المحتوى الرئيسى

عبدالرحمن كمال يكتب: تطوير التعليم الواقعي والإعلامي | ساسة بوست

04/24 10:56

منذ 1 دقيقة، 24 أبريل,2017

في مجال الدعاية والتسويق، يعرف متخصصوه ورواده أن أفضل من يقيم الخدمة أو المنتج النهائي دائمًا هو العميل، و يكون هو محور العملية التسويقية، أو كما يقال في المثل الشعبي البسيط بين صغار التجار (الزبون دايمًا على حق).

وكذا الحال قبل وضع أية سياسة تعليمية جديدة ينبغي وضع الطلاب نصب الأعين وجعلهم محور العملية التعليمية، لا أن يصبحوا آخر من يعلم؛ فيتحول الطالب من متعلم وفرد بناء يتم إعداده للمستقبل إلى مجرد ساع إلى حمل شهادة اجتياز تلك المرحلة من حياته.

لا شك أن التعليم هو حجر أساس أي مجتمع ناجح متقدم علميًا واقتصاديًا وعسكريًا حتى، وبعيدًا عن كلام الخبراء والوزراء والنقاد ورواد الإعلام والبرامج التليفزيونية، وأيضًا بعيدًا عن الساخطين على التعليم وكارهيه والداعين إلى تركه تحت دعوى فشله، وأنه المركز 139 … دعونا نتحدث بإيجابية وحيادية لعلها فرصة لإيجاد حلول سليمة لعملية التعليم في مصر.

المشكلة الرئيسة في التعليم في مصر أنه قائم – وفقط – على أساس اجتياز عدة مراحل، بناء على استيعاب الطالب كم معين من المعلومات التي تعده – فيما بعد – أثناء مرحلة العمل أو التطبيق، ويتم تقييمه على أساس الكم الذي استطاع تحصيله – إما فهمًا أو حفظًا أو حتى الغش – فإذا استطاع الطالب استيعاب معظم أو كل المقرر، كان متفوقًا، ويتم تقسيم الطلاب على حسب التقدير النهائي، وهنا ليست المشكلة – بالرغم من أن الباحثين في الدول المتقدمة تعليميًا يبحثون حول جدوى تلك العملية، ويطالب البعض بتغييرها حاليًا في بلادهم – إلا أنها تعد طريقة من طرق التعليم، وتؤدي جزءًا كبيرًا من الغرض الأساسي للتعليم.

لكن المشكلة الكبرى هنا هو اقتصار التعليم على مجرد المعلومات والجوانب الفنية – بالرغم من أهميتها – وفقط.

فيصبح المنتج النهائي منه طالب جيد في الناحية التقنية، ولكن ينقصه الكثير من الجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية عن الجانب الفني.

وهنا نفترض الحالة المثالية – بنسبة 100% – أن التعليم يخرج طالب مؤهل علميًا وتقنيًا جيدًا بدون التطرق للغش أو مستوى المدارس والجامعات فلا حاجة للحديث عنها حاليًا.

أين المهارات الحياتية التي اكتسبها الطالب مثل التعاون والعمل الجماعي والالتزام واحترام المواعيد ومعرفة الحقوق والواجبات وكيفية الكلام أمام الناس؛ هذه ليست كماليات يسهل الاستغناء عنها حاليًا، ولكنها من أساسيات العناصر المؤهلة في هذا العصر.

و سأسرد بعض الأمثلة لتوضيح أهمية المهارات التي ذكرتها سابق.

مهارات العمل الجماعي مثلًا من القيم الأساسية في المجتمعات الراقية؛ فهو أساس التعاون والتكامل بين أعضاء الفريق الواحد، كل يضع خبراته ومهاراته وبصماته داخل الفريق حتى ينتج فريقًا أو إنجازًا متكاملًا، فكل فرد له قدراته المميزة التي يتفوق بها عن الآخر في مجال ما، ولكن يتم توظيفها جميعًا لخدمة الفريق.

ولكن إذا نظرنا في المجتمعات النامية؛ تجد أن الفرد يسعى لخدمة اسمه فقط، وأن يتفوق على الآخرين، بل يسعى لتدميرهم، أو إحباطهم لكي يبقى هو، أو لربما بعد نجاح الفريق تجد التشاحن والبغضاء بين الأعضاء لأجل نسبة الإنجاز، كل لنفسه، ويكون بالتعبير الدارج: الكل في الكل. فليس هناك ثقافة العمل الجماعي، أو نسبة الإنجاز إلى الفريق ككل.

ولو نظرنا نظرة أعمق قليلًا؛ لوجدنا أنها ثقافة يتم زراعتها في النشء الصغير داخل النظام التعليمي نفسه، فتقييم الطلاب يتم على أساس فردي بحت، ولا مجال للتعاون أو التشارك؛ فلكي تكون المميز (الأول) يجب أن تتخطى الجميع، ويتم تكريمك وحدك، وتكون المميز وحدك؛ فتزداد ثقافة الأنا داخل الشباب الصغير، ولكي تحافظ على ذلك التميز ينبغي ألا يشاركك أحد. وإذا لم يوجد وازع ديني أو أخلاقي فاللجوء لتدمير الآخرين بطرق غير شرعية، أو أخلاقية، أمرٌ مشروع، فالغاية تبرر الوسيلة.

كما أن المظاهر السلبية في المجتمع تجد الفرد يتعلمها مبكرًا في المدرسة، فالرشوة – على سبيل المثال – التي يعتبرها المواطن طريقة سهلة من أجل الحصول على حق ليس ملكك، أو حتى الحصول على حقك القانوني بطريقة غير شرعية سهلة، بدلًا عن التصدي للمرتشي، والحصول على حقوقك كاملة بالطريقة الصحيحة، تجد نموذجًا مصغرًا في المدرسة، فلكي تحصل علي حقوقك أو تضمنها يجب أن تخضع للدروس الخصوصية (رشوة مقنعة)، أو أن تحصل على حق غير مشروع، وتسريب امتحانات النقل في المدارس أثناء الدروس والمراجعات في مثال صارخ للرشوة في أبهى صورها.

وربما المثال السابق يدمر قدرة الطالب على معرفة حقوقه وواجباته؛ فيصبح الحق الأصيل شيئًا خارج مقدرته، ويمنح من الآخرين ببعض التنازلات، ولا يعرف الطالب واجباته، وما يجب أن يقدمه، بل قد يعتبر أن الرشوة المسماة بالدروس هي واجباته، وهنا الكارثة.

إذن، فلو تحدثنا عن تطوير التعليم، ينبغي أن نضع تلك المفاهيم نصب أعيننا قبل تطوير المناهج أو التنسيق أو الامتحانات، فتلك كلها وسائل وآليات وليست غاية، فالفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء تتطور كل يوم، والاكتشافات تزداد يومًا بعد يوم ولا تتوقف، ومن يريد أن يواكب العلم الحديث، فمصادر التعلم كثيرة ومتاحة، بجانب العملية التعليمية، ولا يكتفي الباحث بتلك العملية فقط.

كما أن تطوير الامتحانات ونظم الدراسة هي مجرد آليات تتعدد وتختلف باختلاف الأنظمة والبلدان وكلها صحيحة، ما دامت تؤدي الغرض والهدف المرسوم لها بكفاءة.

ولربما مشكلة الحفظ والحشو في المناهج التي يشكو منها الكثيرون، يمكن معالجتها بإعادة صياغة الكتب، وزيادة الجانب العملي، ولكي نكون صرحاء، فالمناهج التعليمية في مصر علميًا ليست سيئة على الإطلاق، بل جيدة جدًا، لاسيما بعد التعديلات الأخيرة على المناهج الدراسية لجميع المراحل قبل الجامعية.

إذن فملخص الحديث إذا أردت تطوير التعليم، أن لا تهتم فقط بالمناهج الدراسية والامتحانات، بل بالعملية التعليمية، والنظام بأكمله، فيجب وضع فلسفة للتعليم، هدفها إخراج طالب متكامل اجتماعيًا وعلميًا ويمتلك المهارات اللازمة لإنتاج مواطن صالح، وموظف كفء بمعنى الكلمة، ينبغي التركيز على المهارات التي يتم اكسابها للطالب، والقيم التي يجب أن يمتلكها، والسلوكيات الواجب الالتزام بها، ووضع خطة لتنفيذ هذا بعيدًا عن التنظير والكلام النظري أو الاستهلاك الإعلامي.

إذا أردت إخراج عنصر كفء وملتزم، وليس مجرد موظف يتعب لإنهاء عمله وتحصيل أجره آخر الشهر وفقط، ينبغي تغيير نمط الطالب من مجرد ساع لاجتياز المراحل المختلفة، وحمل الشهادة إلى متعلم بحق ومحب للتعليم.

ينبغي أن تكون العملية التعليمية جزءا من المنظومة الشاملة للدولة، إذا أرادت التغيير والتطوير وبعيدًا عن كلام الإعلام والخبراء – والكلام الكبير – ينبغي وضع هدف أعلى تكون الصناعة والاقتصاد والعملية التعليمية وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي اتخاذ الإجراءات الصحيحة، والمناسبة للتطوير.

فمثلًا إذا كان الهدف تطوير المنظومة التكنولوجية والمركز العلمي للدولة، فهذا هو الهدف الأسمى، وبالتالي يتطلب هذا إخراج عناصر متمكنة علميًا وعمليًا في مجال الصناعة، وبالتالي سوف تلجأ لاهتمام بالجانب العملي التكنولوجي للمناهج التعليمية وإكساب الطالب المهارات التقنية اللازمة، إذن سوف تقوم بإعداد كوادر التدريس علميًا، ولكي يكونوا قادرين على القيام بالعمل بكفاءة، والتفرغ له بكامل طاقته دون تقصير أو اتجاه للفساد أو حتى الاتجاه لوظائف إضافية على حساب عمله ينبغي إعطاؤه مرتبات، وتسهيلات مناسبة تكفيه للقيام بالعمل، ولن يوجد سبب للتقصير عندها، ويتم معاقبة المقصر والفاسد بأشد العقاب لخيانة الأمانة وإقصاؤه من المنظومة.

وأيضًا زراعة قيم التعاون والالتزام واحترام المسؤوليات ومعرفة الحقوق والواجبات في النشء والطلاب، وبالتالي إخراج عناصر قادرة على الإنتاج والتطوير عمومًا أيا كان المجال.

وبتطوير المناهج العلمية لخدمة الهدف المنشود، وزيادة الجانب العملي عن النظير فقط، وإتاحة الفرصة للابتكار والاختراع للطلاب تكون قادرًا على إخراج طالب متمكن علميًا وتكنولوجيا، ومع المهارات المكتسبة سابقًا تكون أنتجت عنصرًا مميزًا بالفعل.

فالهدف من ذكر المثال السابق هو إيضاح أنه عندما تم وضع الهدف، تم معالجة العملية التعليمية، وإصلاحها بمثلثها: المدرس والطالب والمنهج العلمي من أجل خدمة وتحقيق ذلك الهدف.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل