المحتوى الرئيسى

يوم أن أمسكت في يد العسكري الغلبان!

04/27 20:21

استوقفني الفيديو الذي نشرته إحدى القنوات "كتسريب" لجنود الجيش المصري وهم يقومون بتصفية بعض الأهالي تصفية مباشرة من خلال بنادقهم، ومن ثم وضعها إلى جانبهم لتصويرهم وهم -إرهابيون- وادّعاء أنها كانت مناوشات بين الجيش والإرهابيين المدججين بالسلاح، وأن الطفل الذي ظهر بالفيديو أيضاً كان من ضمن الإرهابيين، ومن ثَم نشر أحد العساكر صورة وهو يفتخر بقتل ستة شباب من الأهالي في مشهد مروّع اقشعّر جسدي وأنا أشاهده.

لم أستطع أن أسمع صوت الأبرياء العزّل فشاهدت المقطع للصور بدون صوت، أعاد لي كل الذكريات التي مرّت عليَّ منذ ثلاثة أعوام وحتى الآن، يوم فض رابعة، وخصوصاً على أعتابه، فلم يكن للمتظاهرين آمال لعودة اعتصام أو غيره، بل إن العديد منهم لم يكن يؤيد وجود اعتصام من الأساس تظاهرة انطلقت من أمام كلية الطب لجامعة عين شمس في طريقها للميدان، لم أكن أتخيّل إلا أنه أشبه -بيوم القيامة- فمنظر هرولة الناس من أطياف مختلفة وأن الجميع لم ينظر ماذا يرتدي ولا يعلم إلى أين يتجه، وهل سندخل لأهلنا هناك أم لا!

يوم فض رابعة كنت على أعتاب الميدان، تحديداً عند "نادي المقاولون العرب"، أحاول مع الآلاف محاولة الدخول، بمعدّل خمس دقائق يرن هاتفي أو هواتف من معي؛ ليخبرونا باسم شهيد سقط أو جريح في حالة خطيرة من أصدقائنا، أول اسم زُفّ لنا كان "حبيبة"، أتذكر أننا كنا نبكي بكاء شديداً، ولكننا لم نستطِع أن نأخذ حقنا في البكاء، كوَّنا دروعاً بشرية ظناً منا أنهم سيتركوننا نعبر، ونحن لا نملك إلا صدوراً عارية ونفوساً مصرة على استكمال الطريق، ولكن هذا لم يكن كافياً لسماحهم لنا ولم يتورّوعوا في قتل الكثير أمام أعيننا بالرصاص الحي، وأمطار قنابل الغاز المسيل للدموع، وانتهى اليوم في تمام السادسة والنصف بعد الكر والفرّ والقتل والاعتقال من قِبَل "الجنود الغلابة" كان بداية لرحلة من العذاب للكثيرين منا، وكل أخذ نصيبه في القتل أو الإصابة التي أفقدته عينه أو قدمه، أو الاعتقال الذي يعني الموت البطيء.

ربما لم يكن يوم الفض هو أصعب يوم بل كان اليومان التاليان أقسى منه بكثير.

يوم أن أمسكت بيد "الجندي الغلبان" حتى يدلّني على طريقي!

في يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني لعام 2014، كنا نحشد للمظاهرات السلمية في جميع المحافظات، وكان حشداً مثمراً من حيث عدد المتظاهرين، وتوجهت في الصباح برفقة صديقاتي "لمدينة نصر"؛ حيث مظاهرة للطلاب ستنطلق من شارع عباس العقاد تطوف شوارعها، طاردنا الأمن في الشوارع الجانبية، وسرعان ما تفرقنا، ولكن الأمن ظل يطاردنا فانهال الرصاص الحي والخرطوش فوق رؤوسنا والأهالي الموالون للنظام من البيوت بإلقاء الزجاج علينا، وكل واحد منا وضع شنطته فوق رأسه ظناً منا أنها ستمنع عنا ما يلقيه الأمن وموالوهم،

حتى وصلنا لشارع رئيسي فلم نجد إلا كميناً من قوات الجيش والشرطة، وحاولنا الاحتماء بأحد المحلات، فأغلق صاحبه الباب في وجهنا منادياً على القوات "خدوا البنات ولاد الكلب دول"، ووجدنا دبابتين تابعتين للجيش وثلاث عربات مصفحة للشرطة، انقض علينا أكثر من عشرة رجال محمّلين بالسلاح منهالين بسيل من الشتائم والسب وصحفيين تابعين لهم توجه أحدهم للإمساك بنا حتى لا نفلت -لا أعرف كيف نفلت وسط كل هؤلاء- ولكننا طلبنا منه ألا يتعرّض لأي منا بالضرب ونحن سنتجه حسب تعليماته،

فور وصولنا استقبلنا "عسكري" قائلاً: "دول بقى بتوع مرسي أبو..." جلس معنا بالغرفة مخبر محاولاً إثناءنا عن فكرة التظاهر، وأننا هكذا "هنروح في ستين داهية"، حسب قوله، اضطررنا للكذب وأننا لم نكن بمظاهرة، ولكن ثيابنا وشكلنا فضح هذه الكذبة، كل نصف ساعة نرى وجهاً مختلفاً من العساكر، إما ساباً لنا، في النهاية طلبنا منهم أننا لن نتحدث إلى أحد، ولا نريد مزيداً من الإهانة إلا بعد قدوم النيابة العامة.

أتت النيابة كما أخبرونا في تمام الساعة الثامنة مساء تقريباً، أغمضوا أعيننا بغمامة، وتحدث أحد الجنود إلينا أن نمسك بيده ليدخلنا إلى غرفة التحقيق، لا أعلم لماذا كل الأفكار قفزت إلى خاطري فجأة، هل سيأخذنا كما قال إلى غرفة التحقيقات؟ وماذا هناك هل سيكون تحقيقاً شفهياً فقط أم سأتعرض ومن معي من الفتيات لأذى جسدي؟ كما نسمع أن فتيات معتقلات تعرضن للضرب والتحرش وغيره،

ربما هذه اللحظات لم تمر كلحظات عابرة، ومع كل فتاة تدخل أشعر وكأنني سأتعرض للتحقيق مرة أخرى، ومع خروج كل واحدة أشكر الله، لم يحزنني إلا كون هذا العسكري دليلنا مدة التحقيق لم تتعدّ العشر دقائق بين أسئلة مطوّلة وأجوبة مقتضبة، أسيطر فيها على صوتي الخائف المرتجف، ومحاولة أن أظهر له كم أنا شجاعة لا أخاف منه، وفي الحقيقة أنا لم أخَف منهم، ولكنني أخاف الظلام كثيراً.

بعدها بسويعات أُطلق سراحي بصحبة السبع فتيات الأخريات بعد أن سرقوا منّا هواتفنا وكاميرتي، ولكننا لم نفكر في هذا، لم نكن نفكر إلا في سبيل الخروج من هذا المكان الموحش المليء بدخان السجائر الذي يحيط بنا من كل زاوية، حتى اختنقت، ولم أستطِع فتح عيني، ليس لأنه قضاء شريف أو أنه تأكد أننا لم نذنب، فلا معتقل سياسي في مصر مذنب غير "حبه لوطنه" التي أصبحت جريمة يعاقب عليها آلاف الشباب بالمؤبد والإعدام والسنوات الطويلة، ولكن هناك كواليس أخرى لقصة خروجنا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل