دموع المرأة اللعوب فى قفص الإتهام

بجسد منهك، بدا وكأن حرارة الدموع قد أصابته بالحُمى، شدت «رباب» ثنايا هامتها، وكأنما تحاول التظاهر بقوة زائفة وادعاء تماسك مُنعدم، سحبت غطاء رأسها الأبيض على استطالته، تشبثت بأطرافه بقوة، غطت به وجهها ظناً أنها تقيه من أن تطاله ومضات عدسات الكاميرا، ولكن من المؤكد أنها كانت تعلم يقيناً أن من بين مئات الصور التى تم التقاطها، فإن هناك لقطات نجحت بالفعل فى توثيق أصعب لحظات عمرها على الإطلاق.

منذ الوهلة الأولى التى وطأت قدماها داخل قفص المتهمين، بتلك القاعة الأنيقة بمحكمة القاهرة الجديدة، خطفت «رباب» الانتباه، فبجانب ملامحها الهادئة وهندامها المنظم، استهلت المتهمة بـ «الرشوة» دراما ذلك اليوم الفريد مبكراً، فبعد أن لمست جفاء زوجها داخل القفص، والمتهم معها بذات القضية، وهى من انتظرت منه أن يكون سندها فى عثرتها، تبدل سكونها لتوتر شديد تصاعد ليصل لحد الهيستيريا، الأمر الذى دفع رجال الأمن لإخراجها خارج القفص، لعزلها عن زوجها، منعاً لنشوب مشادة لا تليق بوقار المحكمة.

جلست السيدة اليافعة على المقعد الخشبى بقاعة المحكمة، لم تهدأ عيناها ولم تكف عن ذرف الدموع، تماماً كالأرامل والثكالى فى مجالس العزاء، تدخل محاميها بردائه الفاخر، اقترب منها، حاول تهدئتها خفف من ألمها وبشرها بأن تلك اللحظات المرة ستمر بكل تأكيد.

حاجب المحكمة يظهر فى الأفق، ضرب بقبضة يده مناديا «محكمة»، متابعو الشأن القضائى يعرفون تلك العبارة جيداً، فهى تنبيه للجميع بأن يوقفوا حركاتهم العشوائية احتراماً لهيئة المحكمة التى ستعتلى منصتها خلال لحظات، بدأت أولى جلسات القضية ذائعة الصيت والتى انتظرها الرأى العام منذ فترة، والمعروفة وسط العامة بقضية «الرشوة الكبرى» أو «مغارة على بابا».

همّ ممثل النيابة العامة، بعد أن حان دوره، ليتلو أمر الإحالة فى حق المتهمين الأربعة، اتهامات عديدة يواجهها هؤلاء القابعون داخل القفص، رشوة مالية وأخرى جنسية وتزوير محررات رسمية، كان كل بند من بنود الاتهام كافياً لإدهاش الحاضرين وإثارة حواسهم، انتهى ممثل النيابة من أداء دوره، سألت المحكمة المتهمين عما أسند إليهم، جاوب المتهم الرئيسى بالقضية، نافياً قاطعاً «محصلش يا أفندم».

ليأتى الدور على «رباب»، سألها القاضى عما هو مسند إليها من تقديم رشوة، ومنها «رشوة جنسية»، بنبرة صوت، لحن الشجن نغمتها، أقرت بكل ما هى متهمة به، ليأتى دور زوجها المتهم الثالث «مدحت»، عقبها مباشرة، ليؤكد بأنه مُقر بكل تهمة تتعلق بتقديمه «رشوة مالية» لأجل إرساء مناقصة على شركته بالمخالفة للقانون، مشدداً فى الوقت ذاته على أنه لا علم له بأى رشاوى جنسية قد قدمت، ليضيف بأنه أقام دعوى «زنا» ضد زوجته، لتصل سينمائية المشهد لذروتها، وتتعالى وتيرة نحيب «رباب» التى خطفت الأضواء من الجميع.