المحتوى الرئيسى

عبد العظيم مخيمر يكتب: إلى زوجتي … | ساسة بوست

04/27 20:02

منذ 4 دقائق، 27 أبريل,2017

لا أخجل أن أقولها علنًا: أحب زوجتي كثيرًا، لا لأنها ستقرأ هذا المقال، أو لأنها – مثل كل النساء – تملك فراسة لا مثيل لها في معرفة بواطن الكلم وظاهره، واستنباط المعنى، وكشف حجاب المجاز، وإماطة اللثام عن مدح أشبه بالذم، أو ذم خالطه المدح، فيبدو من الوهلة الأولى أني استبقت سريع غضبها بإعلاني على الملأ أني أحبها، ولكن – حقيقة – هذا الاعتراف يشكل أساسًا وإطارًا ليفهم من خلاله ما سأقوله، فتفسير الفعل بدوافعه وإطاره، والمقدمات منبئات، ولأني قرأت يومًا أن أذكى الأزواج وألطفهم هو الذي ينادي زوجته دومًا: يا صغيرتي، فيا صغيرتي! أنا أحبك كثيرًا.

سوف أصبح زوجًا رسميًا بعد بضعة أشهر – أربعة أشهر إن أردنا الدقة – أو كما تقول زوجتي: مائة وعشرين يوم يا رخم. فوددت أن أسجل أفكاري عن هذه المرحلة، وأبوح بما عجز اللسان عن نطقه جهرًا، فحملني القلم إليه حملًا، فلعلي بعد عدة سنوات أعود إلى هذا المقال، فأكون أول المستفيدين .. وأتمنى أن أكون آخر الضاحكين! وأن أسطر أفكاري، وهواجسي وانطباعاتي عن ماهية الإقدام على الزواج .. فهذا – بالله – أمر جلل، ومغامرة لا يتخللها ملل، وشجاعة لم أكن أحسبها في نفسي، وأن تقرأ زوجتي هذا المقال، فذاك والله حدث توابعه لا يتوقعها أحد، فمن الله نرجو المدد، وإلى الله نلجأ، فليس منه إلا إليه ملتحد!

عندما يقدم الرجل قلبه لامرأة، تكون قد خطفته قبل ذلك … أنيس منصور

ربما يكون في هذا تفسير لسهولة وانسيابية قرار الزواج، فلم أفكر حينها في نتائج أو توابع وملحقات ومستلزمات، أحبها .. تلك كانت دوافعي ونتائجي ومستلزماتي، قدمت لها ما كانت بالفعل تملكه .. قلبي،  هل كنت أعرفها بالقدر الكافي؟ .. سل أحد أصدقائك ممن أمضى في زواجه سنوات يخبرك: لا أزل أحاول أن أعرفها! قرار الزواج بالنسبة للرجل هي لحظة زمكانية غير معروفة علميًا، بالرغم من حدوثها المتكرر، وتليها مرحلة التردد والتوجس، ومع أول مشكلة، تشعر بعالمك الذي عايشته وعرفته بتفاصيله وحيزه الواسع اللامتناهي .. قد تغير، أصبحت محاصرًا .. مراقبًا .. إسقاطًا على نظرية النسبية، لقد أصبحت أعلم مكاني .. وهذا ليس شيئًا جيدًا! ، فلقد صارت هناك نقطة أخرى في هذا العالم ارتبطت بها، وجودي صار نسبيًا لوجودها، تحدد مدارك ..  فتتوقف لتتساءل: أين كنت عندما وزع الله عقولًا؟! كنت يا صديقي في تلك اللحظة الزمكانية الجميلة .. نعم أقولها بكل صدق، كانت من أجمل لحظات حياتي، وإن كنت – لا زلت – لا أعلم إجابة السؤال!

تقلق المرأة على المستقبل حتى تجد زوجًا، ولا يقلق الرجل على المستقبل إلا بعد أن يجد زوجته .. برناردشو

كانت إحدى مخططاتي ذات يوم أن اشتري جيتار ..

 إن أردت أن تعرف القصة اعتصرني القلق لهذا الهدف فترة طويلة، وكانت متعة لا توصف وأنا أتحاور مع البائع في تفاصيل الجيتار وأنا اشتريه، هذه المشاريع وما شابه هي التي كانت تشغل حيزًا كبيرًا من تفكيري واستقرائي للمستقبل، الآن تخبرني زوجتي: لا تكتب في السياسة على الفيس بوك -خايفة عليك – وهي لا تقرأ ما أكتبه، ثم أنا – في الأساس – لا أكتب عن السياسة! ولكني أعشق خوفها علي، فأتوقف عن – ما لا أفعله – الكتابة في السياسة! ، وفجأة تباغتني متسائلة: ما لونك المفضل؟ .. أريد أن أشتري لنا ملاءات مطرزة! لا ألومها .. هي تفكر في مستقبلنا بتفاصيله القريبة، وأنا منذ الآن أفكر في مدراس أولادنا وجامعاتهم ووظائفهم .. وحرب اليمن، والوضع في سوريا، والانتخابات الأمريكية .. والسلام العالمي! أريد مستقبلًا أفضل لأولادي، عالمًا أفضل يعيشون فيه، وأجيبها: أنا أحب اللون الأزرق كما تعلمين يا حبيبتي! الحب عالمها مستغرقة هي في تفاصيله، والحب لي صار: كم يبلغ ثمن أفضل ملاءات مطرزة قد تجعلها سعيدة!

فيا صغيرتي لا تغضبي؛ فأنا رجل شارف على الثلاثين من عمره، ولكني تركت مراهقتي وطفولتي بالأمس فقط، أحاول أن أستوعب الآن ماهية المسئولية، وكيفية التخطيط لما يتخطى سهرة يوم الجمعة مع الأصدقاء على القهوة، أنا لا أبالغ في الحسابات والتفكير .. فأنا – في الأساس – لا أعرف ما هو القدر القليل أو الكثير .. أنا اركض دون أن أعلم كم الوقت المتبقي وكم استهلكت بالفعل!

على الرجل أن ينتقي كلماته الغزلية جيدًا في مرحلة الخطوبة، بحيث يتمكن من حفظها، لأنه سيتم تذكيره بها بعد عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة من الزواج، وسيكون مجبرًا على ترديدها كما هي وبنفس الأسلوب والشغف، وإلا سيعتبر كاذبًا وزنديقًا ومنافقًا .. قالوا

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل