المحتوى الرئيسى

لله ولابنى وللوطن

04/21 22:10

كما أن انتقاد أداء مؤسسة الأزهر لا يعنى هجوماً على الإسلام، والاعتراض على سياسات حكومية لا يعنى الانقلاب عليها أو التلاعب بأمن الوطن، فإن الانتقاد والاعتراض والتعبير عن عدم الرضا على أداء الشرطة ليس تقليلاً من جهودها، أو تخويناً لأبنائها، أو انتقاصاً مما تقدمه من أرواح يومياً من أجل الدفاع عن أمننا. بل العكس هو الصحيح، فالانتقاد يعنى الاهتمام، والاعتراض يؤدى إلى تحسين الأداء. والأداء لا يستوى دون النظر إلى التاريخ الحديث، فمنه نستقى العبرة وعنه نستشف الحكمة. وربما لا تبقى من ذكريات ثورة يناير 2011 لدى كثيرين سوى تلك الأحاسيس الشعبية المحتقنة جراء الشعور بالظلم. الرئيس الأسبق «مبارك» تضامن أو شارك أو سكت عن الكثير من مظاهر الظلم، سواء تلك المتمثلة فى فساد رجال الأعمال وتوحش أصحاب المصالح والغنى الفاحش لفئات بعينها دون وجه حق، أو المتمركزة فى تغول الشرطة التى تحولت إلى أداة قمع للمواطن، إن لم يكن قمعاً جسدياً فنفسياً عبر مشاعر الفوقية التى اعترت الغالبية منهم واعتقادهم أن المواطن هو الطرف الأضعف فى حلقة الدولة. ولن أخوض فيما جرى بعد ذلك لأنه موجع، فمن كسر وانكسار للشرطة، إلى رأب لصدع العلاقة مع المواطن فى أعقاب ثورة 30 يونيو، ثم ملامح بدت ضبابية ثم ها هى تتحول جلية حيث عودة للاستقواء بالمنصب، وردة للاستعفاء على المواطن، ونكسة لعودة الصدع بينهما. قصص وحكايات يحكيها طلاب جامعات وشباب من مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة. توقيف أو تدقيق فى بطاقات هوية، وأسئلة موجهة حول من هم ولماذا يوجدون فى ذلك المكان؟ إلى آخر ما يمكن قبوله بل والترحيب به على سبيل تأمين البلاد والحفاظ على العباد من نيران الإرهاب التى قد تضرب فى أى مكان. إلى هنا ويبدو الأمر مقبولاً تماماً، لا سيما أن إعلان حالة الطوارئ يعنى توقع إجراءات غير اعتيادية (دون مبالغة) وتدقيقات غير تلك المتبعة فى الظروف العادية (دون إفراط). لكن أن تتحول جولات التدقيق والتحرى والتفتيش إلى استعراض قوة فردية لضابط أو «فشخرة» على خلق الله، أو وسيلة لتمضية وقت الخدمة بانتقاء من لا يعجبهم مظهرهم. ما الذى يستفيده جهاز الشرطة حين يصر على تجذير مشاعر الاحتقان تجاهه بين الشباب؟ وما الحكمة من عودة لما كانت عليه الأوضاع الشرطية قبل يناير 2011؟ وما الفكرة من استمرار ضبابية العقيدة الشرطية القائمة على أن مهمة ضابط الشرطة -ويسمى أيضاً ضابط إنفاذ القانون- تتركز حول حماية الأفراد والممتلكات؟ حين تجوب سيارة ميكروباص بيضاء لا تحمل أرقاماً شرطية شوارع حى كمصر الجديدة ليلاً، ومن بين جموع الشباب الذين يتجمعون فى أماكن بعينها، يتصيدون مجموعة هنا أو هناك، فيباغتونها أولاً بالسخرية ثم الدفع العنيف يليها رفض الإفصاح عن هويتهم، ثم الإجبار على ركوب الميكروباص الأبيض الشهير الذى لا يحمل أرقاماً شرطية وسط توليفة منتقاة من الشتائم الجنسية القبيحة والأوصاف والنعوت التى تحمل معانى التحقير والتجريح، والحرص على ترهيب «الركاب» نفسياً وترويعهم معنوياً فى جولة قصيرة يقوم بها الميكروباص فى الحى. ويبدو أن انتقاء المجموعات التى يتم مداهمتها يعتمد على انتقاء الشباب الذين تبدو عليهم أمارات الطبقة فوق المتوسطة، وقلة الخبرة مع المنظومة الشرطية المصرية. وما أن يتأكد حدسهم هذا، حتى يدقوا على أوتار تجريحهم وتحقيرهم، وحبذا لو ثبت انتماؤهم لجامعة خاصة ذات مصروفات عالية حتى يبدأ «السف» على العيال «الخو...» والوصم بنعوت مثل «أبو ش...» وغيرها. ويزيد طين الإهانة بلة العنف فى حال إذا تجرأ أحد أولئك الشباب وسأل عما اقترفه لتتم معاملته هكذا، أو استفسر عما إذا كان «حضرتك» ضابط. وأظن أن بقية السيناريو معروف مسبقاً. ويعود أولئك الشباب من التجربة المريرة، التى ربما لا تستغرق أكثر من دقائق معدودة، بكم مذهل من مشاعر الكراهية للشرطة برمتها، وفقدان التعاطف لما يقوم به أفرادها الآخرون من تضحية بالنفس، بل وتولد أو ربما يتزايد شعور بعدم الانتماء للوطن الذى يُقبل فيه «حامى الحمى» على شتم وتجريح وإهانة مواطن على سبيل استعراض القوة. هل يرضى ذلك الرئيس؟ وهل عقيدة الشرطة بالفعل تغيرت؟ وهل هذا هو المبتغى فى ظل حالة الطوارئ المعلنة؟ وهل هناك طريقة للفصل الواضح والصريح بين إنفاذ القانون وتأمين البلاد فى ظروف غير اعتيادية وحماية المواطنين فى وقت بالغ الحساسية من جهة، وبين عدم ارتكان البعض فى الشرطة إلى حجة الطوارئ للخروج على القانون واستعراض العضلات دون ضابط أو رابط أو مراقب. العضلات التى تم استعراضها قبل أيام وكتبت عنها «الوطن» تشير إلى شىء ما خطأ. فى حى عين شمس اشتبه أمين شرطة فى عامل شاب فناداه «اقف يا ابن ال...»، ولم يقف فأطلق عليه النار. وفى قول آخر هدد القتيل الأمين بمسدس. روايات أهل القتيل وسكان المنطقة تحوى تفاصيل كثيرة يستوقفك منها أن أمين الشرطة وصل المنطقة مع زميل له على دراجة نارية «بدون لوحة أرقام»، بعد سقوط القتيل على الأرض غارقاً فى دمائه يقال إن أمين الشرطة «وضع قدمه» على رقبة الشاب. الأهالى تحفظوا على الأمينين وسلاحيهما وسلموا الجميع لقسم الشرطة.. الرسائل كثيرة وتنذر بخطر كبير حيث صدع نذير بين الشباب من أبنائنا وهم الأكثر عدداً فى هذا الوطن والشرطة من أبنائنا أيضاً. كلماتى هذه لله ولابنى وللوطن.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل