين "حماس" والسلطة ليس جديدًا، لافتًا إلى أنَّ العشر سنوات الماضية لم تشهد أي إجراء من قبل عباس ضد قطاع غزة.

وأضاف – لـ"مصر العربية": "الإجراءات العقابية لم يتخذها الرئيس عباس ضد حركة حماس فقط بل ضد الشعب كله في قطاع غزة، ومن ذلك خصم رواتب موظفي السلطة الذين التزموا بالعمل والحديث يدور أيضًا عن إحالة موظفين كثيرين للتقاعد".

وتابع: "كانت هناك رؤية بأن تستوعب حكومة الوفاق موظفي حركة حماس وعددهم 50 ألفًا لكن السلطة رفضت ذلك، وتدخلت بعض الدول منها تركيا وقطر وسويسرا على ضرورة استيعاب موظفي حماس عبر رؤية واضحة وذلك بإحالة 25 ألفًا من موظفي حماس في القطاع و25 ألفًا من موظفي السلطة في رام الله للتقاعد وبالتالي تكون هناك 25 ألف وظيفة شاغرة تستوعبها السلطة، وذلك عبر لجنة إدارية قانونية".

هذه الرؤية يقول الرقب إنَّ السلطة رفضتها، ما أدَّى إلى استمرار عملية الاحتقان وعدم تمكين حكومة الوفاق من ممارسة عملها.

وأضاف: "كان يمكن للسلطة منذ اليوم الأول للاختلافات أن تمارس ذلك، وألا تترك مجالًا لهذا النمو ثم تعاقب الموظفين.. العلاج الآن لا توجد به حكمة ويزيد من الهم على مواطني قطاع غزة".

الإجراءات العقابية الأخيرة أكَّد أنَّ البعض يعتبرها جاءت بمباركة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وذلك لفرض حالة من الضغط على حركة "حماس"، واصفًا هذه الخطوات بـ"غير الحكيمة"، كونها تمثل عقابًا لملايين الناس قرب حلول شهر رمضان الكريم.

وقال الرقب: "هناك من يعتبر أنَّ أبو مازن قدَّم قطاع غزة قربانًا لزيارة واشنطن والسماح له بذلك، والخطوات التي اتخذها مؤخرًا لتأكيد أنَّه بإمكانه اتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على القطاع".

الرقب أكَّد ما كشف عنه بأنَّ السلطة طالبت إسرائيل بعدم تحويل الأموال لشركة الكهرباء الإسرائيلية وذلك لقطع التيار عن القطاع إلا أنَّ الاحتلال رفض هذا الأمر.

واعتبر أنَّ وثيقة "حماس" الجديدة جاءت كمحاولة لكسر جدار الصمت، مشدِّدًا على أنَّ دول الجوار مطالبة بالتعامل بإيجابية مع الأمر، بحكم قوة حركة "حماس" في القطاع.

السلطة مطلوبٌ منها – كما يقول الرقب – ألا تعاقب قطاع غزة بذنب هي اقترفته، حسب تعبيره، موضِّحًا: "من اقترف الذنب بإيصال حماس إلى سدة الحكم هو أبو مازن شخصيًّا، وهو السبب في شرعنة وسيطرة حماس في غزة، وبالتالي لا يجب أن يعاقب القطاع".

المتخصص في الشأن الفلسطيني خالد سعيد وصف الخلافات بين حركتي فتح وحماس بـ"المستعرة" سواء كانت علنية أو غير علنية، مؤكِّدًا أنَّ مثل هذه الأمور تضر القضية الفلسطينية بشكل عام.

وقال – لـ"مصر العربية": "أي مسؤول غربي يحاول الحديث في القضية الفلسطينية لن يجد من يتحدث معه بسبب الخلافات والانقسامات سواء الجبهة الديمقراطية أو الجبهة الشعبية أو الجهاد أو فتح أو حماس.. من الطبيعي أن تكون هناك قيادة موحدة تحت منظمة فلسطينية يتم الحديث من خلالها".

وأضاف أنَّ المواطن الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية هو من يدفع ثمن هذه الخلافات، غير أنَّه أكَّد أنَّ أهالي غزة أكثر تضرُّروا مما يحدث، مشدِّدًا على أنَّ الأرض الفلسطينية لن تتحرر إلا من خلال توحُّد كافة الفصائل الفلسطينية تحت قيادة موحدة.

سعيد رجَّح عدم حدوث انفراجة في الأمر، على الأقل قريبًا، قائلًا: "كيف سنحرِّر الأرض والرئيس عباس لا يؤيد إضراب الأسرى ولا يقف مع قطاع غزة.. عباس في وادٍ بالضفة ورام الله وحماس وحركة الجهاد في وادٍ آخر في القطاع".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل