المحتوى الرئيسى

بول بوت | المصري اليوم

04/17 00:13

عندما عاد بول بوت ورفاقه من فرنسا كانوا متشبعين تماماً بالفكرة الشيوعية ومتأثرين تأثراً كبيراً بالحزب الشيوعى الفرنسى، الذى تابعوا نشاطاته وانبهروا بقادته. لم يكن بول بوت يتصور أن التاريخ سيذكره بحسبانه السفاح قاطف الرؤوس، بل كان يظن نفسه مصلحاً اجتماعياً يختلف عن غيره من المصلحين بأنه نجح فى حيازة السلاح وتجنيد الأنصار فى بلدة كمبوديا بعد أن حشا رؤوسهم بأفكار نبيلة عن العدل الاجتماعى وعن ظلم الطبقة الحاكمة وفساد النخبة الثقافية.

قام الرجل بتأسيس منظمة الخمير الحمر، وكلمة خمير تعنى فلاحا باللغة الكمبودية، وللفلاحة مدلول إيجابى فى الثقافة الشعبية هناك، حيث إن الفلاح هو الذى يطعم الناس. إذن يتوجب طبقاً لفيلسوف الخمير الحمر على جميع الناس أن يعملوا بالفلاحة حتى يحظوا جميعاً بشرف الاشتغال بالمهنة النبيلة التى إليها يعود الفضل فى إعمار الأرض واستمرار البشرية.

رأى بول بوت أن المثقفين يشكلون جماعة فاسدة تؤثر فى الناس الطيبين وتخرب عقولهم لصالح أفكار تقبل الظلم الاجتماعى وتراه قدراً لا فكاك منه، فكان أن حملهم قسراً إلى المزارع الجماعية وأوكل إليهم القيام بأعمال الفلاحة الشاقة، ثم قام بتفريغ المدن من السكان، حيث رأى أن نشاط المدن غير ذى جدوى ولا يستفيد منه سوى اللصوص والمنحرفين.

باختصار قام الرجل بعملية هندسة اجتماعية أراد منها أن يحشد كل الطاقات لصالح العمل الوحيد المحترم الجدير بالإنسان، وهو زراعة الأرض، ولأجل أن يحقق العدل فإنه ألغى الملكية الخاصة وجعل الأرض مملوكة للجميع. من الطبيعى أن إجراءً كهذا لن يمر بسهولة، خاصة أنه يعبر عن فكر رجل واحد أو مجموعة أصدقاء تشبعوا بالأفكار الشيوعية وأرادوا أن يطبقوا منها نموذجاً ابتدعوه وتأثروا فيه بتجارب آسيوية محيطة فى الصين وفيتنام وكوريا الشمالية.

ومن الطبيعى أن رجلاً كهذا عندما يقاوم الناس أفكاره التى يريد فيها الخير للجميع فإنه لن يتسامح مع رغبتهم فى تقويض حلمه، ومن هنا ظهرت المذابح الجماعية وحقول القتل التى ملأتها الجماجم والتى عبرت عنها أفلام سينمائية عديدة، كما خلدتها متاحف قائمة اليوم تحكى عن حلم رجل واحد دفع حوالى مليونين من البشر ثمناً لمحاولة تحقيقه. والعجيب فى بول بوت ورفاقه أنهم نظروا للمثقفين نظرة ازدراء واعتبروا ما يقومون به نوعاً من النصب وأكل العيش بطرق غير مشروعة!..

كذلك لم يفهم زعيم الخمير الحُمر معنى تقديم برامج فى التليفزيون تقوم على نشر الأكاذيب التى يريدها الحاكم، ولا معنى الكتابة فى الصحف من أجل تمجيد الظلم وتغليفه بأغلفة وطنية زائفة، لهذا فإن الإعلاميين والكتّاب وكل من له صلة بصناعة النشر قد حملتهم سيارات كبيرة مخصصة للمواشى وألقت بهم فى المزارع ومعهم الفؤوس والمعاول، ومَن تكاسل منهم كان جزاؤه القتل الفورى. ويُحكى أيضاً أن الكثيرين فى المدن لقوا حتفهم لمجرد ارتدائهم نظارة أوحت بأنهم قد يكونوا مثقفين!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل