المحتوى الرئيسى

ضاقت أبواب أوروبا.. فهل يسعى أردوغان لزعامة شرق أوسطية؟

04/18 20:36

تتجه الأنظار إلى ما ستؤول إليه العلاقات التركية الأوروبية بعد نتائج الاستفتاء التي ستتيح للرئيس رجب طيب أردوغان توسيع صلاحياته. الإصلاحات الدستورية التي وافق عليها حوالي 51 في المائة من الناخبين الأتراك تواجه انتقادات في الغرب، وتخوفات من أن تؤسس لنظام استبدادي في تركيا.

بيان الاتحاد الأوروبي حول نتائج الاستفتاء جاء حذرا، وركز على أن الأوروبيين سيراقبون كيفية تطبيق الإصلاحات في ضوء التزامات تركيا بوصفها دولة ترغب بالانضمام الاتحاد الأوروبي. واعتبرت بعض العواصم الأوروبية أن النسبة التي انتهى بها الاستفتاء توضح أن هناك انقساما كبيرا في تركيا حول هذه الإصلاحات. إردوغان رد على هذا بتلويحه إلى إجراء استفتاء حول مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كما رفض الانتقادات الأوروبية لسير الاستفتاء.

إذن، في ظل استمرار التوتر والتصعيد بين تركيا والدول الأوروبية، هل يدير أردوغان ظهره للأوروبيين، بعد فوزه في الاستفتاء، ويتوجه بدلا من ذلك نحو التركيز على دور زعامة في الشرق الأوسط؟ وهل هو في الموقع المناسب لممارسة هذه الزعامة؟

يُجمع مراقبون على أن العلاقات بين تركيا والأوروبيين لم تكن يوما علاقات مثالية وعرفت عدة أزمات، لكن على الأرجح لم يسبق أن عرفت توترا بالمستوى الذي عرفته مؤخرا. وأبرز ما وتر العلاقات في الفترة الأخيرة، اتهام عواصم أوروبية أردوغان بقمع المعارضة وحرية التعبير خاصة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة وهو ما ترفضه أنقرة بشدة. بالإضافة إلى اتهام مسؤولين ألمان جهات تابعة للسلطات التركية بممارسة التجسس داخل ألمانيا، القوة المركزية في الاتحاد الأوروبي والتي يعيش فيها أكثر من 3 ملايين تركي.

الاستفتاء الذي أجري حول إصلاحات دستورية تعطي صلاحيات أكبر للرئيس التركي، شكلت أيضا موضوع خلاف وسجال مع الأوروبيين وصل إلى حد اتهام أردوغان لدول أوروبية بالنازية والفاشية بعد منعها تجمعات لمسؤولين أتراك تروج للإصلاحات. كل هذا جعل البعض يرى أن الانفصال التام بين تركيا والاتحاد الأوروبي بات وشيكا.

حسب خبراء فإن عضوية الاتحاد الأوروبي لم تعد مهمة بالنسبة لإردوغان

لكن رغم كل هذا يرى الكاتب الصحفي ورئيس تحرير موقع رأي اليوم، عبد الباري عطوان، أن أردوغان لا يمكنه التخلي بهذه السهولة عن جارته الغربية، ويشرح ذلك في لقاء مع DW  عربية بالقول: "قد لا تكون مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مهمة بالنسبة لأردوغان الآن، لكنه بالتأكيد حريص على الحفاظ على علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي فحجم التبادل التجاري بين الطرفين ضخم جدا. بين تركيا وألمانيا لوحدها ما قدره 36 مليار دولار من المبادلات التجارية". وأضاف بالقول" ولا ننسى أن الاقتصاد التركي حاليا يعيش وضعا حرجا، فالليرة التركية فقدت من قيمتها، ومستوى النمو تراجع إلى أقل من 3 بالمائة، البطالة وصلت إلى 12 بالمائة، والسياحة تراجعت بنسبة 50 بالمائة مع العلم أن معظم سياح تركيا من أوروبا".

ما مستقبل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؟

ويضيف عطوان أن العلاقات لن تتغير لأن نتائج الاستفتاء لن تغير الكثير، "فالعلاقات كانت متوترة أصلا قبل الاستفتاء. وقبله أيضا كان أردوغان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تركيا وبالتالي لن يتغير شيء، بل بالعكس أعتقد أن أردوغان قد يسعى الآن إلى تلطيف الأجواء مع الأوروبيين".

نفس الطرح يتبناه نبيل عبد الفتاح الخبير المصري في الشؤون التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ويقول في تصريحات لـDW  عربية: "أردوغان ما كان ليبقى في السلطة كل هذا الوقت لولا الأوروبيين، وبالتالي إذا عزل نفسه عن الأوروبيين والأمريكان خاصة بالنظر إلى حجم معارضيه في الداخل، والذي أثبتت نتائج الاستفتاء أن نسبتهم كبيرة، فلن يستطيع الاستمرار في السلطة. بالتالي لا أتوقع أن يتغير شيء في العلاقات التركية الأوروبية. أما من ناحية الأوروبيين فسياستهم مع أردوغان ستتوقف على الكيفية التي سيطبق بها الإصلاحات الجديدة".

بشير عبد الفتاح: السعودية قد تقبل بتعاون مع الاتراك لكنها لن تقبل بزعامة إسلامية غير عربية في الشرق الأوسط

ويميز عبد الفتاح بين مستويين في العلاقات التركية الأوروبية؛ الأول هو علاقات تاريخية عريقة "تتجاوز أردوغان" وبنيت على ركائز ثقافية واقتصادية، فالطرفان تربطهما اتفاقية تجارية ونظام جمركي، بالإضافة إلى اتفاق اللاجئين، وكلاهما عضو في حلف الناتو.

والمستوى الثاني هو مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفيما يخص هذه النقطة يقول الخبير المصري "إن هناك تفاهما الآن بين الطرفين على أن تركيا لن تحصل على عضوية الاتحاد، لكن المفاوضات ستبقى لأنها مفيدة للطرفين: من جهة إردوغان يستخدمها لأغراض داخلية دعائية كما فعل مع الاستفتاء كما أن الأوروبيين لا تكلفهم المفاوضات شيئا، ففي كل مرة يضيفون شروطا جديدة لتركيا. البقاء في المفاوضات أفضل بالنسبة لهم من الإعلان رسميا وبشكل صريح عن أن تركيا لن تنضم للاتحاد فهذا سيؤثر سلبا على العلاقات مع الأتراك".

أفضت أزمة تدفق اللاجئين على أوروبا إلى تقارب المصالح بين أنقرة وبروكسل، حيث عول الأوروبيون على أنقره في وقف هذا التدفق عبر أراضيها، فيما وجدت تركيا فرصتها في الاستفادة من هذه الفرصة التي قلما جاد بها الزمن.

يقضي الاتفاق باستقبال تركيا اللاجئين الذين يتم إعادتهم من اليونان مقابل استقبال أعضاء الاتحاد الأوروبي للاجئين سورين بطريقة قانونية، لكن هذا الاتفاق تضمن شروطا ما تزال خلافية منها إعفاء الموطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وقيام تركيا بتعديل التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وهنا كانت العقد في المنشار أمام هذا الاتفاق.

المستشارة أنغيلا ميركل، التي تتحمل بلادها العبء الأكبر لتدفق اللاجئين، تزعمت جهود تقريب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

لكن العلاقات بين برلين وأنقرة توترت بعد تبني البرلمان الألماني قرارا يصنف مجازر الأرمن عام قبل مئة بأنها "إبادة جماعية".

وما تزال العلاقات بين تركيا وألمانيا فاترة إثر قرار البرلمان الألماني فضلا عن إحباط أنقرة مما اعتبرته تضامنا فاترا معها في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو/ تموز، والذي بدأ على خلفيته فصلا جديدا من التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

فإثر حملة الاعتقالات وما أسمي بحملة "التطهير" التي نفذتها وتنفذها أنقرة على خلفية محاولة الانقلاب تلك وتكميم الأفواه، تصاعدت الانتقادات الأوروبية لأنقرة، ما أفضى مجددا إلى توترات في العلاقات وعرض الاتفاق بشأن اللاجئين للجمود وربما للفشل قريبا.

وكرد على محاولة الانقلاب رفضت أنقره تعديل قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل، كما أنها تسعى لاستصدار تشريع لإعادة العمل بعقوبة الإعدام التي كانت أنقره قد ألغتها بطلب من الاتحاد الأوروبي ضمن شروط مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد. وهذا ربما يشكل رصاصة الرحمة على هذه المفاوضات. (الصورة لأردوغان مع رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتز)

وظهرت دعوات من داخل الاتحاد الأوروبي لوقف محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث شككت النمسا في قدرة تركيا على الوفاء بالمعايير الأوروبية الخاصة بالديمقراطية. لكن الاقتراح النمساوي لم يحظ سوى بدعم ضئيل داخل الاتحاد رغم الاستياء داخل التكتل إزاء أنقره.

في بداية سبتمبر/أيلول الماضي سعى الاتحاد الأوروبي مع تركيا لاختبار الأجواء لعودة التقارب بين الجانبين عقب التوتر منذ الانقلاب الفاشل، وقال وزير خارجية لوكسمبورج جان أسيلبور "نحتاج لتقارب ونحتاج لتطبيع الوضع". وقد عقد أول اجتماع بين وزراء خارجية التكتل مع وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا عمر جليك، كما زارت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تركيا.

لكن التوتر عاد مجددا بين أنقره والاتحاد الأوروبي وبينها وبين برلين على خلفية تضييق أنقره على حرية الصحافة واعتقال صحفيين، وكذلك اعتقال نواب معارضين مؤيدين للأكراد. ووصل الأمر بأردوغان مؤخرا إلى اتهام برلين بـ "إيواء إرهابيين"، وهو ما رفضته برلين.

هل يكون الشرق الأوسط بديلا لأوروبا؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل