المحتوى الرئيسى

نضوج الأحزاب السياسية المدنية

04/29 22:16

هل توجد فى مصر أحزاب سياسية؟ نعم لدينا أكثر من مائة منها. السؤال: هل توجد فى مصر أحزاب سياسية حقيقية أو ناضجة لها وجود حقيقى فى الشارع؟ الإجابة لا، فأكبر حزب سياسى مدنى لا تزيد عضويته على بضع مئات، وفى أفضل الأحوال بضعة آلاف بين نحو ٥٥ مليون لهم حق التصويت فى البلاد. السؤال هنا: لماذا لا نجد لدينا أحزاباً سياسية مدنية ناضجة، ولها وجود حقيقى فى الشارع؟ الإجابة لأن الأحزاب منذ نشأتها -فى ما عدا كل من حزبى الوفد والتجمع لاحقاً- لم تنهض على قاعدة جماهيرية حقيقية، كان هدف النخبة السياسية المصرية الحصول على حزب سياسى للوجاهة الاجتماعية والسياسية من ناحية، وإبرام الصفقات مع النظام الحاكم من ناحية أخرى، تنتهى بمكاسب شخصية مالية كانت، أو موقعاً فى مجلس الشورى. ومنذ ثورة ١٩٥٢، كان النظام يعتمد على التعامل المباشر مع الشعب، ويصيغ نتائج الانتخابات على النحو الذى يريد، فجاء زمان كان الرئيس يحصل فيه على تأييد ٩٩٫٩٩٪ ممن أدلوا بأصواتهم فى الاستفتاء على اختيار الرئيس، وكان الحشد يتم عبر مؤسسات أحادية تعبوية بعد إلغاء الأحزاب السياسية.

وفى مراحل تالية، شكّلت السلطة المنابر، وصاغت حزبها السياسى، فبات حزب الرئيس والحزب الحاكم، وكان الحشد يجرى باستخدام مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة لدعم مرشحى هذا الحزب، وسمح لاحقاً بدخول فصيل جماعة الإخوان إلى اللعبة، واستخدامها فزّاعة لجذب المزيد من الأصوات، بمرور الوقت تحول الحزب الوطنى إلى حزب سياسى حقيقى من عينة أحزاب العالم الثالث وضمن ظاهرة «الحزب الواحد»، التى سادت أفريقيا وعدد كبير من الدول المتخلفة.

بدأت تجربة التعدّدية الحقيقية بعد سقوط نظام «مبارك»، وكان السماح بإنشاء أحزاب سياسية على أساس دينى، وكانت الأرضية مهيّأة تماماً لهذه الأحزاب كى تستحوذ على المشهد، وهو ما تحقق بالفعل فى أول انتخابات برلمانية جرت نهاية ٢٠١١، ولم تحصل الأحزاب المدنية على أكثر من ٢٠٪ فى هذه الانتخابات. واليوم، وبعد مرور نحو ست سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعد جولتين من الانتخابات البرلمانية يبدو المشهد وكأن غالبية الأحزاب المدنية لم تُحقق أى درجة من النضج السياسى، فعدد من قادة هذه الأحزاب لا يزال يعمل بالطريقة نفسها التى كان يعمل بها فى عهد نظام «مبارك»، أى يريد دعم النظام ومساندته، يواصل دوره فى الحديث لوسائل الإعلام بأكثر من العمل على الأرض. تشرذمت الأحزاب وانقسمت، بحيث بات لكل تيار أو اتجاه سياسى عدد من الأحزاب لا تختلف فى ما بينها، إلا فى التفاصيل، وسرعان ما أدى التدهور بدافع من الطموح السريع والرغبة الجامحة فى سقوط النظام برمته فى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١.

حاولت الأحزاب المدنية تشكيل قائمة واحدة مشتركة بينها، وبدت كمهمة شاقة لقادة الأحزاب المدنيّة، نظراً إلى التوقعات المرتفعة لديهم ولدى قواعدهم الحزبية، التى تجعل هؤلاء يرغبون فى الاستحواذ على النصيب الأكبر من الحصة المخصّصة للقوائم. ولم يتمكن حزب واحد من تشكيل قائمة على نحو كشف بجلاء عن وجود أزمة حقيقية داخل الأحزاب المدنية التى تقزمت وفقدت قواعدها الجماهيرية، تصارع بعضها بعضاً، وتتخلى بسرعة شديدة عما تحمل برامجها من مبادئ وأفكار، بل تعمل عكسها، جرياً وراء «ذهب المعز»، سواء تمثل فى مصالح شخصية مباشرة، أو الدخول فى تكتلات ملحقة براية السلطة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل