المحتوى الرئيسى

محمود حافظ يكتب: «ليه وصلنا لكده؟!» | ساسة بوست

04/26 12:49

منذ 1 دقيقة، 26 أبريل,2017

 لا أجد أفضل من بيت شعر لأمير الشعراء «أحمد شوقي» لكي أبدأ به حديثي معكم:

إلام الخـلف بينكــــــم إلامَ *** وهَذِي الضجة الكُبرى علامَ

وفيم يكيد بعضــكمُ لبعض *** وتنسـون المحــــبة والوئامَ

إن الاختلاف هو سُنة أصيلة من سُنن الكون، قال الله تعالى:

«وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ».

وقال أيضًا في موضع آخر:

«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

 هناك دعوة واضحة وصريحة من الله سبحانه وتعالى بفهم معنى الاختلاف فلقد أمرنا أن نقبل الآخر لو كنا نعقل أو نفهم، فلم يتفق البشر منذ بدء الخليقة على إله واحد يعبدونه أو حتى التفوا حول نبي مرسل واعتنقوا رسالته، أو حول قائد مُلهم وآمنوا بمبادئه، فعلى مر العصور تجد أن الناس باختلاف ألوانهم وأشكالهم ولهجاتهم واهتماماتهم وغيرها الكثير قد خلقوا لا لشيء سوى أن يتعارفوا ويتشاركوا فيما بينهم ويعوض كل منهم الآخر عن ما ينقصه، فلولا الصيف ما كان الشتاء ولولا خريف سقوط الشجر ما كان ربيع تفتح الزهور، لماذا نتشاجر إذًا ونختلف لفرض رأي ما بالقوة؟ يجب ألا نخلط بين مفهوم الخلاف والاختلاف ويجب أن نجيد فهم ذلك إذا أردنا أن نحيا في سلام وتحضر.

ما هذه الحال التي صرنا إليها؟! كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الكراهية وأصبحنا «مش طايقين بعض»؟! في المواصلات العامة في التجمعات في أي مكان، أي نقاش بيننا يتحول إلى حرب ضارية تنتهي بأفظع أنواع الشتائم وأسوأ ألفاظ السباب، لماذا فقدنا لغة الحوار؟ يا قومي أليس منكم ولا بينكم رجلً رشيد؟!

قد يكون هناك أكثر من رأي وكل رأي من هذه الآراء صحيح ومنطقي مع أنها قد تكون متضادة ومتضاربة في الوقت نفسه، وتفسير ذلك هو أن هذا الرأي المعين قد ينفع لظرف وموقف معين ولا ينفع ويصح لموقف وظرف آخر، وهكذا فإن النظر إلى المسألة الواحدة قد يكون من زوايا وجوانب متعددة وكلها صحيحة ومنطقية، سواء كانت متفقة مع بعضها البعض أو متضادة ومتضاربة، والذي يحكم صحتها وصوابها هو الظرف أو الزمان أو المكان أو غير ذلك من العوامل المختلفة.

الاختلاف لمن يعي ويفهم حياة 

تذكرون طبعًا الحديث النبوي: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر ، فلا يُصلينَّ العصر إلا في بني قُريظة» (البخاري ومسلم)، وعندما سار الصحابة إلى بني قُريظة، وقاربت الشمس على المغيب، انقسم الصحابة قسمين؛ قسم قال: الوقت ضاق ويجب أن نُصلَّي، وقسم قال: الصلاة في بني قريظة، ولما احتكموا بعدها إلى النَّبي صلى اللّه عليه وسلم تبسم ولم يعنف أحدًا، وأقرَّ هذا وأقرَّ هذا، الذي أراد أن يصلي في زمان الصلاة، والذي رأى أن يصلي في مكان الصلاة، لأن كل حدث له ركنان أساسيان: الزمان والمكان، والنَّبي صلى اللّه عليه وسلم أقرَّ الفريقين على اجتهادهما. انظر للنبي حين أقر الفعلين رغم «اختلافهما»؟ نعم، الحق كان من جانب فريق واحد منهما، لكن النبي عليه الصلاة والسلام تقبل اجتهاد الفريق الآخر.

قصة أخرى: «يحكى ﺃﻥ ﺛﻼﺛة ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻴاﻥ ﺩﺧﻠﻮﺍ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻞ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮﺍ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻟﻴﺒﺪؤﻭﺍ ﻓﻲ ﻭﺻﻔﻪ! ﺑﺪؤﻭﺍ ﻓﻲ ﺗﺤﺴﺲ ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻭﺧﺮﺝ ﻛﻞٌ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻒ: قال ﺍﻷﻭﻝ: ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻫﻮ ﺃﺭﺑﻌة ﻋﻤﺪﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ. قال ﺍﻟﺜﺂﻧﻲ: ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺜﻌﺒاﻥ ﺗﻤﺎﻣًﺎ. قال ﺍﻟﺜﺂﻟﺚ: ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻤﻜﻨﺴة. ﻭﺣﻴﻦ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﻮﻥ ﺑﺪؤﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠاﺭ. ﻭﺗﻤﺴﻚ ﻛﻞٌ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺮﺃﻳﻪ ﻭﺭﺍﺣﻮﺍ ﻳﺘﺠﺎﺩﻟﻮﻥ ﻭﻳﺘﻬﻢ ﻛﻞٌ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎﺫﺏ ﻭﻣﺪﻉٍ! ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻻﺣﻈﺖَ ﺃﻥّ ﺍﻷﻭﻝ ﺃﻣﺴﻚ ﺑﺄﺭﺟﻞ ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺨﺮﻃﻮﻣﻪ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺬﻳﻠﻪ. ﻛﻞٌ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻣﺠﺘﻪ ﻭﺗﺠﺎﺭﺑﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘة ﻟﻜﻦ ﻫﻞ اﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﺗﺠﺎﺭﺏ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ؟ ﻣﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺄ؟ ﻫﻞ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻳﻜﺬﺏ؟ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻻ، ﺃﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟

ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻒ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻮﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻥ لكل قضية أكثر من وجهة نظر. 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل