المحتوى الرئيسى

معارك القضاء والسلطة.. «تاريخ من الانكسار»

04/27 21:51

تباعدت السنوات، وتعاقب الرؤساء، وتغيرت الظروف، لكن، رغم كل ذلك، لم تتغير قواعد العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية في مصر.

مقولة يرددها كل من يطالع قصة العلاقة بين السلطتين على مدار تاريخ تأسيس الجمهورية في رحاب الدولة المصرية، ويؤكدها تمرير البرلمان أمس، تعديلات قانون الهيئات القضائية الذي أطاح مبدأ الأقدمية في تعيين رؤساء تلك الهيئات، ورهن اسم الرؤساء الجدد للهيئات بتوقيع رئيس الجمهورية.

التعديلات الأخيرة سلبت من أصحاب الوشاح الأخضر ما كانوا يرونه ضامنا لاستقلالية عملهم فوق منصات القضاء بين الناس.

مع انتهاء الملكية وإعلان الجمهورية وتعاقب 5 رؤساء، لم تخل حقبة أيا منهم من صراع مع السلطة القضائية، ينتهي بالأخيرة مذعنة بعد تنديد وتهديد بتصعيد ينتهي في منتصف الطريق.

في مارس 1954، بعد إمساك الرئيس جمال عبدالناصر بمقاليد الحكم؛ توجهت مجموعة من البلطجية بأوامر من الأجهزة الأمنية، إلى مجلس الدولة  ليعتدوا بالضرب المبرح على الدكتور عبدالرازق السنهوري أحد أعلام الفكر والقانون.. ليعقب هذه الواقعة عزله وعزل مجموعة من مستشاري المجلس.

وعلى غرار التنظيم السري الذي أنشأه شعراوي جمعة بالشرطة، والتنظيم السري الذي تولاه شمس بدران بالجيش، أنشأ عبدالناصر تنظيما سريا بالقضاء يرفع له التقارير من حين إلى حين.

بناء على هذه التقارير أصدر عبد الناصر قرارا بعزل رئيس محكمة النقض و200 من القضاة المتمتعين بحصانة تحول دون عزلهم، ومنهم جميع أعضاء مجلس إدارة نادى القضاة في ذلك الوقت، لينتهي الأمر بسيطرة السلطة التنفيذية.

ورغم إلغاء الرئيس الراحل أنور السادات قرار عبد الناصر السابق، وإعادة القضاة المفصولين وإعادة انتخابات نادي القضاة، إلا أنه سعى إلى النتيجة ذاتها مع إختلاف الآليات.

السادات تعامل معهم بطريقة انتقائية شديدة لاسيما فيما يخص الانتداب إلى دول الخليج الذي صاحبه امتيازات مادية كبيرة لبعضهم، دون وضع معايير معينة يتم بناء عليها الاختيار، كما أنشأ السادات "محكمة القيم، ومحكمة العيب" للسيطرة على القضاة.

وكثرت الأزمات بين الرئيس الأسبق حسني مبارك والسلطة القضائية، إلا أن أبرزها كان إقرار البرلمان لقانون السلطة القضائية، وهو ما وصفه نادي القضاء بقيادة تيار الاستقلال بالخطوة الخطيرة التي تهدد مستقبل القضاء.

وتمسك تيار الاستقلال، مدعوما بقطاع واسع من القوى السياسية، بموقفه الرافض لتلك التعديلات، وخرجت مظاهرات مؤيدة للقضاة إلا أن قوات الأمن حاصرتهم وتم الاعتداء والقبض على الكثير منهم وكان أبرز من تعرض للضرب والإهانة  المستشار محمود حمزة.

الصراع بين الرئيس الأسبق محمد مرسي والقضاء بدأ مبكرا، فلم يكد يمضي على مرسي أربعين يوما في منصبه حتى أصدر قرارا بإعادة مجلس الشعب، وهو ما اعتبرته السلطة القضائية تعديا على اختصاصها.

وفي نوفمبر أصدر مرسي الإعلان الدستوري المكمل الذي بمقتضاه تم عزل النائب العام عبدالمجيد محمود، وهو ما نتج عنه زيادة الاحتقان بين مرسي والقضاة إلى أن تم عزل مرسي في 3 يوليو بعد احتجاجات شعبية.

كثر الصدام بين القضاء والسلطة التنفيذية، منذ حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ يوليو 2014، ففي مايو 2016 أصدر السيسي قرارا جمهوريا بإحالة 44 من القضاة إلى المعاش، مستندا على حكم مجلس تأديب القضاة الذي كان قرر، من قبل، عزل 31 قاضيا بتهمة اشتغالهم بالسياسة والتوقيع على "بيان رابعة"، وكذلك عزل 13 قاضيا آخرين ينتمون لحركة "قضاة من أجل مصر" الداعمة للرئيس الأسبق محمد مرسي.

وفي مارس الماضي أعلن النائب محمد أبو حامد، عضو المكتب السياسي لائتلاف "دعم مصر"، اعتزامه تقديم مشروع يهدف إلى خفض سن التقاعد لدى القضاة، وهو ما أثار حفيظة القضاة، وهي الفكرة ذاتها التي رفضها النائب نفسه بشكل قاطع عندما طرحها حزب الوسط مدعوما من جماعة الإخوان أثناء حكم مرسي.

ولم تكد تهدأ زوبعة "تخفيض سن القضاة" حتى وافق مجلس النواب أمس الأربعاء، بشكل نهائي على مشروع قانون يتيح لرئيس الجمهورية اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين مرشحين متعددين بعد أن كانت الجمعية العمومية لكل هيئة تختار رئيسها وفق مبدأ الأقدمية المطلقة.

ويعارض القضاة التعديلات  بدعوى أنها "تهدر استقلال القضاء"، وكان أكثر ما أثار حفيظة القضاة تمرير مشروع القانون المثير للجدل دون مناقشة ملاحظات مجلس الدولة التي تعتبر القانون غير دستوري، إذ فوجئ أعضاء البرلمان بإدراج مشروع القانون على جدول أعمال الجلسة العامة بعد ساعات من إحالة اللجنة التشريعية القانون للجلسة العامة.

في المقابل، عقد نادي القضاة العام وأندية قضاة مجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، اجتماعا طارئا، مساء أمس الأربعاء، وفي نهاية الاجتماع قرروا عدم إشراف القضاء على انتخابات البرلمان القادمة، مشددين على تمسكهم بمبدأ الأقدمية في اختيار رؤسائهم.

المستشار محمد عبدالمحسن رئيس نادي القضاة اعتبر، في تصريحات صحفية، القانون "إهانة للسلطة القضائية واعتداء صارخ على استقلال القضاء".

وأضاف رئيس نادي قضاة مصر  أن مجلس إدارة النادي في حالة انعقاد مستمر، لبحث تداعيات أزمة تعديلات قانون السلطة القضائية الخاص باختيار رؤساء الهيئات القضائية، مؤكدا في الوقت ذاته أن كل الخيارات مفتوحة أمامهم بعد عقد الجمعية العمومية في 5 مايو المقبل، للرد على انتهاك استقلالية السلطة القضائية، بينها طرح استقالة مجلس إدارة النادي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل