المحتوى الرئيسى

تاريخ "أصيل" من الغدر والخيانة عند العرب

04/20 18:17

في نهاية الربع الأول من القرن العشرين، كانت كل الدول العربية خاضعة لسيطرة الدول الاستعمارية بصورة أو بأخرى، وبعضها كان يحكمه نظام ملكي اعتبره البعض صورياً وخادماً للاستعمار.

وفي الربع الثاني من القرن العشرين بدأ العرب ينالون استقلالهم وتأسيس دولهم الحديثة، بعد نضال طويل برزت فيه شخصيات ثورية، ساهمت في الكفاح ضد الاحتلال أو النظم الملكية.

لكن الملاحظ أن أغلب مؤسسي الجمهوريات العربية المستقلة غدر بهم زملاؤهم بالاستعانة بقواتهم المسلحة، في حركات اعتبرها البعض ثورات تصحيحية، والبعض الآخر اعتبرها انقلابات عسكرية.

انضم شكري القوتلي إلى جمعية "العربية الفتاة"، المناهضة للدولة العثمانية، وسُجن وتعرض للتعذيب، بأمر من الحاكم التركي جمال باشا. كما ناضل ضد الاحتلال الفرنسي، وكان أحد قادة الثورة السورية، وحُكم عليه بالإعدام مرتين، فهرب وعاش متنقلاً بين مصر وفلسطين، ثم عاد إلى دمشق عام 1930 بعد صدور عفو عنه، بحسب كتاب "جهاد شكري القوتلي في سبيل الاستقلال والوحدة" لعبد الله فكري الخاني.

الكتاب يوضح أن القوتلي مارس العمل السياسي بين البرلمان وتولي الوزارات بعد ذلك، وبحلول عام 1943 رشح القوتلي نفسه وتم انتخابه من قبل مجلس النواب رئيساً للجمهورية ليواصل النضال ضد الفرنسيين، حتى تم جلاء الجيش الفرنسي عن سوريا عام 1946، فأصبح القوتلي أول رئيس لسوريا بعد الاستقلال.

واجه الجيش السوري انتقادات شديدة بعد هزيمته ضمن الجيوش العربية في حرب فلسطين 1948، وسادت البلاد أعمال شغب، اضطرت القوتلي إلى إعلان حالة الطوارئ، واستقالت الحكومة، فكانت الفرصة سانحة لقائد الجيش حسني الزعيم لينقلب على القوتلي وينصب نفسه رئيساً للجمهورية، بتأييد من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر التي كان يحكمها الملك فاروق، بحسب كتاب الخاني.

انضم أحمد بن بلة لحزب الشعب وعمره 16 عاماً، وحارب في صفوف القوات الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، على أمل أن تنال بلاده استقلالها كما وعدت باريس، ثم شكل وتسعة من رفاقه حزب الوحدة والعمل. وفي عام 1949 قرروا تمويل نشاطهم بأنفسهم، فسطوا على مكتب بريد وحصلوا على أموال ضخمة، لكن أمرهم انكشف وألقي القبض على بن بلة، إلا أنه هرب من السجن عام 1952 إلى القاهرة التي كان ضباط 23 يوليو قد نجحوا في الاستيلاء على السلطة فيها.

في القاهرة قابل جمال عبد الناصر، ورتبا لثورة مسلحة ضد الاحتلال الفرنسي، على أن ترسل القاهرة الأسلحة اللازمة للثوار الجزائريين، بحسب "مذكرات أحمد بن بلة... كما أملاها على روبيل ميرل"، من ترجمة العفيف الأخضر.

ولكن في عام 1956، اعتقلت فرنسا بن بلة للمرة الثانية بالتزامن مع عدوانها على مصر، ليظل متنقلاً بين سجون الاحتلال حتى أفرج عنه عام 1962 بعد اتفاقية إيفيان القاضية بجلاء الاحتلال عن الجزائر. دانت الأمور له وأصبح رئيساً للوزراء، ثم انتخب بعد جلاء الفرنسيين كأول رئيس لجمهورية الجزائر بعد الاستقلال بأغلبية شعبية كاسحة.

كان هناك صراع بين حزب جبهة التحرير، الذراع السياسي للسلطة، وبين الجيش الذي كان يرى نفسه صاحب الفضل في تمكين بن بلة من السلطة، وانتهى الأمر بانقلاب عسكري، قاده هواري بومدين عام 1965، ليقبع بن بلة في السجن منذ حينها حتى عام 1979، مع وصول الشاذلي بن جديد إلى رئاسة الجزائر.

تنقل نجيب بين مناصب مختلفة في الجيش المصري. ويروي في مذكراته "كنت رئيساً لمصر" أنه قدم استقالته من الجيش بعد حادثة 1942 الشهيرة بدعوى أنه لم يستطيع حماية الملك الذي أقسم على حمايته من قوات الاحتلال، لكن استقالته رفضت.

وفي مذكراته يحكي عن إصابته سبع مرات في حرب فلسطين 1948، وحصوله على وسام "نجمة فؤاد العسكرية" ورتبة الباكوية. وفي هذه الفترة تعرف على تنظيم الضباط الأحرار، الذين دعموه في يناير 1952 للفوز برئاسة نادي الضباط، في تحدٍ للملك فاروق الذي كان يدعم حسين سري في الانتخابات، وبعدها قرر الضباط الأحرار التحرك في 23 يوليو 1952 للإطاحة بالملك.

يقول المؤرخ عاصم الدسوقي لرصيف22، إن عام 1953 شهد إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية برئاسة محمد نجيب، ووقتها كانت هناك وجهتا نظر، بين نجيب الذي طالب بتسليم السلطة للمدنيين، وبين جمال عبد الناصر الذي كان يرفض عودة الأحزاب، وعلى إثر ذلك قدم نجيب استقالته، فاندلعت احتجاجات شعبية، وبدا أن هناك انشقاقات بالجيش، فقرر مجلس قيادة الثورة دعوة نجيب للعدول عن استقالته، كما أصدر قرارات بالسماح بقيام الأحزاب السياسية، وتشكيل برلمان وحل مجلس قيادة الثورة خلال أشهر بسيطة. وبعد هذه القرارات خرجت تظاهرات أخرى تجوب القاهرة لترفضها، في الوقت الذي شاعت فيه أخبار عن اتصالات بين محمد نجيب وحزب الوفد، في ما عرف بأزمة مارس 1954، بحسب الدسوقي.

وبعد أشهر قليلة قرر مجلس قيادة الثورة إعفاء نجيب من منصبه، ووضعه وأسرته تحت الإقامة الجبرية في قصر زينب هانم الوكيل، بضاحية المرج، حتى قرر أنور السادات إطلاق سراحه عام 1971.

شارك غردأكانت ثورات تصحيحية أو انقلابات عسكرية... أغلب مؤسسي الجمهوريات العربية غدر بهم زملاؤهم

شارك غردتاريخنا والخيانة: أغلب مؤسسي الجمهوريات العربية غدر بهم زملاؤهم

شارك الضابط عبد الكريم قاسم في حركة مايس التحررية، في مواجهة الاحتلال الإنجليزي والموالين له، كما شارك في حرب فلسطين 1948، وكون تنظيم "المنصور" السري، ثم انضم بتنظيمه إلى تنظيم الضباط الأحرار وتم دمجهما معاً، ونجح التنظيم الجديد في الاستيلاء على السلطة في ما عرف بثورة 14 تموز 1958، والتي قادهها عبد الكريم قاسم بالتشارك مع عبد السلام عارف، وعلى أثرها ألغي النظام الملكي في العراق، بحسب كتاب "عبد الكريم قاسم: البداية والنهاية" لشامل عبد القادر.

ويوضح عبد القادر أن قاسم ضحى بشريكه في الثورة عبد السلام عارف، وجعله نائباً له في البداية ثم سجنه. بعد ذلك بدا قاسم ميالاً للحزب الشيوعي، ومعادياً للقوميين الناصريين والبعثيين وكذلك الغرب وحلفائه، كما اتخذ إجراءات قمعية ضد رموز وطنية.

وفي 8 شباط 1963، تحركت وحدات عسكرية من القوميين والبعثيين للانقلاب على قاسم، وألقت القبض عليه وعدد من المسؤولين في حكومته، وتم اقتيادهم إلى مبنى التلفزيون، وهناك أعدت لهم محاكمة سريعة، قضت بإعدامهم رمياً بالرصاص.

يتحدث كتاب "الحبيب بورقيبة: سيرة زعيم وشهادة على عصر"، لطاهر بلخوجة، عن اعتقال الحبيب بورقيبة أكثر من مرة لجهوده ضد الاحتلال، ونفيه إلى فرنسا وتحريره من السجن بالصدفة بعد الاحتلال النازي لباريس، ليظل متنقلاً بين البلدان حتى عاد إلى تونس ليقود ثورة مسلحة ضد الاحتلال عام 1952، ويعتقل مع عدد من زملائه مرة أخرى.

لم تجد فرنسا حلاً سوى التفاوض معه، ليعود إلى تونس عام 1955 ويحرك الجماهير من جديد، حتى وقعت فرنسا معاهدة استقلال تونس بشكل تام عام 1956. وفي عام 1957 تم إلغاء الملكية وأعلن بورقيبة كأول رئيس لتونس بعد التحرر من الملكية والاحتلال، بحسب بلخوجة.

ظل بورقيبة رئيساً لتونس حتى عام 1987، حين انقلب عليه رئيس وزرائه زين العابدين بن علي، وأعلن نفسه حاكماً لتونس، ووضع بورقيبة تحت الإقامة الجبرية في قصره بالمنستير.

وكشفت وثائق أن الزعيم التاريخي لتونس حاول الانتحار أثناء إقامته الجبرية التي امتدت حتى  وفاته عام 2000.

عبد الله السلال كان ممن شاركوا في ما عرف بثورة الدستور في اليمن عام 1948، وحُكم عليه بالسجن، لكن ولي العهد محمد البدر حميد الدين عفا عنه، وجعله رئيسا لحرسه بعد أن صار إماما للمملكة اليمنية.

وفي هذه الأثناء كان السلال عضواً في تنظيم الضباط الأحرار، وقاد انقلاباً أو ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد البدر، وظل حاكماً لليمن حتى أطاح به مجموعة من ضباط الصاعقة والمظلات، أثناء زيارته العراق، في نوفمبر 1967.

ويوضح أستاذ التاريخ عاصم الدسوقي أن الخلافات كانت موجودة بين قادة الثورة اليمنية قبل الانقلاب على السلال، الأمر الذي جعله يترك اليمن عام 1965 ويقيم بالقاهرة لما يقرب من عام، باتفاق مع جمال عبد الناصر، تاركاً إدارة البلاد للمتنازعين معه من القادة الجمهوريين، ولكن بعد هزيمة مصر في 5 يونيو 1967 وانسحاب جيشها من اليمن، وجد الانقلابيون الفرصة سانحة في أيديهم للإطاحة بالسلال المدعوم من القاهرة، وشكلوا مجلساً رئاسياً يتألف من عبد الرحمن الأرياني ومحمد علي عثمان وأحمد محمد نعمان.

في كتاب "الدور السياسي للزعيم إسماعيل الأزهري"، الذي أعده مركز البحوث والدراسات السودانية بجامعة الزعيم الأزهري، يتبين أن أول محطة قوية في تاريخ إسماعيل الأزهري السياسية بدأت بتأسيسه حزب الأشقاء، الذي كان هدفه مناهضة الاستعمار الإنجليزي للسودان، والاندماج في وحدة مع مصر.

وفي عام 1948 اعتقلته سلطات الاحتلال الإنجليزي، لتنظيمه تظاهرة ضد الجمعية التشريعية التي عينتها بريطانيا، وفي عام 1952 أسس حزب الاتحاد الديمقراطي، وفي 1953 فاز حزبه في الانتخابات التشريعية، وفي عام 1954 شكل حكومته التي شهدت جلاء القوات البريطانية عن البلاد ورفع علم الاستقلال عام 1956.

ويوضح الكتاب أن حكومة الأزهري سقطت عام 1958 بعد تحالف حزبي "الشعب الديمقراطي" و"الأمة" ضده. وفي عام 1959 قام إبراهيم عبود بانقلاب عسكري عارضه الأزهري فسُجِن، حتى خرج وانتُخب رئيساً للبلاد عقب ثورة أكتوبر 1964، ثم انقلب عليه جعفر نميري عام 1969 وسجنه، ومات الأزهري في نفس العام.

انضم ولد داداه إلى حزب الاتحاد التقدمي، المقرب من فرنسا، لأنه كان يعلم أن باريس تريد التخلي عن مستعمراتها في إفريقيا، بحسب مذكراته "مذكرات المختار ولد داداه: موريتانيا رهان التحديات".

Comments

عاجل