المحتوى الرئيسى

أزمات السيسي مع أبرز داعميه.. إلى أين؟

04/19 12:27

بعد نحو ثلاثة أعوام على دخوله قصر الاتحادية (القصر الرئاسي)؛ تبدو العلاقة متوترة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وأبرز داعميه المدنيين من أركان الدولة العميقة، وخاصة القضاة والصحفيين، ورجال الأعمال، والأزهر، ناهيك عن حالة الغضب الشعبي العام المتصاعدة مع قفزات الأسعار، وتبدد وعود السيسي المتتالية، وظهور فشل مشروعاته الكبرى.

يبدو غريبا أن يبدد السيسي رصيده لدى تلك القطاعات المهمة والتي مثلت غطاء مدنيا لانقلابه العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وظلت داعمة له خلال العامين الأولين من حكمه، وهما العامان اللذان وعد السيسي بجعل مصر خلالهما "قد الدنيا"، فإذ بها تصبح "مسخرة" الدنيا على يديه.

ولكن الغرابة تنتهي حين نتذكر أننا أمام حاكم عسكري لا يركن أصلا إلى فكرة الدعم الشعبي، بل يستند إلى ظهير عسكري هو الذي أوصله بالفعل إلى سدة الحكم، وهو الذي حماه في مواجهة تحركات مناوئيه القوية، خاصة في سنتي حكمه الأوليين، وتقديرا لهذا الدور الذي قام به هذا الظهير العسكري فقد أغدق السيسي عليه المكافآت والعطايا.

أحدث الأزمات بين السيسي وظهيره المدني هي تلك الملتهبة حاليا مع القضاة، إثر صدور قانون جديد للهيئات القضائية يمنح السيسي حق اختيار رؤساء تلك الهيئات، مما يعد خرقا للدستور الذي ضمن لها استقلالها عن السلطة التنفيذية، إذ تنص المادة (184) منه على أن "السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل في شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم".

لقد أغدق السيسي كثيرا على القضاة خلال الفترة الماضية، مكافأة لهم على مواجهتهم لحكم الرئيس المدني محمد مرسي الذي انطلقت شرارة الاحتجاجات ضده من مقر نادي القضاة، ومن دار القضاء العالي حيث مكتب النائب العام، كما كان إغداق السيسي تقديرا للأحكام التي أصدرها القضاة ضد رافضي الانقلاب، والتي كانت تصدر سواء بالإعدام أو السجن المؤبد للمئات دون أدنى مطالعة لأوراق القضايا، حتى إن الكثير منها شمل موتى وشهداء وأطفالا.

ولكن يبدو أن السيسي لم يعد بحاجة كبيرة للقضاة بعد أن قضى منهم وطره، كما أنه أراد التخلص من بعضهم مثل نائب رئيس مجلس الدولة الدكتور يحيى الدكروري الذي أصدر حكم مصرية تيران وصنافير، والذي كان يفترض أن يتولى رئاسة المجلس بشكل طبيعي وفقا لقاعدة الأقدمية المعتمدة.

ولكن قبل أن يتم ذلك أومأ السيسي لرجاله في البرلمان بإصدار تشريع جديد يمنحه حق تعيين رؤساء الهيئات القضائية، ليضمن الهيمنة الكاملة عليهم وليستبعد من شاء، كما سيضمن مبكرا تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية التي ستشرف على انتخابات 2018، وتضم هؤلاء الرؤساء الذين سيعينهم السيسي بنفسه قبل أن يعيد ترشحه.

القضاة الذين هاجوا وماجوا ضد الرئيس مرسي ونظموا احتجاجات واسعة وإضرابات، بل حاصروا النائب العام الذي عينه مرسي ومنعوه من دخول دورة المياه، لم يستطيعوا تكرار هذه المشاهد الاحتجاجية في أزمتهم الحالية رغم حالة الغضب التي اعترتهم بالفعل، بل إنهم لجؤوا إلى القصر الرئاسي طلبا لوساطته لدى البرلمان، ولكن جاء الرد مخيبا بأن الرئاسة لا تتدخل في هذا الأمر.

وكان على من طلب تلك الوساطة أن يعلم أن البرلمان لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، بل تنفيذا لرغبة القصر. وزيادة في التحدي لم يكتف رجال السيسي في البرلمان بهذا القانون الذي مرروه في ست ساعات، بل إن أحدهم (محمد أبو حامد) تقدم بمشروع قانون جديد أكثر استفزازا للقضاة، يتعلق بخفض سن التقاعد إلى 60 عاما بدلا من 70 وهو المعمول به حاليا.

وللتذكير فقد كان مشروع تعديل مماثل بل أقل من ذلك (قصر المدة على 65 عاما) في عهد مرسي سببا لثورة القضاة وعقدهم جمعية عمومية طارئة، ظلت في حالة انعقاد دائم حتى تم التراجع عن مناقشة ذلك التعديل، كما استقال وزير العدل أحمد مكي على خلفية ذلك المشروع الذي اعتبره مسا باستقلال القضاء (21 أبريل/نيسان 2013).

يدرك القضاة في قرارة أنفسهم الآن أنهم في ظل حكم عسكري لا يرحم، وبالتالي فهم يتمهلون في تنظيم احتجاجاتهم بالقدر الذي لا يعرض أوضاعهم للخطر، لكن ذلك لا ينفي شيوع حالة الغضب فيهم، وهو ما قد يترجمونه في مظاهر أخرى ليست بالضرورة وقفات أو مؤتمرات.

بين أزمة السلطة مع القضاة وأزمتها مع الصحفيين رابط تمثل في الموقف من تنازل السيسي عن جزيرتيْ تيران وصنافير، فنقابة الصحفيين هي التي احتضنت الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية الرافضة لذلك، والقضاء -ممثلا في مجلس الدولة- هو من أصدر حكما بمصريتهما.

وإذا كانت السلطة تقوم الآن بتأديب من أصدر الحكم بحرمانه من رئاسة المجلس بتعديل قانوني عاجل، فقد سبق لها أن قامت بتأديب نقابة الصحفيين باقتحامها مطلع مايو/أيار 2016، ومن ثم تقديم النقيب ووكيل وسكرتير عام النقابة لمحاكمة قضت بحبسهم سنتين تم تخفيفها لاحقا إلى سنة مع وقف التنفيذ، ونجحت مؤخرا في تمكين مرشحها من الفوز بمنصب النقيب.

لكن هذه الإجراءات عمقت الأزمة مع الوسط الصحفي الذي كان في معظمه داعما للانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، واستمر في دعمه والتغاضي عن قمعه لحرية الصحافة ذاتها بعد ذلك لمدة سنتين تقريبا، ولكن تصاعد عمليات القمع وتوسعها إلى فئات لا تُعرف عنها معاداتها للسلطة بل هي محسوبة عليها، نشر الخوف في الوسط الصحفي، وظهرت آثار ذلك في التصويت الكثيف للمرشح يحيى قلاش الذي رفع راية الدفاع عن الحريات والصحفيين السجناء في انتخابات 2015، وفي الجمعية العمومية الطارئة التي عقدت عقب اقتحام النقابة في 4 مايو/أيار 2016.

وهي الجمعية التي حملت السيسي مباشرة المسؤولية عن الاقتحام وطالبت بإقالة وزير الداخلية، لكن تخاذل نقيب الصحفيين ومجلسه عن تنفيذ تلك القرارات أحبط جموع الصحفيين، ومع ذلك ظلت هناك كتلة كبيرة ساخطة ورافضة للتوحش على حرية الصحافة.

وهو ما ظهر في نتيجة الانتخابات الأخيرة حتى وإن كانت النتيجة النهائية بفوز المرشح المدعوم من السلطة بسبب عمليات الحشد لأعداد كبيرة من الصحفيين الذين يوصفون بـ"الموظفين"، أي الذين لا يعرف لهم نشاط أو اهتمام بالقضايا الوطنية العامة ولا تعنيهم قضية الحريات، وكل ما يشغلهم هو زيادة الامتيازات المادية التي تقدمها لهم الدولة عبر مرشحها.

أزمة السيسي ونظامه مع الإعلام لم تقتصر على الصحفيين ونقابتهم التي احتضنت الاحتجاجات الشعبية ضده، ولكنها تعدت ذلك إلى التخلص من بعض الرموز الإعلامية التلفزيونية التي كانت من أكبر الداعمين له، مثل توفيق عكاشة وإبراهيم عيسى وليليان داود، وخالد تليمة.

ومن قبلهم بطبيعة الحال محمود سعد ويسري فودة وريم ماجد وبلال فضل، وعلى الأرجح ستتواصل عمليات التخلص من الرموز الإعلامية التي دعمت السيسي من قبل، وذلك مع التحرك المنظم لصناعة رموز جديدة تدين بالولاء الكامل للسيسي، ولا تشعر بأنها صاحبة فضل عليه أو شريكة له كما هو شعور الرموز الحالية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل