المحتوى الرئيسى

أحمد ممدوح يكتب: دونكيرك.. هزيمة أم انتصار؟ | ساسة بوست

04/24 18:33

منذ 1 دقيقة، 24 أبريل,2017

وقف هتلر أمام برج إيفل في باريس يستعرض جيشه في زهو، بعد أن سقطت فرنسا كلها في قبضته ومن قبلها هولندا وبلجيكا ولكسومبورج، وأصبحت أوروبا في قبضته، وفي الأسبوع نفسه قبلها بأيام خرج تشرشل على التلفاز مخاطبًا الأمة الإنجليزية وجموع شعوب الحلفاء خاطبًا فيهم مهنئًا وشاكرًا لقوات الجيش البريطاني والفرنسي على الانتصار العظيم في معركة دونكيرك.

فهل ما حدث في تلك المدينة الساحلية الصغيرة على مدار عشرة، أيام كانت خلالها تلك المدينة مسرح عمليات لمئات الآلاف من الجنود نصرًا للحلفاء يستحق الشكر للجنود؟ أم هزيمة للحلفاء أدت لسقوط أوروبا في يد هتلر؟

بالعودة بالأحداث عدة أسابيع في العاشر من مايو عام 1940 اقتحم الجيش الثاني الألماني بلجيكا وهولندا ولكسومبورج في شمال فرنسا، كان الهجوم متوقعًا، وكانت قد وصلت إلى فرنسا قوات الجيش الإنجليزي للمساعدة في الدفاع عن فرنسا، في حالة فكر هتلر في الهجوم على فرنسا، وخلال أشهر قبل الهجوم اتخذ الجيش الفرنسي والإنجليزي مواضع دفاعية حصينة على طول شمال فرنسا، وقد تم وضع خطة للهجوم على بلجيكا في الشمال لدفع قوات هتلر للتراجع.

كانت الثقة بلا حدود أن هتلر لن يجرؤ على مهاجمة قوات الحلفاء المتحصنة خلف خط «ماجينو» أقوى خط دفاعي في التاريخ في ذلك الوقت، والتي يبلغ تعدادها نصف مليون جندي، كانت تلك الخطة الدفاعية التي أطلقها القائد الأعلى لقوات الحلفاء موريس غاملان «الخطة دال».

ولكن كانت لدى الجنرال الألماني «أريش فوون مانشتين» خطة أخرى، لقد انطلق عبر غابات كثيفة بين بلجيكا ولكسومبورج «الأردين» بالجيش الأول الألماني نحو الحدود الشرقية الفرنسية في خطة سميت بـ«ضربة المنجل»، وانطلق بسرعة في وسط فرنسا نحو الساحل في الغرب ليقطع الطريق على القوات الدفاعية في الشمال، ويمنعها من العودة إلى العاصمة باريس.

وخلال أيام، وفي الـ19 من مايو بعد تسعة أيام فقط من بداية الحرب، وصلت القوات الألمانية إلى الساحل الفرنسي الغربي قاطعة الطريق تمامًا على نصف مليون جندي فرنسي وإنجليزي، ونجحت الخطة وأصبحت قوات الحلفاء محاصرة بين الجيش الثاني الألماني في الشمال والجيش الأول في الجنوب، وبدأ الهجوم.

في 19 من مايو تم استبدال قائد قوات الحلفاء، وكان القرار بالهجوم المكثف على قوات الجيش الأول الألماني لفك الحصار والانسحاب نحو باريس لعمل خط دفاعي آخر.

ولكن بعد ثلاثة أيام من المعارك الضارية، انجلت الحقيقة تمامًا بأن الحصار قد أنهك كلا الجيشين الفرنسي والإنجليزي، واتخذ تشرشل قرارًا طار عبر مكتب قيادة الحرب الملكية إلى قيادة الجيش الإنجليزي بالانسحاب غربًا نحو آخر ميناء يسيطر عليه الحلفاء، ميناء صغير في مدينة دونكيرك.

وفي 24 صدرت الأوامر بضرورة إجلاء القوات الإنجليزية والفرنسية عبر شواطئ دونكيرك قبل تدميرها تمامًا على يد هجوم الألمان الضاري.

كان المشهد صادمًا للفرنسيين وهم يرون القوات الإنجليزية تهرول نحو دونكيرك، في غير تنظيم تاركين خلفهم أطنانًا من العتاد والأسلحة، بعد أن رأوهم منذ شهور وهم متجهون للحدود الشمالية في ثقة وانضباط.

تبعتهم قوات الألمان في رحلة صيد نحو دونكيرك، حتى ما أن وصلت القوات الألمانية على بعد 50 كم من المدينة أمرهم هتلر بالتوقف، لاستجماع القوى قبل القضاء تمامًا على الحلفاء.

أما في دونكيرك فقد كان المشهد مختلفًا تمامًا، كان مئات الآلاف من الجنود على الشاطئ في غير تنظيم، وسط قذائف المدفعية الألمانية تحصدهم بلا رحمة، وفي السماء مئات الطائرات الألمانية والإنجليزية في قتال فقد خلاله عشرات الطائرات من الجانبين، واقتربت السفن الحربية من الشاطئ محاولة تأخير القوات الألمانية من اقتحام دونكيرك بقذائفها.

في إنجلترا أطلقت القوات البحرية الملكية نداء إلى الشعب الإنجليزي عبر البي بي سي تطالب كل أصحاب السفن بالتطوع لإجلاء القوات من دونكيرك التي تبعد عشرين ميلاً عن الأراضي الإنجليزية.

وبعدها بساعات كانت 871 سفينة من سفن الصيد والقوارب السياحية والعبارات الصغيرة تسير جنبًا إلى جنب مع سفن البحرية الملكية نحو دونكيرك في شجاعة ليس لها مثيل، حتى إن القوات البحرية لم تتوقع هذا العدد من السفن والقوارب الصغيرة.

وعلى الشاطئ كان هناك عقبة أخرى، كان الميناء مدمرًا بفعل القذف الألماني، وكانت مياه الشاطئ ضحلة تمنع اقتراب السفن الكبيرة والمتوسطة لتحميل أكثر من أربعمائة ألف جندي مكدسين على الشاطئ بلا تنظيم أو انضباط.

كانت الطريقة الوحيدة ركوب قوارب صغيرة تحمل ما يقرب من عشرة جنود حتى السفن التي ترسو على بعد مئات الأمتار من الشاطئ، أو عن طريق السير والسباحة وفي كلا الحالتين كان الأمر يستغرق وقتًا طويلاً.

وهنا جاءت الفكرة للكابتن وليم تاننت باستغلال لسان خشبي ممتد على الشاطئ كميناء بعد تدعيمه ومده ليصل للمياه العميقة، حيث استطاعت السفن الكبرى الرسو، وقام بفرض حالة من التنظيم في العبور، بتوقيتات محددة، وبدأت الأعداد التي يتم تحميلها تزيد خلال أيام.

كان القرار الذي اتخذه تشرشل هو حمل الجنود الأصحاء أولاً، قابل هذا القرار معارضة قوية إلا أنه أصر على تنفيذه، وبالفعل وخلال أيام كان المشهد في دونكيرك رهيبًا، سفن مدمرة وغارقة على مقربة من الشاطئ الذي امتلاء على آخره بالجرحى والقتلى، رعب من أخبار تقدم القوات الألمانية عبر المدينة الصغيرة نحو الشاطئ، وسط اتهام القوات الفرنسية للإنجليزية بأنها تجلي الإنجليز أولاً، ولكن مع ذلك ظلت القوات الفرنسية تدافع عن الشاطئ ببسالة، وفي الجو شكلت القوات الجوية الملكية الإنجليزية خطًا دفاعيًا آخر ضد الطائرات الألمانية.

تم إجلاء اكثر من 338 ألف جندي من شواطئ دونكيرك، وتم إصدار آخر أمر بانتهاء العملية «دينمو» لإخلاء دونكيرك، وحتى بعد إصدار الأمر بالتوقف، أطلق تشرشل موجة أخرى تطوعية خلال الليل لإنقاذ المتبقي من الجنود، استطاعت الموجة الأخيرة إنقاذ 26 ألف من الجنود.

وفي الصباح دخلت القوات الألمانية الشاطئ، ليقع 40 ألف جندي من الحلفاء في الأسر، معظمهم من المصابين، وعدد كبير من الفرنسيين الذين استمروا في الدفاع عن الشاطئ.

غنم الألمان الكثير من المعدات والأسلحة من حصار قوات الحلفاء، وبعدها خلال أيام كان هتلر في باريس يحتفل بسقوط أوروبا في يده.

ولكن القوات التي تم جلاؤها إما عن طريق التفكير العبقري لوليم تاننت وقدرته على إخلاء أكثر من 80% من قوات الحلفاء التي كانت معرضة للتدمير.

وقرارات تشرشل الشجاعة بالانسحاب وإخلاء الجنود الأصحاء أولاً، أثر كبير على مجريات الحرب، فبعد أربع سنوات، كان الـ 300 ألف جندي الذين تم إخلاؤهم من دونكيرك، هم نواة قوات الحلفاء التي اقتحمت شواطئ نورماندي واستعادة فرنسا، إلي جانب القوات الفرنسية التي تم إجلاؤها في ذلك اليوم، والتي كونت جيش فرنسا الحر بقيادة ديغول من إنجلترا.

والأهم من ذلك أن معركة دونكيرك قد وحدت الجبهة الداخلية الإنجليزية وأعطت مثلاً لقوة وصلابة الشعب الإنجليزي وقدرته على تحقيق المستحيل، على مدى أعوام قذف هتلر فيها إنجلترا ودمر مدنها لم يستسلم الشعب الإنجليزي وظل يدافع عن بلاده، ويزيل آثار الدمار عنها في صبر وجلد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل