المحتوى الرئيسى

الألف كتاب.. والألف مكتبة! | المصري اليوم

04/22 22:59

هى فعلاً: محاربة الإرهاب.. بالكتاب.. بالمكتبة والفكر المستنير.. وأكاد أجزم بوجود علاقة حضارية بين فكرة ــ أو مشروع ــ السفير الكبير عبدالرؤوف الريدى بإنشاء ١٠٠٠ مكتبة عامة لإعادة عصر التنوير.. وفكرة الألف كتاب، التى قادها عميد الفكر «العربى» طه حسين، ونفذتها لجنة التأليف والترجمة والنشر ــ بريادته ــ فى أواخر الأربعينيات.. وكان هدفها أيضاً: مواصلة عملية التنوير التى بدأت بعصر محمد على.. ومواصلة مسيرتها على يد حفيده الخديو إسماعيل.. ثم مضى على طريقها الحفيد عباس حلمى الثانى، وكان الهدف واضحاً وواحداً.. هو إحياء الفكر التنويرى.. والنهوض بالأمة.

وفى مشروع الألف كتاب ــ بريادة طه حسين ــ قامت اللجنة ــ وكانت أهلية ١٠٠٪ وبعيدة عن أى دعم أو تدخل حكومى ــ باختيار ١٠٠٠ كتاب من أمهات الكتب العالمية، ومن كل اللغات، وقامت بترجمتها إلى العربية دورياً فى طبعات رخيصة.. ولم تنتفع بها فقط الأمة المصرية.. بل استفادت منها ــ ونهلت ــ كل الأمة العربية.. ومازلت أتذكر عناوينها.. وعنوان مكتبتها الشهيرة فى شارع شريف بالقاهرة، ومكتبتى تتزين بالعديد من هذه الذخائر.. التى كانت تتلقفها كل الأيدى العربية.. خارج مصر.. وعندما انتهت لجنة التأليف والترجمة والنشر هذه من ترجمة ١٠٠٠ كتاب، فى كل علوم الدنيا، عمدت اللجنة إلى اختيار قائمة ثانية، كانت تضم أيضاً ١٠٠٠ كتاب أخرى، وإن ساهمت فيها هذه المرة الدولة المصرية.

وكان الهدف هو إحياء عصر الترجمة العظيم، الذى بدأ ببداية العصر العباسى، وكان لهذه المهمة دورها فى المحافظة على تراث الفكر العالمى القديم، اليونانى ثم الرومانى.. وإن أضاف إليه المترجمون والمفكرون العرب والمسلمون.

ومن المؤكد أن هذا هو ما دعا زعيم حركة التنوير العصرى ــ الخديو إسماعيل ــ إلى إنشاء دار الكتب الخديوية «الكتبخانة» وجمع فيها ما استطاع من كتب كانت موجودة فى القصور وفى بيوت الأثرياء والمساجد وغيرها، وجمعها فى بيت ابن أخيه فى درب الجماميز قبل أن يشرع فى إنشاء الكتبخانة، أى دار الكتب، وكان أول رئيس لها هو زميله فى البعثة إلى فرنسا على باشا مبارك، وكان هو نفسه وزيراً للمعارف.. وهو الجيل الثانى بعد جيل رفاعة رافع الطهطاوى، أول من قدم لنا الفكر الفرنسى الحديث وصاحب فكرة إنشاء مدرسة الألسن بالأزبكية.. ملاصقة لقصر محمد بك الألفى.

وتطورت الأفكار.. وأقبل الأثرياء على اقتناء الكتب.. وكانت المكتبة الخاصة تزين قصورهم.. التى عاشت عصر الصالونات الثقافية.. وكذلك أمراء أسرة محمد على باشا.. فاضل وعمر طوسون والأميرة نازلى فاضل وغيرهم. وفى معظم المدن الكبرى ــ المصرية ــ كنا نجد المكتبات العامة.. وكنا نتسابق إليها، وكان عندنا فى دمياط ــ مثلاً ــ مكتبة البلدية.. ومكتبة الجامعة الشعبية، التى أنشئت عام ١٩٤٦.. ثم مكتبة المعهد الدينى بدمياط العريقة.. وكانت كل مدرسة ابتدائية وثانوية تتسابق فى إنشاء المكتبات المدرسية، وكانت حصة القراءة،وحصة المكتبة من أهم الحصص الموجودة فى الجدول الدراسى.. وكانوا يسمحون لنا أيضاً بالاستعارة الخارجية، ليس فقط خلال العام الدراسى، بل أيضاً فى الإجازة الصيفية، وكانت مكتبة بلدية الإسكندرية من أعظم المكتبات العامة فى مصر كلها.. وهكذا.

وأسأل هنا: كم شاباً من الأجيال الحالية عرفت قدماه طريقهما إلى إحدى هذه المكتبات، أو ذهب إلى دار الكتب بباب الخلق أو دار الوثائق بالقلعة.. أو حتى إلى مكتبة قصر عابدين، كما كنت أفعل وأنا طالب بالقاهرة؟!.

وهنا تجربتان رائعتان من بداية الخمسينيات.. الأولى التى قادها الدكتور عبدالقادر حاتم منذ إنشاء هيئة الاستعلامات وترجمة مئات الكتب وتقديمها برخص التراب للقراء المتعطشين للمعرفة.. حتى إن المطابع كانت تخرج لنا كتاباً كل ساعة.. تخيلوا.. حتى وإن كان بعضها من الكتب الموجهة.

والتجربة الثانية لا ينكرها إلا جاحد وهى تجربة مكتبة الأسرة ومشروع السيدة سوزان مبارك ــ الرائد ــ بتقديم أمهات الكتب لكبار الكتاب بقروش معدودات، وما رافق هذه الحركة التنويرية الرائعة من إنشاء مكتبات مبارك العامة فى القاهرة الكبرى وعواصم المحافظات.

■ ■ وكان هدف مشروع د. حاتم، ومشروع مكتبة الأسرة للسيدة سوزان مبارك هو مواجهة الفكر الإرهابى.. الفكرة بالفكرة.. والكتاب بالكتاب.. ولذلك لم تعرف مصر إلا متأخراً «سيطرة الفكر الإرهابى» على شريحة كبيرة من الشباب.. فلا يفل الفكر إلا الفكر.. على غرار لا يفل الحديد إلا الحديد.

■ ■ من هنا تجىء دعوة السفير الريدى.. وكأنها «نوبة صحيان» هدفها إيقاظ الأمة.. وإعدادها للمعركة الرهيبة، التى يكاد الفكر الإرهابى يهزم العقل ويدمر العقلانية المصرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل