المحتوى الرئيسى

جمانة تكتب: ثلاثية قيادة الجماهير | ساسة بوست

04/26 12:39

منذ 6 دقائق، 26 أبريل,2017

في أواخر القرن التاسع عشر أسس عالم الاجتماع غوستاف لوبون علم نفس الجماهير، ويمكننا أن نقول إن تأسيسه هذا أثر بشكل مباشر وغير مقصود على المجريات القادمة التي تركت آثارًا لا يمكن محوها في بدايات القرن العشرين بصعود هتلر. الجماهير كما يقول إيرك هوفر هي الممكنة لصعود أو سقوط القادة، وغير العاقلة بالتحديد كما يذكر غوستاف لوبون. تتضح أهمية الجماهير وسعي القادة للسيطرة عليهم من خلال الثلاثية الآتية: «سيكولوجية الجماهير» لغوستاف لوبون، و«كفاحي» لهتلر، و«المؤمن الصادق» لإيريك هوفر. بقراءة هذه الكتب الثلاثة بتسلسل تاريخي يمكن توضيح ذلك من خلال ثلاث مراحل.

عام 1895: مرحلة تأسيس علم نفس الجماهير

في هذا العام صدر كتاب «سيكولوجية الجماهير» لـغوستاف لوبون عالم الاجتماع والطبيب الفرنسي الذي اشتهر بكونه المؤسس لعلم النفس الجماهيري، في كتابه هذا وضع دراسته للجماهير بكونها غير عاقلة تدفعها العاطفة والمنطق الديني وإن لم تكن هذه الجماهير دينية وركز على عدم مخاطبة الجماهير بالمنطق العقلي في سبيل تحقيق الغاية المرغوبة ويتضح ذلك في قوله:

«لكي نقنع الجماهير بنبغي أولًا أن نفهم العواطف الجياشة في صدورها، وأن نتظاهر بأننا نشاطرها إياها ثم نحاول بعدئذٍ أن نغيرها عن طريق إثارة بعض الصور المحرضة بواسطة الربط غير المنطقي أو البدائي بين الأشياء». – سيكولوجية الجماهير لغوستاف لوبون، ص124.

في كتابه الآراء والمعتقدات يقسم غوستاف لوبون المنطق إلى عدة أجزاء باعتبارها المسيرة لآرائنا واعتقاداتنا، ومنها المنطق الديني. والمنطق الديني عند غوستاف لوبون كما يصفه:

«المنطق الديني نتيجة لما في الإنسان من روح دينية، وهذه الروح التي كانت عامة بين الناس في القرون الغابرة لا تزال منتشرة على ما يظهر، ولا أهمية لارتباط الأشياء والحوادث بعضها ببعض عند أولي النفوس الدينية، فالارتباط المذكور في نظر هؤلاء إن هو إلا أمر يختص بموجودات علوية نعاني عزاءهما فقط»، ويكمل: «وهو مصدر التأويل والتفسير اللذين هما ذوا سلطان على الحركة»، «فالمنطق الديني يسوق الإنسان إلى ما لا يسوقه إليه المنطق العاطفي من أعمال تناقض أكثر منافعه» – الآراء والمعتقدات لغوستاف لوبون ص 64،ص 79.

لا تمتلك عقولهم الكفاءة، كما يقول غوستاف، لتقبل الأدلة العقلية فهم يرفضون كل ما هو مخالف لطريقتهم وبهذا تمكن هتلر من استعمال المنطق الديني في صالحه بدون «دين» كما هو متعارف عليه من أديان سماوية بل أديان من حيث المعتقد، فحل محل الدين السماوي اعتقادات هتلر كما سيأتي.

عام 1919: مرحلة الاستغلال والتطبيق

يعتبر هذا العام بداية صعود هتلر من خلال اشتراكه في حزب العمال الألماني، ولم يكن من الممكن لصعوده أن يستمر بدون دعم الجماهير وكان كتاب غوستاف لوبون خير معين لذلك، وفي عام 1925 أصدر هتلر كتابه كفاحي. ويظهر من خلال قراءة كتابه مدى اعتماده على أفكار سيكولوجية الجماهير حيث يقول:

«ففي حفل شعبي يكون سيد الكلمة الخطيب الذي يغزو قلب السواد لا الخطيب الذي يصفق له ذوو الألباب من الحاضرين» – كفاحي 239، «إن الدعوة التي توجه إلى حواس الجمهور قبل عقله وجنانه هي الدعوة التي تؤتي ثمارها» – كفاحي، ص122.

ويكمل: «يجب أن تكون الدعوة شعبية الفكر في متناول مدارك الأضيق أفقًا. وكلما كان عدد الذين توجه إليهم كبيرًا وجب خفض مستواها الفكري، وليتسنى للجميع أن يفهموا ما يقال لهم، وأن يهضموا ما تريد الدعوة أن يهضموه».

تمكن هتلر من استغلال المنطق الديني والعاطفي وتجنب التركيز على المنطق العقلي. بالإضافة إلى ذلك ذكر في كتابه هذا أنه تعمد أثناء نشوء حزبه ونشر أفكاره مخاطبة الجماهير أو الجماعات ليلًا لقلة تركيزهم وتجنب الصبح لصفاء أذهانهم.

لا شك أن هتلر كوَّن جماهير بعقول متعصبة إلى فكره وأهدافه حد التدين المتطرف كما لا يخفى عن النازية، ومن هنا كتب إيرك هوفر في دوافع وآلية تحريك الجماهير كما في المرحلة الأخيرة.

عام 1951: مرحلة حصيلة الاستغلال

في هذا العام صدر كتاب المؤمن الصادق لإيرك هوفر وتعتبر شروحاته ونظرياته حصيلة تطبيق هتلر لأفكار غوستاف لوبون والأنظمة المشابهة التي تستعين بإيمان الجماهير وقوتهم البشرية لتحقيق مآلاتهم. يقدم من خلالهما تلخيصًا بأن الحركات الجماهيرية المتطرفة سواء كانت نازية أو مسيحية أو مسلمة فكل منهم تشترك في خصائصها وجوهرها، حيث يقول:

«عندما نجد أن اهتماماتنا الذاتية واحتمالات المستقبل لا تستحق أن نعيش من أجلها، نصبح في حاجة ماسة إلى شيء منفصل عن أنفسنا نحيا له. إن الخلاص لحركة ما وإعطاءها الولاء المطلق لا يعدو أن يكون محاولة للتعلق بشيء يمنح حياتنا الفاشلة معنى وقيمة». المؤمن الصادق، ص38.

من الأساليب الممكنة لسيطرة القادة على الجماهير عند إيريك هوفر تشويه العالم الخارجي كوسيلة لتعزيز قيم الجماعة وفعل هتلر ذلك بتعزيز فكرة تفوُّق العرق الآري عند الجماهير وانحطاط سواه من الأعراق بقوله:

«هناك شعوب آرية – يقصد العرق الآري – ضئيلة العدد تخضع أقوامًا أجنبية وتعمل على إنماء مواهبها الخلاقة، والمنظمة بفضل ما تضعه في متناولها البقاع التي وضعت أيديها عليها. ولا تمر بضعة قرون حتى توجد الشعوب المذكورة حضارات ذات طابع متلائم وأسلوبها في الحياة، ومتفقة في الوقت نفسه مع خصائص الإقليم وروحية سكانه. ولكن ما يلبث الفاتحون أن يتنكروا لمبدأ حافظوا عليه في البدء، وهو المبدأ القائل بوجوب حفظ دم العرق المتفوق نقيًا طاهرًا ويكون الاختلاط بينهم وبين السكان الأصليين وبالًا عليهم».

ويدعي أن ذلك يقضي على المادة التي تعمل على إنارة الطريق للشعب المتفوق المؤسس للحضارات ويعتبر وجود أعراق منحطة في مقابل الأعراق المتفوقة شرطًا أساسيًا لتأسيس الحضارة من خلال استخدام هذه الأقوام الوضعية لخدمتهم لما لا يصلحون له فتتضح محاولات هتلر الناجحة في تدنيس وتشويه العالم الخارجي بجعلهم أعراقًا منحطة وبناء حاجز بين جماهيره الآريين والعالم الخارجي من الأعراق المنحطة.

يذكر الكاتب أن القادة يعملون على تشويه الحاضر لئلا تعمل الجماهير لغير هذه الأهداف بولاء لا يعلو عليه لأجل مستقبل يرسمه القائد في أذهانهم وتعمل الجماهير على تحقيقه لأجله، أما بالنسبة لهم فخير قول: «عندما نحلم بما لا نرى، فبوسعنا أن نصبر في انتظار تحقيقه» ربما صبرًا أزليًا. شيئًا فشيئًا تصبح المتع الشخصية أشبه بما هو محرم، حيث يقول إيرك هوفر:

«لا تكتفي الحركة الجماهيرية بتصوير الحاضر على أنه بغيض وبائس، بل إنها تسعى عامدة لجعله على هذا النحو، كما أنها تصوغ للفرد وجودًا متجهمًا وقاسيًا ومتسلطًا ومملًا. وهذه الحركة تدين كل الشهوات والرغائب ووسائل الراحة وتمجد الحياة الصعبة. إنها تعد المتع العادية أمرًا تافهًا، بل مكروهًا، وتعد أي مسعى للحصول على السعادة الشخصية أمرًا غير أخلاقي».

ومن الملاحظات الهامة هي تكوين فكرة الحقيقة المطلقة في أذهان الجماهير غير العاقلة فقد أصبحوا بعيدين عن الفكر النسبي للحقيقة، فالعالم إما معهم على الصواب أو ضدهم على الخطأ.

من الجدير بالذكر أن هذه الرغبة في التغير القابلة للاستغلال المتطرف أو الكراهية التي يعمل هؤلاء القادة على إحيائها والتفاخر بها تكون كامنة أو مخفية في نفوس الأفراد قبل الانضمام إلى الجماعة هم فقط بحاجة إلى متطرف يحييها أو يجملها.

يقول المؤلف بهذا الصدد: «التطرف، وحده هو الذي يستطيع، عندما تجيء اللحظة المناسبة أن يفرخ حركة جماهيرية حقيقية. في غياب المتطرف يظل التذمر الذي أثاره رجال الكلمة المعارضون بلا هدف».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل