المحتوى الرئيسى

لماذا علينا أن نهتم بالخصوصية؟

04/30 10:15

هذه خصوصيتي! يا للهول، فلانة نشرت شيئاً خاصاً، شبكات التواصل الاجتماعية تمحو الخصوصية، انتهاك للخصوصية! كثيراً ما نتداول بشكل دائم عبارات تتعلق بالخصوصية وبضرورة احترامها، لكن دون تحديدٍ أو فهمٍ عميق لما نقصده بالخصوصية. في هذه التدوينة، سوف نتناول مفهوم الخصوصية ولماذا علينا أن نهتم بها، وتساؤلات حول حال الخصوصية في مجتمعنا العربي.

إن فكرة الخصوصية موجودة تقريباً في جميع الثقافات، لكن تحديدها يختلف من ثقافة إلى ثقافة أخرى؛ بل من شخص إلى آخر، فما يُعتبر خاصاً في ثقافة ما قد لا يُعدّ كذلك في ثقافة أخرى، وهو مفهوم معقد وجوهري لتنظيم علاقة الفرد بالمجتمع عن طريق إنشاء مجالين: المجال العام والخاص؛ بل حتى إنه أكثر من مجرد فصل مجالين؛ لأن مفهوم الخصوصية يُطبّق أيضاً على المجال العام.

توجد تعاريف كثيرة للخصوصية، فلقد عرفها آلان ويستن بأنها "مطالبة الأفراد والمجموعات أو المؤسسات بأن يقرروا لأنفسهم متى وكيف وإلى أي مدى تُرسل معلومات متعلقة بهم إلى الآخرين"، وعرفتها سيسيلا بوك بأنها: "الحالة التي يكون فيها الشخص محمياً من الوصول غير المرغوب فيه من قِبل الآخرين، وذلك يشمل الوصول المادي والمعلومات الشخصية أو الانتباه"، بينما عرفها ريتشارد بوسنر بأنها منح الأفراد "القوة لتغطية معلوماتهم والتي يمكن للآخرين استخدامها للإضرار بالفرد".

هل نفهم من ذلك أن الخصوصية هي تحكُّمنا في المعلومات الموجودة عنا وهي ضرورية لحمايتنا من أن يستخدم الآخرون معلوماتنا لإيذائنا؟ لا أعتقد أنها مجرد حماية للشخص فقط؛ لأننا عندما ننظر إلى التعاريف المختلفة التي ذكرها كين جورملي ودانيال سولوف للخصوصية، نجد منها ما هو أبعد من حماية المعلومات الشخصية أو الفرد: الخصوصية كتعبير "لتشخّص" الفرد أو ما يميزه كفرد، الخصوصية على أنها الاستقلالية الذاتية، حق المرء في أن يُترك وحيداً، الوصول المحدود إلى النفس.

هل ذلك يفسر انزعاج البعض عندما يقوم أحد بقراءة المذكرات -حتى لو كانت لا تحتوي على معلومات خطيرة أو حساسة بالنسبة للشخص- لأن من يتطفل وينتهك خصوصية الآخرين لا يحترم الآخرين ولا يحترم مساحتهم الخاصة أو قراراتهم، أي إن الضرر حصل جراء قراءة المتطفل دون أخذ إذن الشخص.

حسناً، قد يبدو الأمر معقداً بعض الشيء ومتشعباً، فلا يوجد تعريف شامل للخصوصية متفق عليه من قِبل الباحثين، لكن التفكير فيما نعنيه بالخصوصية وما هي الخصوصية بالنسبة لكل شخص أمر مهم يغني عن كثير من حوادث سوء الفهم مع الذين نتعامل معهم.

قد تبدو الخصوصية -أو تعريفات منها- ترفاً في مجتمعاتنا العربية، لكنها على العكس تماماً جوهرية في جوانب عدة من حياتنا. حدد آلان ويستن 4 وظائف للخصوصية:

أولاها: أن الخصوصية تولّد الاستقلال الشخصي، وأنها ضرورية من أجل الاستقلال الذاتي وممارسة حق الاختيار. يقول جوزيف كوفر إن مفهوم الذات المستقل يستلزم وعي المرء بقدرته على التحكم في الحدود التي تفصل بينه وبين الآخرين وتقرير مَن هم الأشخاص الذين يدخلون حياته ويتعاملون معه وإلى أي مدى، وأشارت بعض البحوث إلى أن الانتهاكات أو الحرمان الممنهج من الخصوصية في السجون يؤدي إلى فقدان الشخص حسّه في الاستقلال الذاتي.

ثانيها: توفر الخصوصية مساحة يستطيع فيها الفرد مشاركة الأسرار وأي شيء حميمي والانخراط في اتصالات محدودة ومحمية، تكمن أهمية الخصوصية للصداقات والعلاقات الحميمة في أن الصداقة والعلاقة الحميمة تستحيلان إن لم يُظهر الشخص جزءاً من شخصه الذي لا يُظهره عادة للآخرين من العامة أو المعارف.

ثالثاً: الخصوصية تسمح لنا بتقييم ذواتنا؛ حيث إنها تمنح الفرد القدرة على مراجعة تصرفاته وسلوكياته وأنها أساسية لتطوير الذات؛ بل هي أساسية للصحة النفسية كما يشير الخبراء، ربما ذلك يفسر رغبتنا في قضاء وقت مع أنفسنا أو وحدنا للتفكير في أخطائنا وكيفية تطوير ذواتنا دون تدخل أحد.

رابعاً: تمنح الخصوصية القدرة على صياغة واختبار أفكار وأنشطة إبداعية، كثير من المنظّرين يقولون بأن الخصوصية ضرورية للابتكار والإبداع؛ لأنها تسمح للفرد بأن يخرج عن المألوف أو يخالف الشائع؛ الأمر الذي يعد ضرورياً للإبداع ولخلق أفكار جديدة؛ لأن المراقبة أو مراقبة الآخرين للفرد تجعله يرى نفسه على شخص محدد الصفات أو الطباع ولا يمكنه الخروج عما يحدد له المجتمع.

بالإضافة إلى أن الخصوصية تحمي المجموعة عن طريق إعطاء قوانين للتفاعل والانفصال كما يقول باري سكوارتز، وأنه "من دون الخصوصية لن تكون هناك علاقات اجتماعية متوازنة"، صحيح أن البشر كائنات اجتماعية بطبعها إلا أنها عند مرحلة معينة تفضل العزلة والانفصال عن الآخرين. هل شعرت بعد اتصال طويل مع شخص ما أو ربما بعد قضاء أيام متواصلة مع أصدقائك وأقربائك بالحاجة الملحّة لأن تكون وحدك؟ هل التواصل الكثير والدائم -ولو بداعي الحب- وانعدام المساحة الشخصية أو بعض العزلة الشخصية تؤدي إلى توتر في العلاقات؟

إن كل ما سبق يدفع المرء للتساؤل: أين موقع الخصوصية في مجتمعنا العربي؟ وهنا نتحدث عن الجانب الثقافي وليس القانوني. إلى أي حد يحترم المجتمع العربي الخصوصية؟ لم أجد مصادر تتحدث عن الخصوصية في الثقافة والمجتمع العربي -وقد يكون موضوعاً جيداً لدراسات اجتماعية.

لكن طرحت أسئلة على بعض الأصدقاء حول أمثلة لانتهاك الخصوصية في مجتمعنا العربي، والبعض أعطى أمثلة على ذلك؛ مثل: الزيارة دون أخذ مواعيد، الفضول الكبير وغالباً ما يتمثل بطرح الكثير من الأسئلة حول الحياة الخاصة للفرد، تناقل أخبار الجيران والأقارب بتفاصيل كثيرة تنتهك خصوصيتهم، عدم إتاحة الفرصة للفرد للخلوة مع نفسه، وكثيرون لم يكونوا راضين عن احترام الخصوصية في المجتمع العربي، خاصة فيما يتعلق بالفضول الهائل لمعرفة معلومات تخص الفرد.

لكن ذلك يحتاج إلى توضيح أكثر وأنه يثير تساؤلات أكثر وأعمق مثل: ما الذي يُعد أمراً "خاصاً" أو "عاماً"؟ وتحديداً بالنسبة للأقارب والمعارف؟ ما الحد الفاصل بين إسداء النصيحة أو حرية التعبير والتدخل في الخصوصيات؟ هل الذوق والأسلوب هما اللذان يحددان ذلك أم ماذا؟ يا إلهي، يبدو الأمر معقداً ويخلق أسئلة أكثر مما يعطي أجوبة!

لكن أؤمن بأن توضيح السلوكيات التي تحمي أو تنتهك الخصوصية جوهري لبلورة فكرة الخصوصية والدعوة لاحترامها في مجتمعنا العربي، والأهم من ذلك أن أغلب الأفكار التي تتحدث عن الخصوصية والتي طُرحت هنا غربية الثقافة، ولربما تأثرنا بها كثيراً وجعلناها الحاضن الوحيد للخصوصية. إنه لمن المثير للاهتمام البحث أكثر عن الخصوصية في الإسلام، وهذا ما سنحاول طرحه في تدوينة قادمة بإذن الله.

"I've Got Nothing to Hide," And Other Misunderstanding of Privacy, Daniel J. Solove

Privacy and Psychology. Stephen T. Margulis

Understanding Privacy, Danial J. Solove

Why Privacy Important?, N. A. Moreham

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل