المحتوى الرئيسى

ميلانشون مفاجأة الشوط الأخير برئاسيات فرنسا

04/17 10:42

ويعبر كلام الرئيس هولاند عن مخاوف جدية، باعتبار أن أكثر من 35% من الناخبين المسجلين (نحو 18 مليون ناخب) لم يحسموا موقفهم بعد بخصوص مرشحهم للرئاسة، في حين يسجل المرشح الأبرز إيمانويل ماكرون هبوطا بنقطتين في الاستطلاعات الأخيرة.

ويخشى هولاند ومعه الأوساط التقليدية في المشهد السياسي الفرنسي، من أن  تقديرات مؤسسات قياس الرأي التي تبشر بوصول ماكرون إلى الرئاسة غير دقيقة، لا سيما بعد ثبوت خطأ تقديراتها في استحقاقات انتخابية في الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا، وقبل ذلك في الانتخابات التمهيدية لمعسكري اليسار واليمين بفرنسا.

والمخاطر على الجمهورية الخامسة- وفق المعارضين لميلانشون- تتأتي من أن صعوده القوي والمفاجئ  قد يستمر بشكل أكبر بعد المناظرة التلفزيونية الأخيرة المنتظرة يوم 20 أبريل/نيسان، نظرا لحضوره المقنع وبلاغته وضعف أداء المرشحين الآخرين، وهذا السيناريو قد يضع ماكرون خارج الجولة الثانية، وربما لوبان.

في عوامل الصعود، يؤكد المراقبون أن ميلانشون المناضل اليساري والنقابي وقائد حركة "فرنسا الأبية"، اعتمد على إستراتيجية جديدة مستفيدا من أخطاء في حملته الانتخابية عام 2012 تجعله أقرب إلى عامة الناس من خلال البرامج التلفزيونية.

كما حشد حوله عددا كبيرا من الناشطين ومديري الحملة الانتخابية، بينهم الجزائرية الأصل صوفيا شيكيرو التي وصفتها مجلة "لوبوان" بأنها العقل المدبر في تشكيل حملة ميلانشون الناجحة.

واستطاع ميلانشون أن يوظف وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة في حملته الانتخابية، بما فيها تقنية الهولوغرام (التصوير التجسيدي)، حيث يظهر في تجمعين انتخابيين في آن واحد، كما كان الأكثر تواصلا مع الناخبين، واستطاع أن يحشد عشرات الآلاف في مرسيليا وباريس يوم الـ16 من أبريل/ نيسان في تولوز.

من جانب آخر، يقر بعض المعارضين لميلانشون ممن كانوا يصفونه "بـالشعبوية والتهور" بأنه أصبح أكثر "هدوءا ورصانة" خلال الحملة الانتخابية الحالية، وهو ما جلب إليه عددا أكبر من الأنصار، خاصة من معسكر بونوا هامون والحزب الاشتراكي ومن جمهور الناخبين المترددين.

ودخل ميلانشون السباق الانتخابي بمنطق مختلف وبلا ثورية انفعالية، تحت شعار "المستقبل المشترك"، ويدعو ضمن برنامجه إلى إطلاق الجمهورية السادسة، وزيادة في الحد اﻷدنى للأجور بنسبة 16%، وخفض ساعات العمل الأسبوعية وسن التقاعد.

كما يدعو أيضا إلى وقف تسريح  الموظفين من العمل، ورفع سقف الضريبة على المداخيل التي تفوق الأربعمئة ألف يورو إلى 90%، ورفع سقف الإنفاق الحكومي بنحو 173 مليار يورو (نحو 184 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، وسحب فرنسا من معاهدات الاتحاد الأوروبي إذا لم تتحقق بعض الشروط، والتخلي عن الطاقة النووية.

وفي مقاربته للشأن الاجتماعي، لا يتبنى ميلانشون خطابا معاديا للمهاجرين، بل يدعو إلى إدماجهم، وأكد في مناظرة تلفزيونية (20 مارس/آذار) أنه "يجب معاملة المهاجرين مثل ما نحب أن يعاملوننا عندما نذهب إليهم"، وأكد أيضا أهمية تسوية أوضاع من لا يحملون وثائق إقامة بفرنسا، وهو بذلك لا يعادي شريحة واسعة من الناخبين الفرنسيين.

وهذه البرامج التي يطرحها ميلانشون المدعوم من الحزب الشيوعي ونقابات مهنية يلقى رواجا، خاصة وقد ارتبط  بتركيز واضح على استثمار مشاعر الإحباط تجاه فترة الرئيس هولاند، والتبشير بديمقراطية اجتماعية تبدو جاذبة في غياب برامج انتخابية مختلفة لدى مجمل المرشحين.

وفي السياق العام للوضع السياسي للبلاد، يستفيد ميلانشون -الذي خرج من الحزب الاشتراكي عام 2008- من فضائح الفساد التي طالت كبار المرشحين، وخاصة فرانسوا فيون ومارين لوبان وبدرجة أقل إيمانويل ماكرون.

وكانت أزمة الأحزاب الرئيسية أيضا لصالح ميلانشون، حيث انهارت أسهم مرشح اليمين فيون بعد فضيحة الوظائف الوهمية، في حين يشهد الحزب الاشتراكي (اليسار) سقوط كبيرا، وقد ضعفت حظوظ مرشحه بونوا هامون في سباق الرئاسة، وهو ما أقر به حتى الرئيس فرانسوا هولاند.

وارتباك المشهد السياسي يبدو في صالح المرشح المستقل إيمانويل ماكرون أكثر من غيره، الذي جلب لصفوفه عددا من نخبة اليسار، أبرزهم رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، ووزير الدفاع الأسبق جون إيف لودريان، ورئيس بلدية باريس السابق برتران دولانوي، إضافة إلى السياسي المخضرم فرانسوا بايرو، وفي المقابل استفاد ميلانشون بدرجة أقل، لكن بشكل أعمق على الصعيد الشعبي.

ويرى ميلانشون ومعارضون آخرون أن مواقف ماكرون السياسية ليست ثابتة، وأقرب إلى الترويج التجاري، وتجمع أفكارا متناقضة هدفها إرضاء النخب السياسية التقليدية والناخبين من كل اتجاه، ويذهب ميلانشون إلى اعتبار ماكرون "هولاند مقنّعا"، في حين يصفه بونوا هامون بأنه مرشح "حزب المال".

ومثلما كان ماكرون ظاهرة انتخابات الرئاسة في بداياتها، أصبح ميلانشون الظاهرة في نهاياتها، وتؤكد صحيفة "ليزيكو" (الأصداء) إلى أن الاختراق غير المتوقع الذي أحرزه زعيم اليسار الراديكالي في آخر مراحل الانتخابات يعد في النهاية انعكاسا لأزمة ثقة بالطبقة السياسية برمتها.

في ظروف الحملة الرئاسية التي وصفتها لوموند بأنها "أزمة أعصاب وطنية"، استشعر الرئيس هولاند مخاطر صعود ميلانشون، وإمكانية وصوله مع لوبان إلى الدورة الثانية، وفي لقاء مع صحيفتي لوموند ولوبوان دعا الناخبين الفرنسيين إلى أن يكونوا أذكياء في اختيار المرشح، وعدم الانجرار وراء الأطروحات المضللة في أقصى اليمين أو اليسار، على حد قوله.

ونقلت صحيفة لوموند عن مقربين من الرئيس هولاند قوله إنه يشم "رائحة سيئة تفوح من الحملة الانتخابية"، في إشارة إلى أن الحملة الانتخابية أخذت تنحو منحى لا يمكن التنبؤ به.

ورغم أن هولاند -الذي لم يعلن بعد دعمه لأي مرشح- يعتبر شعبية ميلانشون مجرد "موضة" انتخابية، لكنه يؤكد في حواره مع لوموند ولوبوان أن "هناك خطرا كبيرا في مواجهة الأفكار التبسيطية والمضللة، عندما نستمع فقط لكلام الخطيب البارع دون التوقف عند محتواه".

ويعي هولاند أن صعود ميلانشون إلى المرحلة الثانية من الانتخابات قد تكون أكثر خطورة من صعود مارين لوبان، باعتبار أن كل الأطراف السياسية ستتحد ضدها في المرحلة الثانية بما يمنعها من الوصول إلى الإليزيه، بينما قد يشكل صعود ميلانشون خطرا جديا على أي مرشح.

ويتوافق رأي الرئيس الفرنسي مع المرشحين الآخرين للرئاسة وجزء من الإعلام الفرنسي، وتصف صحيفة لوموند ميلانشون بأنه أصبح "فزاعة فرنسا الجديدة"، وأنه قد صار الهدف الرئيسي لحملات معظم المرشحين، وخاصة فرانسوا فيون، منافسه المباشر على المرتبة الثالثة.

من جهته، انتقد ماكرون أمام مئات من أنصاره في مرسيليا خصمه ميلانشون وبرنامجه "الخطير" قائلا "ما الذي يريد أن يقنعنا به هذا الثوري الشيوعي الذي كان نائبا في البرلمان عندما كنت أنا طالبا في الثانوية".

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل