المحتوى الرئيسى

وفي السفر فوائد

04/21 17:14

غالبا مفيش إنسان على وجه الأرض مش نفسه يسافر ويلف العالم كله، بس هل يا ترى مين اللي بيحقق الحلم ده؟! ومين مش عارف يحققه؟!

الموضوع ببيدأ من وإحنا صغيرين بيكون نفسنا نسافر البلد اللي بنحس بالشغف ناحيتها، ويمكن بنقرأ عنها كتير، عن معالمها، وعن حياة شعبها، وعن اقتصادها، وممكن كمان نقرر نتعلم اللغة اللي بتتكلم بيها الدولة دي.

كام واحد ليه خال أو عم أو حتى باباه مسافر برَّة، وعايش برة مصر، كام واحد نفسه يسافر ليهم ويحقق حلم السفر برة مصر؟

طب اللي سافر برة مصر استفاد قد إيه وأخد خبرة قد إيه؟ طب قدم إيه لمصر حتى لأهله أو حتى لصحابه؟ ناس كتير بنكون فخورين بيهم، وكتير بنحاول ننساهم لأنهم عمرهم ما أفادونا بأي شيء، ولو حتى بصلة الرحم، والخيار ديماً بالاستمرار بالعيش في دولة غير مصر بيكون صعب؛ لأن وقتها بتبعد عن كل ذكرياتك، بتبعد عن كل أصحابك وأحبابك، أوقات بتخسر أقرب الناس ليك، ولازم تكون صداقات جديدة وحياة جديدة لأول مرة، وكأنك لسَّه مولود وهتتمرمط ويطلع عينك عقبال ما توصل، وتكون اللي انت عاوزه، وهتيجي على نفسك كام سنة وهيعدي قد إيه من عمرك عشان تحاول تكون الإنسان اللي انت عاوزه، بس متخيل بعد ما تعمل كل ده وتفشل ممكن تتحطم نفسياً وتقرر وقتها العودة للوطن اللي هو بيكون الحضن الدافي بس بعد إيه بقى؟!

بعد ما كل حاجة عملتها راحت هترجع تدور على الحضن اللي بتدور عليه؟ للأسف مش هتلاقيه غالباً بعد 20 سنة غربة، ممكن تكون أمك وأبوك ماتوا وأصبحوا مجرد ذكرى ووجع جواك؛ لأنك مش لاقيهم ولا لاقي حضن حد منهم، هتلاقي حبيبتك اللي كنت ناوي تتجوزها وقررت إنك تسافر وتتغرب عشان تكون نفسك وترجع تتجوزها، وغالباً أول ما هتسافر هتتجوز واحدة أجنبية عشان تضمن الإقامة وعشان الجنسية، وفي الآخر تسيب البنت اللي كنت بتحبها، وهي زمانها دلوقتي اتجوزت وخلفت، وما تقلقش هي نسيت كل ذكرى كانت بتفتكرك بيها وما سمتش ابنها على اسمك.

أمك بقى ماتت بحسرتها عليك؛ لأنك ما فكرتش تسأل عنها وقت ما كانت تعبانة رغم إنها كانت زعلانة منك قوي، بس عشان انت ابنها برضو مسامحاك بس بقى عندك جفا كبير قوي في قلبك، بقيت وحيد خلاص، زي ما بنقول مقطوع من شجرة.

حتى إخواتك بيدورا على رقم يكلموك عليه ومش عارفين، تخيل بقيت وحش قد إيه؟!

مرة كنت راجع من الشغل لقيت ناس تحت البيت ومشغلين قرآن وأجواء المكان من الظاهر إنه فيه شخص مات، فكان من الطبيعي جداً إني رحت وقعدت وسمعت ربع قرآن، وعزيت الراجل ومشيت، بصراحة ما كنتش عارف مين اللي توفي افتكرت إنها والدته بس لما روحت البيت لقيت مامتي بتحكي لي إنت عارف فلان ده حصل معاه إيه؟!

قلت ليها فيه إيه حصل؟ قالت لي كان عنده ابن شغال في شرم الشيخ وقرر إنه يتجوز بنت أجنبية وبعدها اتصل بأهله وقال لهم إنه اتجوز وسافر!!

طبعاً كانت علامات الاندهاش على وش أهله لما عرفوا إن ابنهم الوحيد قرر يسافر ويتجوز من غير ما يقول لأهله، حاولوا إنهم يوصلوا لابنهم أو لأي رقم ممكن يوصلهم بيه، بس للأسف معرفوش حاجة عنه، وبعد سنة واحد اتصل بيهم من بلد برة مصر، غالباً روسيا، قال ليهم إن ابنهم مات من شهر رمضان اللي فات، وإنهم ما عرفوش يوصلوا لحد من أهله واضطروا إنهم يدفنوه في مدافن المسلمين، والصدمة الأكبر إن الشخص ده قال لأبوه ابنك عنده ابن.

قد إيه كل الأحلام اتحطمت؟ قد إيه اتصدموا؟ قد إيه ابنهم اللي عاش بينهم وقت كتير راح لوجه كريم حتى ابنه اللي من صلبه راح ومش عارفين يوصلوا ليه! وبقى ابنهم مجرد ذكرى هيفتكروه كل أول يوم من شهر رمضان من كل سنة، وهنا بصراحة أشفقت جداً على أمه وأبوه، وقررت إني عمري ما هفكر إني أسافر أبداً ولا إني أوجع أهلي أو أخلي أمي تبكي على فراقي أو حتى والدي يفتقد قد إيه كان عنده ابن كانوا مع بعض زي ناقر ونقير.

أنا عاوز أخرجكم من الموضوع ده تماماً، ونروح نقف كدة من بعيد قوي من فوق مصر من أعلى نقطة هل يا ترى هتشوف إيه؟ وأنا هسيب كل واحد يسرح بخياله وبتفكيره ويجاوب براحته ويقول هو إيه اللي شايفه!

بس من وجهة نظري أنا شايف إن كل الأحلام محطمة، كل حاجة بنحاول نوصل ليها مش موجودة، مش عارفين نوصل ليها، حتى لو عندنا حلم أو خطة أو مشروع عاوزين نعمله أصبح من المستحيل تحقيقه؛ لأن كل شيء محتاج فلوس، والفلوس مش موجودة، أو حتى يمكن قيمتها ليست بالمربحة، ولا حتى بالمجدية فكَّر كده.. أصغر مشروع هيكلفك كام؟ إنت معاك كام بقى منهم؟! طب لو استلفت من ماما وبابا وكل اللي تعرفهم؟ وصلت للمبلغ اللي هتفتح بيه المشروع؟ لا برضه لسه طب يا سيدي ما تاخد قرض واعمل مشروعك، المشكلة الأكبر إنه نص شباب البلد في السجون بسبب القروض اللي واخدينها وتعذروا في السداد، وكل ده لأن البنك مش عاوز يصبر على الشخص يقف على رِجله، حتى هو عاوز بمجرد إنك تاخد القرض ترجعه تاني ليه، وده بقى أفشل حل ممكن أي شخص يلجأ ليه عشان يقدر يكوّن نفسه، أو يقدر يعيش،

والأغلبية العظمى بيرجح موضوع السفر، وإنه يتجوز واحدة من برة ياخد الإقامة وياخد الجنسية، ويشتغل أي حاجة، ويقعد عشرة خمستاشر سنة وبعدين يرجع يعمل مشروع، والحل ده كان سائد في أوائل التسعينات لمعظم الشباب، واللي سافر واللي عاش هناك واللي ما استحملش الغربة ورجع وخلاص موضوع السفر دلوقتي بقى شيء مستحيل إنك تخرج برة حدود بلدك، ولمجرد إنك تفكر تشتغل برة بقى حلم من الأحلام اللي ما بتتحققش، ولو سافرت هتشتغل بملاليم عشان ترجع برضه تلاقي الدنيا غليت، وفي الآخر مش هتعرف تعمل أي حاجة بالفلوس اللي عملتها.

فأنا بصراحة بقيت حاسس إننا عايشين في قفص مقفول علينا كلنا بجنزير صدّى والقفل مش عاوز يتفتح بالمفتاح بتاعه، وعاوز أقول لكل إنسان سافر برة: ربنا يكون في عونك وعون أهلك، وبنصحك إوعى ترجع بلدك لا خد أهلك كلهم معاك هناك، أهو على الأقل يا جدع تخفف الزحمة اللي موجودة في البلد، ونلاقى شقة فاضية نشتريها، ونلاقي مكان يفضى نركن فيه العربية بتاعتنا، وعلى فكرة أنا هقعد هنا ومش هسافر، وعلى فكرة أنا بروح أقعد مع باباك كل يوم على القهوة وبنهزر، ومامتك بتعمل ليا الفطار كل يوم، وأنا رايح الشغل ومخلي بالي منها، وهتجوز البنت اللي كانت بتحبك ووقفت جنبك كتير وانت سِبتها وسافرت، آه مش هعيشها في المستوى العليوي بس هحتويها وهخليها ملكة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل