المحتوى الرئيسى

العادة السيئة.. الفهم أولاً

04/24 12:35

صارت الشهوة اليوم عبئاً كبيراً على الشباب، في ظل تعسر سبل الزواج، وغزو الصور المحرمة، وسهولة الوصول إليها بما لم يكن متاحاً قبل عشر سنوات على الأقل، فصرنا نعيش اليوم في عالم يموج بالإباحية، وتجارة الإباحية تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، وغزت بيوتنا، وأجهزتنا، وهواتفنا الذكية والغبية! حتى أفسدت -لا أقول على الناس حياتهم- بل وعلى المؤمنين صلاتهم وعبادتهم، وانكسرت روح المؤمن، وانجرحت فطرته السوية.

داء اصطلى بناره الشباب والبنات، والكبار والصغار، والمتزوجون وغير المتزوجين، في حرب باتت من أخطر الحروب؛ لأنها تتسلل إلى مخادعنا وأطفالنا دون أن نشعر، وتحطِّم نفوسنا إن لم ننتبه.

ولن نستطيع الهرب؛ لأنها صارت مبثوثة في كل مكان، بل لا بد من مواجهتها وحسن التعامل معها.

أدت محاولات تصريف هذه الشهوة المتصاعدة إلى الوقوع في أسر العادة السيئة، وضاعف من الأثر السلبي لهذه العادة أن تقع من بعض الملتزمين، أو من يراه الناس كذلك، وينظرون إليه على أنه قدوة، وقد يستشيرونه في هذه المشكلة بينما هو واقع فيها معهم!

فيتضاعف عليه الهَمُّ، ويحس أنه منافق؛ لأنه يلقى الناس بوجهٍ غير الذي يخلو به مع ربه، فيؤدي هذا إلى انكسار نفسي، وإحساس دائم بالذنب، واليأس من محاولات إصلاح النفس.

وصل الأمر بالبعض للاكتئاب، وتفاقم فوصل في حالات إلى الوسواس القهري، واندفع البعض في حالات متأخرة نحو الانتحار!

هذه نقاط عشر ليست عصا سحرية، ولا زراً تضغط عليه فيتغير الحال في الحال، لكنها إرشادات لزيادة الوعي والفهم الذي بدوره يغير السلوك، وما لم تفهم سبب المشكلة، وتعرف سياسة التعامل مع النفس، فلن تستطيع تغيير سلوكك، فلا يتغير السلوك بشكل دائم إلا إذا تغير الفكر الذي أدى لهذا السلوك، فالفهم الخاطئ يقود دائما إلى السلوك الخاطئ.

ولذا هدف مقالتي تصحيح الأفكار والممارسات المتعلقة بالشهوة، وكلامي هنا من باب الإنذار المبكر، لعلاج الأمر من بدايته قبل أن يستفحل فيصعب التعامل معه.

1- المتوالية الشيطانية: العادة السرية تبدأ أول ما تبدأ لتفريغ الشهوة، ثم يتدرج الأمر بمرور الوقت إلى استعمالها لاستجلاب الشهوة، ثم يكون إدمانها، ثم الانتقال بعد إدمانها إلى إدمان المواقع الإباحية، ثم الانجرار من المواقع الإباحية إلى مقاطع الشذوذ والممارسات غير السوية، ثم الانزلاق في الزنا وارتكاب الفواحش.

إن من القناعات الخاطئة التي تحتاج منا إلى مراجعة: ظنُّ البعض أن العادة السرية حلٌّ سريع لمشكلة الشهوة، وأنها تطفئ نارها، بينما هي على النقيض من ذلك.

2- فك لغز علاقة الروح بالجسد: في لفتة رائعة لابن القيم في إحدى فوائده أشار إلى أن الله تعالى خلق آدم من الأرض، وجعل روحه من ملكوت السَّماء، ثم جمع بينهما حين نفخ فيه من روحه، فيسلك العبد في حياته أحد مسارين:

- إذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه في خدمة ربه، وجدت روحه خفَّة وراحة وسكينة وطمأنينة، وتاقت إلى الموضع الذي خُلِقت منه وهو السماء، واشتاقت إلى عالمها العلوي والجنة.

- وإذا أشبع العبد بدنه ونعَّمه واشتغل بخدمته وراحته أخلد البدن إلى الأرض، وهو الموضع الذي خُلِق منه، فانجذبت الروح معه فصارت في سجن شهواتها وملذاتها، وهذا يشير إلى أصل المشكلة، وأن ممارسة العادة السيئة إنما هي عرَض لمرض، ورأس الجليد الطافي فوق السطح، بينما يُخفي تحته ضعفاً في الإيمان، وخدمة الجسد على حساب الروح، وخللاً في الأولويات، وطالما قلَّ زاد الروح فسيظل صاحبها منساقاً وراء شهوته، مصطلياً بنارها.

ومن أراد النجاة، فعليه بالتزود لروحه، ومراجعة عباداته، وتفقد فرائضه، فكلما قويت الروح، كانت عصيَّة على الاستجابة لأهوائها، والخضوع لأوامر شيطانها.

3- فهم مداخلِ إبليس في المعركة: من وسائل الشيطان في غواية بني آدم الاستحواذ على الثغور أو (البوّابات)، ثم التسلل منها إلى القلب، وثغور العبد خمسة: البصر، والسمع، والشم، والقدمان، واليدان، ومن أهم الثغور ثغر أو (بوابة) العين، ويدخلها الشيطان من طريقين:

الطريق الأول: صرف العين عن مواطن الاعتبار، ومواطن الاعتبار هي:

- آيات الله المقروءة في القرآن، فيصرفك عنها بالشواغل والمغريات وتصفح الصفحات والشات! فإن لم يظفر منك بذلك صرف قلبك عن تدبُّر الآيات.

- آيات الله المشاهدة في الكون، وذلك بإلهاء العبد عن التفكر فيها، وتحقير عظمتها في قلبه.

والطريق الثاني: توجيه العين إلى النظر المحرم بصرفها إلى ما يثير كوامن الغرائز ويلهبها في صور أو مشاهد مصورة أو كاسيات عاريات يملأن الشاشات والصفحات والطرقات.

إن استيلاء الشيطان على العين هو أسهل الطرق لغزو القلب واحتلاله، والقلب ملك، والجوارح جنود، فيستحوذ الشيطان على كيان العبد كلِّه من خلال ثغر العين، ويبدِّد تقواه، ويفقده ثقته بنفسه وإيمانه بربه.

4- إدارة الخواطر والهموم لا منعها، والخواطر نوعان:

عابرة ومستقرة، وحين تستقر الخواطر في العقل تتحول إلى هموم دائمة تملك على الفرد كيانه ومشاعره، لكن كيف تستقر الخواطر وتتحول إلى هموم؟!

تستقر الخواطر في الذهن إما لتكرارها وكثرة التعرض لها، أو لأنها صادفت رغبة دفينة في القلب ومحبة جارفة من العبد، ومعلوم أن استيلاء هم من الهموم على القلب يمنع القلب من الالتفات لغيره من الهموم، كيف؟‍! تخيَّل نفسك مريضاً بمرض شديد، أو أن أحب الناس إلى قلبك على فراش الموت، أو أنك في انتظار امتحان مصيري يحدِّد مستقبلك، أو أن فقراً شديداً أصابك واضطرك إلى ذل السؤال.

إن أي همٍّ من الهموم السابقة كفيلٌ أن يُنسيك أي همٍّ آخر أو أي شهوة مهما برزت وأغرَت.

وهنا تبرز أهمية رعاية الخواطر والهموم، وأن الاهتمام بها من أهم طرق إصلاح القلوب، وذلك من طريقين:

الأول: محاصرة الخواطر والأفكار السيئة داخل حدود عقلك أولاً، وعدم الاسترسال معها، مثل تخيّل صورة عارية، أو أوضاع محرّمة؛ قبل أن تهيِّج النفس على مواقعة الحرام، فلا شك أن صرف الذهن عن الأفكار الرديئة هو خط دفاع قوي ضد السيئات.

الثاني: وهو الأجدى والأنفع، مزاحمة الخواطر الرديئة بخواطر حسنة وهموم سامية، ومن أمثلة ذلك:

- التفكير في أعمال الخير وصنائع المعروف.

- السعي في تطوير النفس واكتساب مهارات شخصية.

- الاهتمام بأحوال المسلمين والبحث عن طرق نجدة المستضعفين.

- البحث عن سبل زيادة دخلك وتنمية موارد الرزق الحلال.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل