المحتوى الرئيسى

«الإخوان» ركبوا موجة الدفاع عن الأزهر.. وتناسوا فتور علاقة الـ«طيب» بـ«مرسى»

04/24 22:04

لا أبالغ حين أقول إن أكثر الموضوعات المطروحة للحديث بين الناس فى مصر الآن وبشكل متكرر، هو موضوع الهجوم أو النقد الموجه للأزهر الشريف، عقب تفجيرات الأحد الدامى التى راح ضحيتها 45 قتيلا، و119 مصابا فى تفجيرى الكنيسة المرقسية بالإسكندرية وكاتدرائية الشهيد مارجرجس بطنطا.

وكالعادة يعتبر العوام أى  كلمة نقد لأى مؤسسة دينية أو شخص له نفس الصفة، بمثابة هجوم مغرض لا هدف منه إلا النيل من الإسلام بالتهجم على رموزه المقدسة، سواء كانت تلك الرموز أبنية ومؤسسات أو كانت رجالا وأشخاصا ممن تتصل طبيعة عملهم بعلوم الدين والتصدى للخطابة والوعظ.

فجأة أصبح الناس فى بر مصر كلهم مدافعين عن الأزهر باعتباره منارة العالم الإسلامى، وصاروا يغضبون لكل كلمة تقال بحق أو بغير حق فى نقد أداء تلك المؤسسة التى لا تستحق إلا مزيدا من النقد حتى تصوب سيرها ومسارها.

المضحك فى المسألة أن جماعة الإخوان لم يفتها أن تركب الموجة، وركوب الموجة طبع وعادة عند الإخوان، وتاريخهم كله يشهد بحرفنتهم فى انتهاز الفرص واستغلال ما يمكن استغلاله من مواقف لخدمة أهداف الجماعة.

وعلى ما يبدو فقد صدرت الأوامر من أعلى بأن يعلن كل إخوانى على صفحته على فيسبوك أنه ضد أى مساس بالأزهر، وأن الأزهر رمز من رموز الإسلام، وأنه أحد الأسباب التى جعلت لمصر مكانة بين الأمم والشعوب الأخرى فى كل أنحاء الدنيا.

هل نسى هؤلاء الإخوان أنه فى دولتهم التى حكمت سنة، وقبل أن يؤدى محمد مرسى اليمين الدستورية، وفى الاحتفال المقام له بجامعة القاهرة عقب إعلان فوزه، انسحب الشيخ الطيب ومرافقوه بعد أن فوجئ بأن المقعد المخصص له لا يليق بمقام المشيخة، ولا بوضع شيخ الأزهر وهو بدرجة رئيس الوزراء. ومرة ثانية وعقب تولى مرسى منصبه، وفى حفل القوات المسلحة لتسليمه السلطة من المشير محمد حسين طنطاوى، تجاهل مرسى يد أحمد الطيب الممدودة لمصافحته، متخطيا إياها، صحيح أن الطرفين معًا نفوا حدوث ذلك عمدًا، ولكن الذى لا شك فيه أن العلاقات بينهما لم تكن دافئة ولم يكن الطيب رجل مرسى المفضل.

وقد أثبتت الأيام ذلك، ففى أيام الإخوان الأخيرة، عندما أفتى الداعية السلفى محمد عبد المقصود بتكفير الخارجين على طاعة مرسى وإهدار دمائهم، فى إشارة إلى الجماهير التى وقعت وطالبت بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى ذلك الوقت.. هنا وفى اليوم التالى مباشرة، وجه الطيب ضربته القاتلة للإخوان بإصدار مشيخة الأزهر بيانا أكدت فيه أن المعارضة السلمية للحاكم جائزة شرعا، مفندة دعاوى تكفير المعارضين واتهامهم فى دينهم.

يتبقى فقط أن أتوقف أمام ملحوظة فى غاية الأهمية، وهى أن كل من تساءلوا عن حقيقة ودوافع النقد أو الهجوم على الأزهر، ويتحدثون فى الموضوع وكأنه بدعة لا سابقة لها فى التاريخ.. وهذا تصور غير صحيح بالمرة.

 فالحقيقة أن ما يشتكى منه العلماء والفقهاء المجددون ومعهم المفكرون والمثقفون اليوم وما يرصدونه من مآخذ وأخطاء على رجال الأزهر، هى نفسها التى رصدها وكشفها رجال وأعلام لا يختلف أحد على عظمتهم وسمو نياتهم ومقاصدهم. ويكفى فى هذا الصدد أن نعود إلى ما قاله الإمام محمد عبده، والعملاق عباس محمود العقاد فى هذا الشأن.

 فالإمام محمد عبده، الذى عرف عنه أنه كان ثائرا على الفقهاء وعلى الأزهر منتقدا أسلوب التعليم فيه، عندما سأله الشيخ محمد البحيرى: ألم تتعلم فى الأزهر وقد بلغت ما بلغت من طرق العلم، وصرت فيه العلم الفرد؟

فأجابه الإمام: إن كان لى حظ من العلم الصحيح الذى تذكر، فإننى لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنوات أكنس من دماغى ما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة!

إن هذا الرد الذى يبدو صادما من الإمام، يوحى بأن الرجل كان يعى كون الخلاف بينه وبين المؤسسة الدينية العتيقة، ليس مجرد خلاف حول آراء أو حتى مناهج، إنما هو خلاف حول نسق فكرى وعقلى كامل ومتكامل، ليس محصورا فقط فى أفكار يمكن تجنبها، أو مناهج يمكن استبدالها أخرى بها، بل هو نسق يمتد ليستغرق ويغرق كيان الإنسان بأكمله بما فيه اللا شعور، فيصبح جزءا من تكوينه بحيث لا يستطيع الانفصال عنه أو مفارقته.

ومن الإمام محمد عبده ننتقل إلى المفكر والكاتب العملاق عباس محمود العقاد صاحب العبقريات الإسلامية التى قدم من خلالها تحليلا نفسيا فذا وعميقا لعظماء ومشاهير التاريخ الإسلامى.

فنراه يكتب مقالا ناريا فى صحيفة «الدستور» يوم 28 ديسمبر 1908، ونص المقال موجود بالكامل فى كتابه «الإسلام والحضارة الإنسانية» الذى نشرته حديثا دار نهضة مصر، وقد جاء فى كلامه: «الجامع الأزهر على قيد خطوة من الراكب والراجل، ولكنه على بعد ألف سنة من المفكر، وذلك لأنه لا يزال كما هو يلقى دروسه على النسق الذى كان يلقى به أفلاطون دروسه فى غابته وأرسطو بين تلامذته، وقد أغرى أساتذته بكل قديم، حتى لو علموا كيف كان يعلم آدم أبناءه لعدلوا عن خطتهم الحالية فى التعليم إلى تلك الخطة (خطة آدم)»!

ويواصل العقاد نقده وتشريحه للأزهر: «أقيم الأزهر لغرضين: أولهما أن يحفظ ما عساه أن يندثر من آداب اللغة، وثانيهما أن يهدى الناس إلى أقوم السبل فى أمر دينهم، فهل هو قائم بهذه المهمة كما ينتظر منه؟ كلا: فإن الإنسان يتعلم الأدب ليكون كاتبا أو شاعرا، ونحن لا نكاد نطبق أصابع اليدين على شعراء الأزهر وكتابه.. وما عهدنا فى الأزهريين من تصدى لتطبيق آية من القرآن على مشروع معاصر مفيد، ولا رأيناهم أتوا بشىء جديد غير ما أخلق جدته الزمن وأبلته الأيام».

ويتساءل العقاد بمرارة: «فهل هكذا يكون الأزهر؟ هل هكذا يكون المعهد الذى يؤمه طلاب العلوم الدينية من حيث تشرق الشمس ومن حيث تغرب؟!».

ويجيب العقاد عن سؤاله بنفس المرارة: «لا والله، ولو كان غاية ما يطمح إليه مؤسسه أن يكون على هذه الحال، لما استحق منا ومن المسلمين إلا أن يصفوه بالخرق والحمق وتبذير أموال المسلمين فيما لا يجدى».

هذه كانت مجرد شهادة صادرة من عقل وقلب وضمير رجلين من أهم رجالات حياتنا الدينية والفكرية والثقافية، فهل قرأها رجال الأزهر فى الأمس البعيد أو فى الحاضر القريب؟

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل