المحتوى الرئيسى

حكايات الشقيانين فى عيد العمال

04/30 22:14

منذ نعومة أظافرهم وهم يتحملون مسئولية أنفسهم. أقدارهم فرضت عليهم أن يمتهنوا وظائف وأنشطة باتت مع الأيام عبئاً كبيراً عليهم، بعضهم ضحية المرض نتيجة عملهم الشاق، وآخرون باتوا يبحثون عن عمل آخر حتى يستطيعوا مواجهة مصاعب الحياة وسد احتياجات المنزل..

أهوال يومية يعيشونها خصوصاً مع غلاء الأسعار.

ومع اقتراب «عيد العمال» عبر عدد من العاملين عن أملهم فى حكومة شريف إسماعيل بأن تقدم لهم حياة أفضل من العام الماضى.

5 ملايين شخص هو عدد العمالة غير المنتظمة فى مصر طبقاً لآخر الإحصائيات.

قال عمر حسن، رئيس هيئة التأمينات الاجتماعية السابق، فى تصريحات مؤخراً إن العمالة غير المنتظمة لها قانون خاص بها، حيث يدفع العامل جنيهاً واحداً شهرياً، ويحصل على معاش 450 جنيهاً، بعد 10 سنوات من انتظام اشتراكه فى التأمينات.

وحال عدم استكمال العامل مدة الـ10 سنوات، يصرف له معاش، بناء على المدة التى اشترك بها.

وحول طريقة الاشتراك بهذا النظام، أوضح حسن أن العامل يطلب من هيئة التأمينات الاشتراك التأمينى، ويدفع 120 جنيهاً فقط، وهى قيمة اشتراكه كل 10 سنوات، أى بما يعادل 12 جنيهاً سنوياً أو جنيهاً واحداً شهرياً.

ونتيجة ذلك يحصل العامل على معاش شهرى قيمته 450 جنيهاً.

«الوفد» التقت عدداً من العاملين غير المنتظمين وسردوا تفاصيل مأساتهم اليومية، فقالوا إن أعينهم تدمع حزناً على حال أبنائهم لعجزهم عن توفير متطلباتهم، فضلاً عن تمزق قلوبهم مع كل دقيقة يشاهدون فيها غيرهم من «أبناء الذوات» يتنعمون بحياة مترفة».

ماسحة الأحذية: «وصول ولادى لكليات القمة هون علىّ مصاعب الحياة»

الساعة تدق الخامسة فجراً. تستيقظ مسرعة، وتؤدى صلاة الفجر، ثم تحضر وجبة الإفطار لأبنائها من العيش والجبنة القديمة، وتحمل على كفتها صندوقها الخشبى لتبدأ يومها الشاق بجوار مزلقان أرض اللواء بمنطقة المهندسين.

اسمها بالكامل آمال حسن محمود، مثال لقصة المرأة المصرية الأصيلة المكافحة.

تحدت الواقع المرير فى تربية أبنائها، حتى التحقت بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، لتكمل مسيرة تعليم أبنائها وبناتها الخمس.

الأولى فتاة خريجة كلية التمريض، والثانى يدرس الهندسة، فيما يدرس الثالث بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والرابع سياحة وفنادق، أما الأخير فيدرس فى المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة.

صاحبة الـ 60 عاماً تحدثت عن يوم عملها قائلة: «بعد تحضير الفطار لأولادى الخمسة، أتوجه ومعى صندوق ورنيش الأحذية لمنطقة المزلقان بأرض اللواء، وهناك أمارس نشاطى اليومى حتى أستطيع أن أسد احتياجات منزلى».

وصول أبنائها إلى أعلى الكليات هون عليها معاناتها الشديدة، فقالت: «تعبى مارحش هدر.. أولادى لا يشعروننى بهذه المأساة، فالتحقوا بكليات القمة وسط زملائهم أبناء الطبقة الميسورة، وأنا لا أعلم كيف كافحت وجعلتهم يصلون لهذه الدرجة العلمية».

تدخل ماسحة الأحذية فى نوبة بكاء، وتصمت قليلاً ثم قالت: «أشعر بالذنب تجاه أولادى.. كنت أتمنى أن يجدوا أولياء أمور أفضل منا، فأنا أعمل بهذه المهنة طوال 17 عاماً وتحديداً منذ أن فقدت زوجى مصطفى اللى كان رزقه يوم بيوم».

وأضافت: «عندما توفى زوجى منذ 17 سنة أجبرت أن اشتغل الشغلانة دى علشان أصرف على عيالى».

تتذكر ماسحة الأحذية بداية مشوارها فى تربية أبنائها، وقالت إنها واجهت مصاعب عديدة منها سخرية المارة منها بأنها تعمل فى نشاط خاص بالرجال فقط، ولكنها أصرت أن تكمل المسيرة لتربية أبنائها.

وأردفت: «اللى كانوا بيسخروا منى وبتريقوا عليا دلوقتى أعز زبائن لىّ.. ولما عرفوا إنى بعمل كده من باب الشرف والأمانة وعلشان أصرف على ولادى ساعدونى وبيشجعونى».

فاطمة محفوظ: ربيت عيالى من بيع الجرايد.. لكن الحال واقف

فى سكون تجلس بجلبابها الرث. تقبض بيديها على مظلة تحميها من أشعة الشمس الحارقة التى تلازمها طوال ساعات بيع الجرائد بجوار إحدى محطات المترو.

وجهها لا يخلو من الابتسامة الصافية.

فمن الوهلة الأولى تجعلك تشعر أنها بمثابة والدتك لما تمتاز به من طيبة قلب..

كلمات قلما تعبر عن حال فاطمة محفوظ، بائعة الجرائد بمنطقة الدقى.

يوم صاحبة الـ45 عاماً يبدأ من الساعات الأولى من صباح كل يوم.

تحمل الجرائد على كتفها وتسير مترجلة من منطقة بولاق الدكرور إلى الدقى، وتقول: «اليوم بيقع علىّ بـ 60 جنيهاً، كان زمان مش أقل من 200 جنيه، بس دلوقتى الجرائد غليت وأبو جنيه بقى بـ2 والناس دلوقتى بقت بتشوف الأخبار على النت ومش محتاجين الجرايد».

وأضافت: «ماتشات الكورة دى سبوبة «مصدر دخلى» لما يكون فى مباراة لمصر أو الأهلى أو للزمالك بعرف أبيع كويس، أو لو فيه كارثة حصلت فى البلد الناس تحب تقرأ حتى لو كان منشور على النت».

وأشارت «فاطمة» إلى أنها تبيع صحف منذ 12 سنة، مضيفة: «ربيت عيالى الـ5 ومنهم اللى اتجوزوا، ودلوقتى لسه معايا 2 تانى فى مدارس، بس لو حال بيع الجرائد هيفضل واقف كده أنا هشوف مصدر دخل تانى خالص لأن كده حرام علىّ بقعد اليوم كله على جنيهات قليلة».

أم محمود: «حصيلة البيع 17 جنيهاً فى اليوم»

بوجهها الشاحب، تجلس أم محمود صاحبة الأربعين عاماً على مقعدها الخشبى وجانبها عشرات الجرائد والمجلات المختلفة. لسان حالها يشكر المولى على نعمته عليها بعد الأزمات المتلاحقة التى شهدتها صناعة الصحافة الورقية.

يوم بائعة الجرائد يبدأ من الساعة الخامسة صباحاً.

تحضر فى عجالة وجبة الإفطار لأبنائها الأربعة، وتخرج مترجلة من منزلها بإمبابة إلى منطقة أرض اللواء، لتبدأ يومها فى بيع الجرائد، وتقول: «البيع ما بقاش زى الأول، ممكن أقعد اليوم كله مش ببيع غير بـ17 جنيهاً، كنت فى الأول بـبيع بـ 100 و150 جنيهاً».

«المواقع الإلكترونية خربت بيتنا والله».. هكذا تقول: إن الشباب والرجال والسيدات باتوا يطالعون الأخبار من خلال هواتفهم المحمولة والتلفاز، ومع انتشار «النت» بشكل كبير وبطريقة بسيطة على التليفونات المحمولة يمكنهم معرفة ما يأتى فى الصحف قبل طباعتها.

وأضافت: «أنه مع غلاء المعيشة بات الأكل والشرب وشراء السندوتشات أهم من شراء الجرائد.

وتشير إلى أنه حال استمر الوضع على ما هو عليه سيتوقف مصدر دخلها، وتحاول ممارسة أى نشاط آخر.

وتصمت بائعة الجرائد للحظات، وعادت دامعة، وقالت: «بيصعب علىّ عيالى لما يشوفوا غيرهم متنعمين بالخير، بياكلوا أحسن أكل وأحسن شرب ولبس، وأنا مش عارفة أجبلهم مصاريف إيدهم».

عامل النظافة: «بأبكى لما عيالى بيضايقوا من رائحة ملابسى»

يقبض بيديه على عربته الحديدية المليئة بالقمامة، ويدفعها أمامه.

رغم نحافة جسده، إلا أن الله عز وجل أعطاه من الصحة ما يمكنه من ممارسة نشاط جمع القمامة لسد احتياجات أسرته المكونة من 5 أفراد.

ورغم ما يواجهه من أهوال يومية، إلا أن وجهه لا تفارقه الابتسامة..

اسمه أشرف رضوان.. رجل أربعينى يبدأ عمله من الساعة السابعة صباحاً.

يتجول مترجلاً شوارع منطقة أرض اللواء، فى الجيزة لجمع القمامة، ثم بيعها للتجار بعد فرزها، مأساة يومية يعيشها عامل النظافة مع أولاده لعجزه عن سد احتياجاتهم المالية مع موجه الغلاء الفاحش.

يقف «أشرف» ليلتقط أنفاسه قليلاً، ثم يخرج منديلاً من القماش من جيبه، ويزيل عرقه، ويعود قائلاً: «ده أكل عيش ومش عيب إنى أبقى عامل نظافة، بس إحنا عايشين فى مجتمع بيحكم بالمظاهر»، يشير صاحب البشرة السمراء إلى أبنائه الخمسة فى مراحل تعليمية مختلفة، منهم اثنان فى الجامعات، وهما يتضايقان منه لاشتغاله فى مهنة جمع القمامة.

يصمت الرجل وتدمع عيناه وقال: «بتصعب علىّ نفسى أوى لما عيالى اللى فى الجامعات بيضايقوا من ريحتى لما برجع البيت، وبيقولوا لى يا بابا اقلع الهدوم بره قبل ما تدخل».

وأضاف: «عيالى برضو غصب عنهم والدهم عامل نظافة وهمه بيتعاملوا مع شريحة تانية من المجتمع لأن ابنى فى كلية هندسة وربنا يعلم أنا بعمل إيه علشانه وعلشان إخواته علشان أجيب ليهم لقمة العيش».

جمال سعد: «حرفتى حرمتنى من اللى بحبها»

وسط عشرات من الأحذية المتهالكة، يقف جمال سعد، ماسح الأحذية، ساعات طويلة، يقبض بيديه المتسخة بالسواد على إحدى الأحذية ويقوم بتلميعها داخل محله الصغير الذى لا تتعدى مساحته الـ 4 أمتار.

منذ نعومة أظافره تحمل مسئولية نفسه وواجهه الكثير من الأهوال ليصبح فى شبابه ذا عقلية الرجل الهرم.

يبدأ الشاب الثلاثينى سرد قصته المأساوية، وقال: «أبويا صاحب محل لتلميع الأحذية، وأنا خلصت الإعدادى، ومرضتش أكمل تعليم وقررت اشتغل معاه فى المحل علشان أعتمد على نفسى وأجيب قرش».

وعن مستواه التعليمى، قال: «أنا كنت شاطر ومن الأوائل كمان بس ظروف والدى المادية ماكنتش تسمح إنى أكمل تعليمى، وعلشان كده فضلت العمل مع والدى فى المحل».

يصمت الشاب قليلاً ويقبض بيديه على زوج من الأحذية ويتابع عمله، ويعود الحديث قائلاً: «ده أمر واقع وقلت الحمد لله على نعمته علىّ، بس أنا حاسس بحسرة إن فيه ناس مستواها التعليمى كان أقل منى دلوقتى بشوفهم فى الشارع محامين كبار وأساتذة فى الجامعات، وبحس بحسرة شديدة على ظروف أهلى المادية اللى حرمتنى أبقى أحسن منهم».

وينظر ماسح الأحذية إلى ملابسه الرثة، بعين الحسرة، وقال: «يمكن علشان عاوز أبقى راجل ومتحمل مسئولية حرمتنى من اللى بحبها، ولما قررت إنى أكمل مسيرة والدى تخلت عنى علشان والدها.. وقالت مش هيرضوا بوضعى، حاولت معايا أنى أعتمد على نفسى فى أى شغلانة تانية وأصرف على نفسى فى التعليم علشان أدخل جامعة.. بس رفضت».

أحمد فتحى: الصرف الصحى جابلى المرض.. وخايف أموت وأسيب عيالى

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل