المحتوى الرئيسى

المشتاقون إلى كرسي الإمام الأكبر

04/18 10:02

"ما بين الرجعية والجمود والتقصير في تجديد الخطاب الديني.. وتمكين الإخوان والسلفيين من المشيخة".. وقف الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في قفص الاتهام وتناولته العديد من الأقلام في الصحف والفضائيات بالنقد، مطالبينه بالاستقالة، خاصة بعد واقعة رفض هيئة كبار العلماء إلغاء الطلاق الشفهي، وزادت شدة الهجوم بعد تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية، وأصبحت مناهج الأزهر هي صناعة الإرهاب الذى تعاني منه مصر الآن – حسب زعم المنتقدين-

وتزامن مع هذا الهجوم تصدر شخصيات أزهرية مقربة من أجهزة الدولة السيادية المشهد الديني في مصر، وبدت أكثر تجاوبا مع مطالب النظام السياسي الحالي بتجديد الخطاب الديني، لتطرح نفسها بديلا قويا لشيخ الأزهر الحالي، ويأتي في مقدمة هؤلاء الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، والدكتور أسامة الأزهري المستشار الديني للرئيس عبد الفتاح السيسي، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والداعية الإسلامي خالد الجندي وأستاذ الفقه المقارن الدكتور سعد الدين الهلالي، وكانت الانتقادات التى وجهت إلى الأزهر وشيخه من قبل هؤلاء خير دليل على اشتياقهم إلي كرسي الإمام الأكبر.

بعد أحداث 30 يوليو طُرح اسم الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق، بقوة ليكون بديلا للطيب، معتمدا على نفوذه القوى داخل المؤسسة العسكرية ومحبة الرئيس السيسي له، والذي يرى في صورة شيخه الصوفي إسماعيل صادق العدوي، وهذا ما يفسر مشاركة مفتى الديار السابق في كافة الندوات التثقفية والمناسبات الرسمية للجيش المصري، وإطلاقه تصريحات مضادة للإخوان بشكل دائم، وسط غياب لافت للطيب الذى خذل النظام الحالي ببيانه الصوتي الذي أصدره يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة وتبرأ فيه من كافة الدماء التى أسيلت في هذا اليوم.

حلم المشيخة يراود مفتى الجمهورية السابق، منذ 2010 ، حيث كان مرشحا قويا لخلافة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، الذي توفي في هذا العام بالمملكة العربية السعودية، بالإضافة للطيب والدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق لخلافة طنطاوي، لكن عضوية أحمد الطيب في لجنة سياسات الحزب الوطنى، والمذكرة التى أرسلها الدكتور عبد المعطى أستاذ الفلسفة والعقيدة وعضو مجلس الشعب آنذاك لزكريا عزمي وطلب فيها عدم اختيار "جمعة" لأنه ليس أزهريًا خالصا، حسمت المنصب لابن الأقصر.

فى 2015 صرح أحد المقربين من الإمام الأكبر – حسب تقارير صحفية-، بأن "جمعة" وراء حملة الهجوم التى شنت على الشيخ الطيب في ذلك الوقت، إلا أن مفتى الجمهورية السابق، بادر بنفي هذه التهمة عن نفسه، واتصل بالإمام، وأكد احترامه الشديد له ووقوفه بجانبه.

ومؤخرا كتب ثروت الخرباوي مقالا قصف فيه جبهة الإمام الأكبر ومهد لتولى على جمعة مشيخة الأزهر، قائلا: "أحمد الطيب رجل ذو فكر وعقل مستنير لكنه ضعيف، وتسبب ضعفه في سيطرة مجموعة من الإخوان والسلفيين على مشيخة الأزهر، بعكس علي جمعة الذي يمتلك شخصية قوية ويستطيع أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في تجديد الخطاب الديني ومحاربة التطرف".

تصدر المستشار الديني لرئيس الجمهورية المشهد الدعوي الفترة الأخيرة، خاصة بعد تكليفه بإدارة ملف تجديد الخطاب الديني، وعضويته في المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.

وخلال هذه الفترة عهد الأزهري على توجيه انتقادات لمشيخة الأزهر عبر سلسلة مقالاته المشهورة في جريدة الأهرام الحكومية، والتى حملت عنوان "المؤسسات الدينية: الواقع والمأمول" ليقول للنظام أنه هنا، فقابل قيادات المشيخة هجوم مستشار الرئيس وتلميذ على جمعة، بالتهميش والإقصاء من المشاركة في أي مؤتمرات، أو ندوات يعقدها الأزهر وجامعته.

وقبيل صدور بيان هيئة كبار العلماء الخاص بالطلاق الشفوي، كتب الأزهري مقالا بعنوان (أمر يدع اللبيب حائرًا) قال فيه: "الوطن يستنجد بالأزهر، ويلح عليه، ويطالبه، ويلمح ويصرح، ويستنهض ويشير، ويتألم ويستغيث، ويبقى الأزهر عند مستوى واحد من تسيير أموره وقوافله وجولاته وأجنحته في معرض الكتاب، دون القفز إلى مستوى الحساسية والجد والخطر الذي يحيط بالوطن"، مطالبا الأزهر بالنهوض إلى عمل يليق بالتاريخ المشرف ويسعف الوطن والدين وشعب مصر والأمة العربية والعالم في وقت حساس وخطير.

غضب الطيب من مقال الأزهري، ولمح في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية قائلا: " كنا نتمنى من بعض المنتسبين للأزهر ألا يقحموا أنفسهم في القضايا الفقهية الشائكة، وأن يتركوا للمجامع والهيئات المتخصصة في الأزهر الشريف بيان الحكم الشرعي في قضية الطلاق الشفهي، ولدينا وثائق علمية حتى لا يزايد علينا في الصحف ولا في القنوات".

منذ أن تولى الدكتور محمد مختار جمعة حقيبة وزارة الأوقاف عام 2013، وهو يحرص على تقديم نفسه على أنه الإمام الأكبر القادم، لذا عمل على إرضاء النظام السياسي الحالي بكافة الطرق، وهو ما يفسر بقائه فى منصبه حتى الآن في الوقت الذي تغير فيه ثلاثة رؤساء وزراء ورئيسين.

وفي الوقت الذى نظم فيه وعاظ الأزهر بقيادة الدكتور عباس شومان وقفة تضامنيه لدعم القوات المسلحة ضد الإرهاب بقاعة الأزهر للمؤتمرات يوم 3 فبراير 2015، جمع وزير الأوقاف مئات الأئمة من كافة المحافظات عقب أمام مسجد النور لتفويض الجيش المصري بمكافحة الإرهاب.

 وفور إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوته لتجديد الخطاب الديني، تجاهل الوزير مشيخة الأزهر وبادر بقعد مؤتمرين عام 2015 ، الأول في مايو الماضي بعنوان "بحث آليات تجديد الخطاب الديني"، والثاني عقد بالأقصر في شهر نوفمبر تحت عنوان "رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف"، فرفض الطيب المشاركة فى هذه المؤتمرات وعزل جمعة من المكتب الفني للمشيخة، فرد الوزير الضربة بإقصاء الدكتور عباس شومان والمستشار محمد عبد السلام من لجان الوزارة.

ولم يكتف وزير الأوقاف بذلك بل أرسل تقريرا لرئيس الجمهورية يضم قائمة بأسماء الإخوان داخل مشيخة الأزهر، ونشر الموقع الرسمي للأوقاف خبر تهنئة يشير إلى حصول مختار جمعة على شخصية العام في استطلاع رأى أجراه موقع إخباري، وجاء الطيب فى المركز الثالث آنذاك بعد الحبيب على الجفري، فطلب الإمام الأكبر تغيير جمعة ورفض بقائه في منصبه، وقدم ترشيحات بديلة له، إلا أن الحكومة لم تتجاوب معه وأبقت على الوزير.

بعد فترة من الشد والجذب، اعتذر الوزير للإمام الأكبر، وأكد أن العلاقة التى تربطه بالطيب علاقة أستاذ بتلميذ وأب بابنه، شارك بعدها شيخ الأزهر في احتفال وزارة الأوقاف بليلة الإسراء والمعراج، وبليلة النصف شعبان.

لكن سرعان ما تجدد الخلاف عام 2016 بعد قرار الدكتور محمد مختار جمعة المتعلق بالخطبة المكتوبة، والتى رفضتها هيئة كبار العلماء باعتبارها تجميدا للعقول، ليخرج بعدها وزير الأوقاف على التليفزيون المصري ليعلن أن قرار الهيئة يمثلها وحدها وغير ملزم للأوقاف وأئمتها، الأمر الذي أغضب الطيب وقابل بعدها الرئيس السيسي، وتراجع الوزير عن قرار الخطبة واتفقا الطرفان على إنشاء أكاديمية لتدريب الدعاة والمفتين.

قدم الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر نفسه للرأى العام المصري كعالم أزهري مجدد، وأصدر العديد من الآراء الشاذة، كإنكار الحجاب واعتبار الراقصة شهيدة، والبيرة حلال ما لم تسكر، كما أجاز الأضحية بالطيور، وشبه الرئيس عبد الفتاح السيسي بسيدنا موسى، وزعم أن من نطق شهادة  "لا إله إلا الله" يعد من المسلمين، حتى لو كفر بالنبي محمد، كما طالب بعدم احتساب الطلاق الشفوى للمتزوجين إلا بالوثيقة الرسمية، وأطلق عليه صديقه خالد الجندي لقب "فقيه الأمة".

تلك الآراء أغضبت الأزهر وإمامه الأكبر الذي حرمه من عضوية لجان الفتوى وتجديد الخطاب الديني و مجمع البحوث، بدعوى أنه صاحب فكر منحرف، كما استقبله شيخ الأزهر في مكتبه أحد المرات ووبخه على أراءه، وقال عنه مجمع البحوث الإسلامية إنه: "عالِمٍ يلتوي بعِلْمِه ويجتزئ بعض الآراء الفقهية والفتاوى المُضَلِّلَة التي تُسقِطُ الواجبات الشرعية، كإنكار الأَمْرِ بالحِجَاب الذي أجمعت عليه الأمة قديمًا وحديثًا، أو تحلُّ الحرامَ كالمسكرات".

فور طلب الرئيس من شيخ الأزهر إبداء الرأي الشرعي فى مسألة الطلاق الشفهي، خرج الداعية الإسلامي خالد الجندي وأشاد بالطيب وعلماء الأزهر، قائلا: "الأزهر تاج رأسنا وإمامه الأكبر قلعة حصينة من قلاع الإسلام الذي يرمز للعلم والتفتح والإخلاص، ونعلم أن كل علماء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث غيورين على الشرع أكثر من أحد شخص آخر"، فى محاولة منه إلى استمالة المؤسسة الدينية لإصدار فتوى تقصر وقوع الطلاق على حالات التوثيق الرسمية فقط.

ولكن هيئة كبار العلماء رفضت إلغاء الطلاق الشفهي، فهاجمهم الجندي قائلا: "عيب أوي تكون المرأة المصرية أكثر نساء العالم قهرا على أيدي من يتزعمون الخطاب الديني".

واستغل الجندي إعلان الرئيس السيسي عن إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، للانتقام من شيخ الأزهر الذي رفض إغراءاته في السابق عندما أطلق قناة "أزهري"، بدعم من رجل أعمال ليبي، وسعى بكل ما أوتي من قوة إلى أن تكون الناطقة باسم الأزهر، على أن يستقطب شيخ الأزهر وكبار العلماء للظهور عليها في مقابل مادي ضخم، لكن محاولاته باءت جميعها بالفشل، وأصدر الأزهر وقتها بيانًا نفى فيه علاقته بقناة "أزهري"، حتى يقطع الطريق عليه.

وطالب الشيخ خالد، أن تكون أولى أولويات مجلس مكافحة الإرهاب، هى إلغاء الكليات العلمية بجامعة الأزهر مثل الطب والعلوم والزراعة والهندسة، والاكتفاء فقط بالكليات الشرعية، والعمل على ضم شباب وسيدات إلى هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل