المحتوى الرئيسى

بعد «نعم» للاستفتاء.. هل يسقط أردوغان بانقلاب؟

04/17 15:37

بفرحة عكَّرت صفوها النسبة الضيئلة، استقبل معسكر "نعم" موافقة الشعب التركي على التعديلات الدستورية في الاستفتاء، فحشد الرئيس رجب طيب أردوغاون انتصر لكنَّه ظلَّ في دائرة الخطر، وبات نظامه السياسي وأركانه في طي التهديد، ومدعى ذلك النسبة التي حُسمت بها المعركة، والمدن التي وافقت وتلك التي رفضت.

بمشاركة 86% ممن لهم حق التصويت في تركيا، وافق 24 مليونًا و763 ألفًا و516شخصًا بنسبة 51,2%، ورفض 23 مليونًا و511 ألف و115 شخصًا بنسبة 48,8%، حسبما أعلن سعدي جوفن رئيس اللجنة العليا للانتخابات.

قراءةٌ في نتيجة الاستفتاء تكشف من بين ما تكشف خسارةً لمعسكر الرئيس في العاصمة أنقرة، حيث رفض التعديلات مليون و747 ألفًا و132 ناخبًا بنسبة 51,15%، بينما وافق عليها مليون و668 ألفًا و565 مصوِّتًا بنسبة 48,85%.. مدينة إسطنبول خسرها أيضًا معسكر الرئيس فصوت بـ"لا" أربعة ملايين و728 ألفًا و318 تركيًّا بنسبة 51,35%، فيما قال "نعم" أربعة ملايين و479 ألفًا 272 ناخبًا بنسبة 48,65%.

نسبة التصويت في المدينتين ربطها محللون بالمحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو من العام الماضي، التي خرج العسكريون الذين شاركوا فيها من مدينتي أنقرة وإسطنبول ومدن أخرى لإسقاط حكم أردوغان، غير أنَّ الرئيس اعتمد على "الخطة ب"، وكانت عبر الوصول إلى الناس عبر الهواتف، لا سيَّما أنَّ "الانقلابيين" سيطروا على بث التلفزيون التركي، فظهر أرودغان عبر الهاتف المحمول، ودعا شعبه للاحتشاد في الشوارع، وكان ما كان، فسيطر الرئيس على الوضع، وكان ما كان.

رفض التعديلات الدستورية في مدنٍ كأنقرة وإسطنبول أظهرت حجم المعارضة لأردوغان، وهو ما فرض حديثًا عن حراكٍ حتى وإن كان انقلابيًّا يُسقط الرئيس التركي، لا سيَّما أنَّ هذه التعديلات نالت تخوفات واسعة وأحدثت حالة استقطاب حادة في البلاد، حيث يراها المعارضون أنَّها خطوة نحو مزيدٍ من الاستبداد، واستندوا في ذلك إلى حبس وعزل عشرات الآلاف من الأشخاص عقب محاولة الانقلاب، بينما معسكر التأييد "الفائز" يراها ضرورية لإصلاح الدستور الذي وضعه جنرالات عام 1982 في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1980، ومواجهة تحديات أمنية وسياسية في البلاد، وتفادي الحكومات الائتلافية الهشة.

الـ"لا" التركية في مدن كبيرة كأنقرة وإسطنبول وديار بكر وأزمير قال عنها متين أتماجا مدير مركز الأبحاث الشرق الأوسطية: "بالنظر إلى النتائج، نرى أنَّ الأحزاب القومية لم يصوت أتباعها بنعم في هذا الاستفتاء، فكان الأمر تكرارًا ما حدث في السابق مع حزب العدالة والتنمية، نفس النتيجة التي تلقاها الرئيس في الانتخابات الرئاسية، لذا فهو ليس سعيدًا تمامًا".

وأضاف: "هذه النتيجة ستجبر حزب العدالة والتنمية على إعادة النظر في طريقة إدارته الحكومة، وليس ليس نصرًا كاملًا لكنَّه نصرٌ على أي حال".

حالة الاستقطاب تعالت نبرتها فور الإعلان عن فوز معسكر "نعم"، فباتت المعارضة تتحدث عن طعنها على أكثر من ثلث صناديق الاستفتاء، وشكَّكت في نزاهة التصويت.

سريعًا عقب الاستفتاء، اعتبر حزب الشعب الجمهوري أنَّ أردوغان فقد شرعيته التي نالها في الانتخابات الرئاسية في 2014، واتهمه بأنَّه غيَّر المسار الديمقراطي في البلاد، في نبرة هجوم تتناغم مع الحديث عن إمكانية الحراك لإسقاط حكم الرئيس، لا سيَّما أنَّ الحزب تحدث عن انتصاره في التصويت بـ"لا" بمدينتي أنقرة وإسطنبول".

زعيم الحزب كمال كليتشدا أوغلو اتهم أردوغان بالسعي إلى نظام "الراجل الواحد"، وهدَّد بأنَّ التعديلات المقترحة ستجعل تركيا في خطر.. هذا الخطر لم يحدِّده "كليتشدا" لكنَّه لا يخفى وسط حالة الاستقطاب التي تسود البلاد من أن يؤدي لما يهدِّد دولة أردوغان.

حزب الشعب الجمهوري الذي أعلن أنَّه سيطعن على النتائج، قال نائب رئيسه يلماز أوزترك: "لدينا موقف واضح حيال هذه النتائج.. لم الإعلان بصفة نهائية ورسمية عن النتائج، لكن في تقييمنا هناك خروقات شابت هذه العملية".

وأضاف لفضائية "الجزيرة": "الآن الحكومة هي التي أعلنت عن هذه النتائج، وهذا شيء مرفوض تمامًا، والاستفتاء برمته عملية هشة وهذه النتيجة ليست منبثقة عن فرز الأصوات، وهذه النتيجة تم حسابها من قبل حزب بعينه".

الخروقات التي تحدَّث عنها أوزترك دلَّل عليها بالقول: "هناك ضغط كبير من قبل الحكومة في عملية الاستفتاء، ولا نعرف كيف تمَّت عملية الفرز، وهذه النتائج تمَّ الترويج لها حتى قبل عملية التصويت، ولدينا استطلاعات رأي خاصة بنا ومراقبون منتشرون في كل أنحاء البلاد وهناك تباين بين ما أعلنته الحكومة وما رصده المراقبون".

وتابع: "هناك بعض البطاقات لم تكن داخل أظرفة واللجنة العليا للانتخابات أجازت قبول هذه البطاقات واعتبرتها صحيحة، وبالنسبة لنا فإنَّه إذا تمَّ القبول بمثل هذه البطاقات فلماذا نقوم بالعملية من الأساس".

أوزترك تحدَّث عن أنَّ النتائج التي أعلنت للاستفتاء تمَّ الإعداد لها في السابق قبل تصويت الشعب على المقترحات، لافتًا إلى أنَّ حزبه سيتخذ كافة الإجراءات الممكنة للطعن على هذه النتائج.

تقارب النتيجة بين "نعم" و"لا" ساهم في تعالي الأصوات بالتشكيك في شرعية التصويت، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مارست جهات تابعة للمعارضة – لا سيَّما حزب الشعب الجمهوري - حملة تشكيك في شرعية ما جرى، وتحدَّثت عمَّا أسمتها "حالات فساد" وثَّقها مراقبون أجانب، كما وصفوا التصويت بـ"غير النزيه".

قبل أيام من التصويت، وضع مسؤولون غربيون احتمالات للخرق، وذلك بأنَّه إذا ما كان الفارق خمس نقاط بين "نعم" و"لا" فلا يمكن الحديث عن تزوير بينما إذا كانت النتيجة متقاربة فهذا يضع التزوير في مجال الاحتمالات، ما معناه أنَّ النتيجة التي أعلنها الحكومة التركية قد تكون سلبية لها كونها ستتعرض لاتهامات وتشكيك.

في أزمير، معقل حزب الشعب الجمهوري المعارض، فـ68% من الولاية صوَّتوا بـ"لا" بينما اختار 32% "نعم"، وفي وقتٍ لم تغيِّر هذه النتيجة في تمرير التعديلات، إلا أنَّ الحزب هناك اتهم حزب العدالة والتنمية الحاكم بتزوير 60% من الصناديق، فيما طالب البعض بإعادة عملية التصويت من جديد.

مشهد مشابه أيضًا وقع في ديار بكر ذات الطبيعة الكردية، التي يمثل فيها حزب الشعوب الديمقراطي المعارض أكثرية، حيث رفض التعديلات 67,5% بينما وافق عليها 32,5%، فيما شكَّك الحزب في النتيجة ليتفق في هذا الطرح مع حزب الشعب الجمهوري.

تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية في معسكر "نعم" رفع نسبة الموافقين على التعديلات، ومدعى هذا التقدم هو وعود أطلقتها الحكومة بالإصلاح والاستقرار في ولاية ديار بكر بعد العملية الأمنية التي يشنها الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني "الإرهابي بحكم تصنيف أنقرة".

الدكتور سعيد الحاج المتخصص في الشأن التركي ربط بين التعديلات الدستورية، ومحاولة انقلاب يوليو، فقال لفضائية "الجزيرة": "هذه التعديلات وضعت وفق الخلفية التاريخية للسياسة التركية، فالدولة على مدى 93 عامًا شكلت فيها 65 حكومة بمعدل 16 شهرًا للحكومة، وكانت هناك حالة عدم استقرار كبيرة فضلًا عن الانقلابات العسكرية الأربعة والمحاولة الأخيرة".

وأضاف: "النظام البرلماني أفضى في ظل الاستقطاب إلى أنَّه في حاجة إلى ائتلافات حكومية، وهذه الائتلافات أثبتت فشلًا كبيرًا جدًا في سبعينيات القرن الماضي، وأحدثت انسداد سياسي وأزمات اقتصادية كبيرة، وهناك رؤية أنَّ النظام الرئاسي يعطي حكومات متناسقة وقوية ومتجانسة ومستقرة على المدى البعيد".

الحاج رأى أنَّ النظام الرئاسي سيكون مصحوبًا باستقرار كبير واختفاء الازدواجية في السلطة التنفيذية، لافتًا إلى أنَّه في النظام البرلماني كانت صلاحيات متشابهة معطاة لرئيس الجمهورية ولرئيس الوزراء.

واعتبر أنَّ التحدي الذي يواجه النظام السياسي الجديد هو آلية الممارسة، وكيفية تعود البرلمان والنخب والشعب ومؤسسات المجتمع المدني عليه.

أن تؤدي حالة الاستقطاب إلى حراك جديد هو أمر ليس بجديد على تركيا، فمنذ إنشاء الدولة الحديثة عام 1923، نظمت القوات المسلحة ثلاثة انقلابات عسكرية في أعوام 1960 و1971 و1980، واعتبر الجيش نفسه الوصي على الدولة التركية العلمانية المنشأة في عهد مصطفى كمال أتاتورك.

الأشهر التي تلت محاولة انقلاب يوليو كانت مصدرًا لحالة استقطاب حادة عاشتها تركيا ولا تزال، فشهدت البلاد ما بات يعرف بـ"الانتقام"، فاعتقل الأمن التركي وعزل مئات الآلاف، وفرضت السلطات حالة الطوارئ، إلى حدٍ بلغ أن اتهمت السلطات التركية بممارسة انتهاكات ضد المواطنين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل