المحتوى الرئيسى

أحمد بابكر حمدان يكتب: التعلم.. صلة رحم المعرفة | ساسة بوست

04/19 14:23

منذ 3 دقائق، 19 أبريل,2017

قبل عقدين من الزمان لم تكن مفردة «التواصل» مستهلكة بمثل ما هي عليه اليوم، وقد كان لظهور الإنترنت وما تلاه من منتجات اتصال مدعاة لأن تصبح المفردة الأكثر استخدامًا في وسائل «التواصل» نفسها، وفي مجالات عديدة وفي سياقات متباينة. وكان للانفجار المعلوماتي الهائل الذي أحدثه الإنترنت دور مهم في لفت الانتباه إلى التواصل كقيمة اجتماعية وفضاء للمعرفة والتنمية والتمدن.

إن التعلم في صورته البسيطة ليس إلا عملية اتصال بين طرفين يجمعهما فضاء اتصالي جيد يساعد في نقل المعلومات أو تبادلها بحسب نوع التعلم وطبيعته. وإن كان لا بد من معلم ومتعلم في العملية التعليمية، فإن أدوات الاتصال وأساليبه المتاحة، يكتسبان أهمية مماثلة للطرفين الأساسيين.

وتأسيسًا على ما أفرزته ثورة المعلومات وتوابعها، يمكننا وصف التعلم نفسه بأنه وسيلة تواصل وهمزة وصل بين الأجيال والمعارف، ولو لم يكن ثمة تعلم لانقطع عزف المعرفة وصمت صيتها؛ إذ الإنسان وهو حامل المعارف محدود الأجل ومعرض لمختلف آفات الزمان، وبالتعلم من السابق يكتسب اللاحق جملة المنتج من المعرفة، ويصبح المتعلم أداة وصل لما سبق من المعارف بما يستجد منها. ولعل هذا ما وعاه أصحاب السبق في مجال التعليم والتربية.

من حكايات التعليم، أن معلمًا تقدم به العمر، واقترب إلى التقاعد، فأراد اختبار ما ورّثه لتلامذته من حب المعرفة والشغف بها، لا ما أودعه في ذواكرهم من معلومات ومعارف. أراد امتحان الكيف لا الكم، والمشاعر لا الدفاتر. أقبل إلى طلابه في صباح صافٍ، تتبادل نسماته تلطيف أجواء القاعة الدراسية. حيا المتعلمين بروح معلم يبني أفئدة وقلوبًا. قال بأسلوب التمني: لو وجدت تسعة نجباء من بينكم لأورثتهم نصف ما حباني الله به من تجربة ومعارف. سأله أحد الطلاب باستغراب: والنصف الآخر يا معلمي؟ قال له المعلم – وقد بدت عليه علامات الرضا: لمن يسأل عنه يا بُني.

كان المعلم الخبير مدركًا لقيمة التعلم والمتعلم كأدوات اتصال معرفي، لكنه كان مدركًا في نفس الوقت لأهمية (جودة) أداة الاتصال، إذ لا تصلح بعض الأدوات لإنجاز كل المهام بنفس الجودة.

بعد نشر مقالي السابق: ما بين الكاتب والفكرة، هنا في ساسة بوست، وصلتني رسالة من كاتبة شابة تقول فيها: «ناقش مقالك اليوم أهم النقاط الرئيسية التي أفكر بها، وكأنها إجابات للأسئلة التي كانت تدور بذهني». إن الرغبة في التعلم وسلوك طرق المعرفة من أهم أساليب التواصل بين الأشخاص لا سيما في عصر أتيحت فيه الوسائل وبالتالي المعرفة بمستوى غير مسبوق. كانت ملاحظة الكاتبة القارئة مؤشرًا لمدى وعيها بقيمة التعلم والاطلاع والقراءة، ومن ثم إدراكها العميق لقيمة التواصل المعرفي ما دام ممكنًا، وقد قرأتُ كل ذلك في تعليقها على المقال، واهتمامها بالعلاقة بين المكتوب وما كان كامنًا في نفسها، ويعالجه ذهنها منذ وقت ليس بالقصير.

وقبل رسالة الفتاة الكاتبة، كانت القناة التركية التاسعة قد استعرضت مقتطفات من مقالي: الكتابة على الجدران وسيلة تواصل متجددة، في برنامجها «تدوينة على الهواء». وقد أبدع معد الحلقة في إعداد مقدمة ثرية عن الكتابة الجدارية منذ عهدها الرمزي في تغريدات الإنسان الحجري على كهوفه ومغاراته، وصولًا إلى توقيعاتنا على الجدر الإلكترونية. وبأداء صوتي مبهر نقلني مقدم البرنامج من مجرد صاحب قلم يجود بما أتيح له من معرفة، إلى مساهم في مرحلة حضارية بدأها مثقفو حقبة حضارية أيضًا، وإن كان طابعها الحجر وسُكنى الكهوف.

وما بين كلمات حشدتها في مقال، ومنصة نشر رائعة في تسويق منتجات منتسبيها، وقناة فضائية مبدعة في الطرح والتناول؛ تتمدد كلماتنا لتتواصل مع أصدقاء ومغردين من زمان غابر، ونصبح كمتعلمين أوفياء لرحم المعرفة الإنسانية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل