المحتوى الرئيسى

يموت السوري مرة لنموت ألف مرة

04/20 22:20

يموت السّوريّ مرّة واحدة لنموت نحن ألف مرّة، نموتُ مرّة عندما يباغتنا خبر عاجل يظهر فجأة أسفل شاشات التّلفاز ويُذاعُ بغتة عبر مصاديح المذاييع؛ ليعلن مجدّداً عن مجزرة أخرى يعيش الشّعب السّوريّ أهوالها في إدلب أو حلب، في حماة أو دير الزّور، في مضايا أو غيرها من المناطق الّتي أبى الجيش العربيّ السّوريّ، إلاّ أن يرسم على أراضيها لوحاتٍ دامية ويصوّر بين أزقّتها مشاهد سينيمائيّة مرعبة ويسطّر داخل بناياتها رواياتٍ عنوانها الخراب والدّمار والدّماء والموت.

نموت مرّة حين نشاهد طفلاً سوريّاً آثر أقرانه فٱقتسم معهم رغيف خبزٍ صغيراً كان بحوزته لا يسمن ولا يغني من جوع، وآخر لم يجد غير أوراق الأشجار طعاماً يسدّ رمقه ويخدّر آلام بطنه الخاوي بعد أن حالت الطّائرات الحربيّة بينهم وبين الإعانات الدّوليّة.

ونموت مرّة إذا ما نظر عمران في وجوهنا دون أن يلعننا، ونموت في كلّ مرّة تبلّل فيها الأمواج جسد إيلان على الشواطئ اليونانيّة، ونموت في كلّ مرّة تلفظ فيها البحار جثّة سورّية، معلنة رفضها طمس أدلّة تدين البشريّة وتبرّئ ذمّتها من كلّ جريمة أسديّة.

نموت مرّة عندما يولد الرّضيع من رحم أمّ لم يشفع لها بطنها المنتفخ أمام شظايا البراميل المتفجّرة وقذائف السّوخوي، ونموت خمس مرّات إذا ما قرّر قنّاصٌ لبنانيّ أن يزلزل أمن إسرائيل فصوّب بندقيّته وقتل الطّفل السّوريّ الأوّل، ثمّ الثّاني فالثّالث، ثمّ الرّابع فالخامس تحت أنظار والدتهم عندما كانوا يحاولون الهرب إلى الأراضي التّركيّة.

نموت مرّة كلّما قسا برد الشّتاء على سكّان المخيّمات على الحدود بين سوريا وتركيا، ومرّة إذا ما مزّقت الرّياح ملابسهم الرّثة، ومرّة إذا ما تساقطت الثّلوج والأمطار على أجسادهم العارية.

ونموت ألف مرّة إذا ما صرخ الصّغير في وجوهنا بأنّه سيخبر اللّه بكلّ شيء، فنتساءل مرعوبين عمّ إذا كان سيكتفي بإخبار عالِمِ الغيب بما قدّم الجيش العربيّ السًوريّ وأخّر أم أنّه سيشكو إلى من بطشه شديد صمتنا وتواطؤنا.

يموت السّوريّ مرّة ونموت نحن ألف مرّة

نموت مرّة إذا ما ذرف الزّوج دموعاً وبكى عجزه واحتضن زوجته وابنه فوق سكًة حديديّة وفضّل الموت على الانصياع لأوامر أفراد الشّرطة الصّربية الًذين عقدوا العزم على تسليمهم إلى قاتلهم.

ونموت مرّة إذا ما هوى جنديّ مقدونيّ بعصاه على أحد اللاّجئين العالقين بين حدود الدّول الأوروبيّة، ومرّة إذا ما وضعوهم في أقفاص حديديّة، ومرّة إذا ما اتّهموهم بكلّ هجمةٍ إرهابيّة.

نموت مرّة إذا ما بكت أميرة شاميّة، تبيع المناديل في شوارع إسطنبول، خوفاً من رجل أمن يحاول مساعدتها ظنّا منها أنّه أمنيّ "ممانع" كذلك الّذي أرعبها في سوريا.

ونموت مرّة إذا ما شاهدنا صحفيّة مجرّيّة تركل أباً سوريّاً يركض عابراً الحدود وقد حمل ولده بين ذراعيه فتوقعه أرضاً لينهض من جديد ويجري هرباً من البوليس.

نموت اثنتي عشرة مرّة إذا ما أحرق السّلاح الكيمياوي أجساد اثني عشر فرداً من نفس العائلة وألهب حناجرهم وأشعل أفواههم وقطع عنهم النّفس، فلم يجدوا غير المياه لتطفئ لهيبهم ويموتوا في سلام، ونموت خمساً وسبعين مرّة إذا ما بيعت الفتيات السّوريّات غصباً في أسواق الدّعارة في لبنان بعد أن حاولن الهرب من بطش جنود الأسد فعُنّفْنَ وعُذّبنَ وأُجْبِرْنَ على ممارسة البغاء والإجهاض.

ومرّة أخرى نموت إذا ما سخر ممثّل مصريّ من دماء حلب، وإذا ما كذّب أسير سابق فلسطينيّ جريمة خان شيخون، ومرّة إذا ما نفى إعلاميّ لبنانيّ المجاعة في مضايا.

نموت إذا ما زار نوّاب من البرلمان التّونسيّ دمشق تعبيراً منهم عن تضامنهم مع بشّار الأسد، ونموت مرّة إذا ما نادوا بإعادة العلاقات مع نظام الاحتفاظ بحقّ الرّد.

ونموت ألف مرّة إذا ما خطّ صحفيّ تونسيّ، بقلم يقطر دماً، عنواناً بالبند العريض مفاده أنّ الجيش العربيّ السّوريّ قد صفّى عشرات الإرهابيّين في مصنع كيمياويّ.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل