المحتوى الرئيسى

«أردوغان» سلطان على العرش أم جثمان على النعش

04/19 20:25

بوادر حرب حامية بين الإسلاميين والقوميين ضد العلمانيين والأكراد

فيما بدا السلطان التركى الجديد «أردوغان» مزهواً بانتصاره الذى حققه وإن كان بفارق ضئيل بفرض النظام الرئاسى لحكم البلاد، إلا أنه بدا غافلاً عن حقيقة أن الهامش الضئيل الذى مرر به مشروعه يخفى كثيراً من النار التى يمكن أن تندلع فى أى وقت، لا لتأكل نظامه السياسى فحسب، وإنما قد تورط تركيا الأمة العظيمة فى حرب أهلية قد تسفر فى نهاية المطاف عن تقسيم البلاد، وبدلاً من أن تتحول معه لدولة كبيرة، ستخسر معه أمته ثلث أراضيها. ولن يفيق مؤيدوه من فرحتهم إلا وقد خسرت بلادهم كل شىء، بينما كبيرهم «أردوغان»، لن يجد ساعتها العرش العثمانى الذى طالما حلم به، وفى أحسن الأحوال ربما يهبونه نعشاً ينقل جثمانه وجثمان أمته التى أغرقها بطموحاته التى لا يعرف الوضع الدولى وواقع بلاده لها مفتاحاً.

ارتكب المراقبون الأجانب خطأ فى الماضى باعتقاد أن تركيا مماثلة لدول الشرق الأوسط. فى الواقع، كانت دولة أكثر حداثة تقترب فى تاريخها السياسى من دول جنوب أوروبا. كانت هناك انقلابات عسكرية وحكم عسكرى، لكن كانت هناك أيضاً انتخابات وبرلمانات قوية. كانت هناك وسائل إعلام متطورة ومؤثرة وطاقة فكرية فى تركيا متفوقة على معظم البلدان فى أوروبا. ويجرى القضاء عليه الآن عندما تصبح تركيا عضواً آخر فى نادى الدول الاستبدادية.

يشعر معارضو أردوغان بالراحة فى اعتقاد أن انتخابات مسروقة لن تضفى الشرعية على حكمه ويمكن الطعن فيها أمام المحاكم. لكن الأشخاص الذين يعملون على إقامة حكم استبدادى ويستولون على السلطة القضائية لن تردعهم مثل هذه الثرثرة.

حاول أردوغان إثارة الشعور القومى التركى خلال الحملة الانتخابية، من خلال خلافات مسرحية منظمة بعناية مع هولندا وألمانيا. لكن تركيا محاطة بالعديد من الأعداء الفعليين أو المحتملين السوريين، الأكراد، الإيرانيين، الروس الذين يرون مدى سهولة استغلال ومفاقمة الكراهية والانقسامات العميقة فى البلاد. والانقسام الذى تعانيه الأمة التركية الآن لن يقف عند هذا الحد. إذ سيجد هذا الانقسام من يؤجج نيرانه، ويدفع العراك العرقى والأيديولوجى إلى الواجهة.

بدأت الانقسامات داخل تركيا حتى داخل التيار الواحد، حتى من قبل إجراء الاستفتاء.

تمر الحركة القومية التركية بأسوأ مرحلة من مراحلها التنظيمية؛ بسبب الخلافات الحادة بين قادتها حول قبول أو رفض مشروع النظام الرئاسى. وكان رئيس الحركة القومية دولت بهجلى من أشد المعارضين للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية ولمشروع النظام الرئاسى منذ أول مرة تم طرحه إلى درجة أنه شبّه أردوغان بهتلر الذى يسعى لإقامة سلطنة دون عرش، لكن بهجلى استدار بنحوٍ كامل لصالح أردوغان وبدأ بتأييد النظام الرئاسى، وهذه الاستدارة أحدثت صراعاً داخل قيادة الحركة القومية وبين جماهيرها.

بدأ التيار المعارض داخل الحركة القومية يتجه للبحث عن زعيم جديد هو رئيس الحزب الوطنى دوغو برينجيك القومى المتطرف الذى اتهمه الرئيس أردوغان مع آخرين من القوميين بتدبير محاولة انقلاب فى عام 2007 ضمن تنظيم إرغينيكون القومى، وتم سجنه حتى عام 2014 حيث أطلق سراحه مع القوميين، واتهم أردوغان حينها جماعة فتح الله غولن بتدبير قضايا كيدية ضدهم. وانضم دوغو برينجيك إلى صفوف المعارضين للمشروع الرئاسى وطلب من جميع القوميين الأتراك التصويت ضد المشروع؛ لأن السيد أردوغان سيستخدم صلاحياته الرئاسية لتغيير الدولة التركية بإلغاء العلمانية، وتطبيق النظام العثمانى بنحوٍ جديد، ورأى برينجيك أن أردوغان يشكل خطراً على مستقبل تركيا أكثر من حزب العمال الكردستانى، وذهب برينيجك فى الدعوة إلى حماية أيديولوجية القومية التركية التى فرط بها رئيس الحركة القومية، وهناك خشية لدى القوميين المعارضين لرئيس الحركة القومية بأن يكون تحالف الرئيس أردوغان مع القوميين هو تحالف مؤقت لكسب أصواتهم فى الاستفتاء، ثم العودة إلى سياساته السابقة فى المصالحة مع الأكراد، وتقديم تنازلات على حساب القومية التركية، فالرئيس أردوغان تحالف مع جماعة فتح الله غولن ضد القوميين، والآن هو متحالف مع القوميين ضد الغولنيين.

وهناك تداعيات بعيدة المدى ستلحق بتطبيق المشروع الرئاسى، وتحوّل تركيا من نظام برلمانى إلى رئاسى تنفيذى، فطالما اتخذت الأحزاب التركية من البرلمان منبراً للتعبير عن خلافاتها السياسية والأيديولوجية، ومع مصادرة حقوق التعبير فى البرلمان لصالح حزب واحد ستتجه الأحزاب الأخرى للاحتجاجات والرفض الشعبى لإسماع أصواتها، والأحزاب الأربعة فى البرلمان التركى يمثّلُ كل منها أيديولوجية وعقيدة وليس فكراً سياسياً لإدارة الدولة، فالحزب الحاكم يمثل التيارات المحافظة والإسلامية، وحزب الشعب الجمهورى يمثل اليسار التركى والعلويين، والحركة القومية تمثل الفكر الكمالى، وحزب الشعوب الديمقراطى يمثل الأكراد، وجميعها تختلف بالأيديولوجية اختلافاً جوهرياً، لذا فإن إقصاء طرف قد يجعلها تتجه للعمل المسلح أو الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات والإضرابات، وهى خطوة قد تكون باهظة الثمن فى ظل حديث رئيس الشعب الجمهورى بأن تغيير النظام بهذه الطريقة لن يمرَّ بغير دماء، فيما حذّرَ بعض نوابه من نشوب حرب أهلية، تجد وقودها فى صراع خشن بين إسلاميى أردوغان وإسلاميى غولن، وبين أنصار العدالة والتنمية والعلمانيين، ولا يستبعد صحوة تمرد عسكرى جديد من قبل الأكراد تستنفر القوميين الأتراك ضدهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل