المحتوى الرئيسى

Mohamed Hajj Hassan يكتب: حقيقة الإيمان | ساسة بوست

05/08 20:28

منذ 15 دقيقة، 8 مايو,2017

كثيرًا ما نسمع ونردّد أحيانًا عبارات مثل الإيمان هو إيمان بالقلب، وأنتم المسلمون تضيّقون على أنفسكم، لماذا تلزمون النساء بالحجاب، وتمنعوهن من مخالطة الرجال، وتمنعون الناس من استماع الأغاني؟ وغيرها من الاعتراضات بحجة أن العصر تغيّر، وتغيرت معه العادات والتقاليد، وأن أحكام الإسلام هي جزء من تقاليد ذلك الزمن، ولا تتناسب مع عصرنا وثقافتنا؛ فقد أصبحنا أكثر تحضّرًا ووعيًا، والعلم تطوّر، والفكر الإنساني توسعت آفاقه. ونحن نؤمن بالله، بقلوبنا، ولا نعتدي على أحد والله لم يخلقنا ليعذبنا، ولا إكراه في الدين! هل هذا هو الإيمان؟

عقد بالقلب، ولفظ باللسان، وعمل بالجوارح.

ذكرت الروايات أن الإيمان هو «عقد بالقلب، ولفظ باللسان، وعمل بالجوارح». العقد بالقلب هو الإيمان القلبي الذي يعني الإقرار بالتوحيد ونهج الحق، لكنه ليس هو الإيمان؛ فالإيمان لا يتحقق إلا عند اكتمال شرائطه، فبعد الإقرار بالقلب لا بد من الاعتراف به وذكره على لساننا، وليس هذا فقط؛ بل يجب العمل فيما نعتقد ونقر ونتكلم. مثلًا لو أن أحدنا أحب شخصًا ما وعقد قلبه إيمانًا بهذا الحب حتى أصبح قلبه لا يتسع لشيء غير هذا الشخص، لكنّه لم يذكر هذا الحب لأحد ولم يفعل أي شيء للتقرب من هذا الشخص الذي يحبه، فما نتيجة هذا الحب؟ ستكون لا شيء قطعًا سوى المرض والألم والأسى، إنه حب سقيم لا ينتج عنه شيء إيجابي. إن عقولنا لا تقبل مثل هذا النوع من الحب، وإذا سمعنا أن شخصًا يحب أحدًا ولا يعترف بهذا الحب، ولا يقوم بعمل شيء تجاه الفوز برضا المحبوب، فإننا سوف نستنكر عليه بشدّة ونلومه على سقم تفكيره هذا. فإن كنّا لا نقبل هذا الحب مع الأشخاص فما بالُنا بخالقهم! هل سيقبل هذا الحب منّا؟!

اللهم إني أسألك النور في بصري، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، وذكرك على لساني أبدًا ما أبقيتني.

ورد في الدعاء «اللهم إني أسألك النور في بصري، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، وذكرك على لساني أبدًا ما أبقيتني» هذا الدعاء رغم صغره إلا أن مضامينه عالية؛ فهو يلخّص مراتب تحصيل حقيقة الإيمان. فالبصر هنا ليس المقصود منه العين التي نرى فيها، وعلى سبيل المثال لا يقال للعين العمياء بصر، فالبصر هو الرؤية والروح «أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ» وهذه الآية تشير إلى امتلاك البصيرة، التي تعني وضوح الرؤية في تمييز الحق من الباطل. والنور هو في مقابل الظلمات؛ أي طرق الضلال. «اللهم إني أسألك النور في بصري» تعني يا إلهي امنحني الرؤية الواضحة التي أميّز بها الحق من الباطل؛ فتشخيص الحق هو الخطوة الأولى في طريق الإيمان. «واليقين في قلبي» أي الاطمئنان والتسليم في القلب، واليقين عبارة عن علم يحصل بسبب التأمل والبصيرة، وهو ما يصطلح عليه بالمعرفة القلبية، أو الإيمان بالقلب. «والإخلاص في عملي» إن الإيمان الواعي هو الذي يستدعي العمل بعد الإقرار والتصديق القلبي، فالإيمان لوحده المجرد عن العمل لا يتلازم مع الإحساس بالمسؤولية، وهو أمر لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة.

وإذا عدنا إلى القرآن نجد أن ذكر العمل الصالح ملازم دائمًا للإيمان «إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الَّصَالحات» فبعد تشخيص مورد الحق – وهو الإيمان العقلي- والتسليم بالقلب للحق يأتي دور العمل الصالح والمخلص الساعي لإحقاق الحق «لَقَد أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبَيِّنَات وأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ والميزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بالقِسْط» فإقامة العدل والقسط هي على عاتق الناس لا على الرسل «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» ولا يمكن إقامة العدل بدون العمل والسعي وتحمل المسؤوليّات. فنحن في هذا الدعاء نسأل الله أن يمنحنا البصيرة التي نميّز بها الحق من الباطل، وأن تطمئن قلوبنا ونسلّم لهذا الحق، وأن يمنحنا القوة والإرادة والعزم من أجل السعي في إقامة هذا الحق، وأن يبقى لساننا جاهرًا بهذا الحق ناطقًا به وذاكره على الدوام، «وذكرك على لساني أبدًا ما أبقيتني».

فهذا إبليس، كان من أوائل المؤمنين بالله، وكان قد عبد الله لآلاف السنين، قبل أن يهبط عباد الله الملئون بالادعاء وأبناء آدم المدلّلون إلى هذه الأرض. وكان قلبه مركزًا لمعرفة الله، ولكنه في ذلك الامتحان، وحين جاء وقت الاصطفاء والاختيار، حين ينبغي أن يتبلور الإيمان بكل أبعاده، وأثناء تعيين الطريق النهائي، لم ينفعه إيمانه، بل بقي في نطاق القلب. فعصى أمر ربه وأصبح من الملعونيين.

إن الإيمان الذي يبقى محصورًا في القلب سوف يذوي ويجفّ، ومثل هذا الإيمان لا قيمة له بحسب ثقافة القرآن.

إن الإيمان الذي يبقى محصورًا في القلب سوف يذوي ويجفّ، ومثل هذا الإيمان لا قيمة له بحسب ثقافة القرآن. إن الإيمان وفق الثقافة القرآنية اليقينية ليس مجرد أمر قلبي صرف، والإيمان القلبي الجاف والفارغ هو الذي لا يُشاهَد آثاره في جوارح المؤمن وأعضائه، ومثل هذا الإيمان لا يتمتّع بأية قيمة بنظر الإسلام. إن الإيمان المعتبر في الإسلام هو الإيمان الذي يوّلد المسؤوليّة وينتجها، إنه الإيمان الذي يتلاءم مع الالتزامات العمليّة، وإذا لم يكن كذلك فلا ينبغي أن نتوقّع منه أية نتيجة، ولا ينبغي أن نتوقّع منه النصر في الدنيا والأمن والسعادة فيها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل