المحتوى الرئيسى

أحمد الطيب.. إمام في محنة (بروفايل)

04/17 00:13

في هدوء أهل الله ووقار العارفين، يجلس فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر الشريف، على مقعد الولاية بين جدران بنيان شامخ، تحكي كل لبنة فيه قصة مجد طارف وتليد.

أكثر من ألف عام مرت والأزهر قائم في مكانه، تتبدل العصور، ويتغير الحكام، وما زال البناء مزدهرا، والحجة ساطعة في أكبر مرجعية للإسلام السني في العالم، غير أن الهجوم على الأزهر الشريف الذي بدا في نظر كثيرين منظما في الفترة الأخيرة، وضع الشيخ السبعيني أمام تحد غير مسبوق، يتمثل، بحسب مراقبين، في محاولات لتحجيم دور المشيخة من بوابة رميها بتهم هي منها براء.

واتخذ الهجوم شكلا تشريعيا بطرح النائب محمد أبو حامد، القيادي بائتلاف "دعم مصر"، مشروع تعديل لقانون الأزهر الشريف، يقضي بتحديد ولاية شيخ الأزهر بعدد معين من السنوات، على ألا يجوز لشاغل المنصب أن يستمر فيه لأكثر من فترتين، في خطوة اعتبرها كثيرون تستهدف الشيخ الطيب الذي قضى سبعة أعوام في منصبه حتى الآن.

الطيب المولود في المراشدة بقنا في يناير 1946، لوالد كان شيخا لطريقة صوفية، التحقيق بالأزهر حتى حصل على شهادة الليسانس في العقيدة والفلسفة عام 1969 ثم شهادة الماجستير عام 1971 ودرجة الدكتوراه عام 1977 في نفس التخصص.

في مارس 2010 أصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارا بتعيين الطيب شيخا للجامع الأزهر، خلفا للراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق.

لم يمض على أستاذ العقيدة والفلسفة في منصبه أكثر من 9 أشهر على قرار تعيينه حتى اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتطيح بالنظام، الذي كان جزءا منه من خلال عضويته في الحزب الوطني قبل توليه منصب شيخ الأزهر، ما وضعه أمام موقف صعب، تجاوزه بحكمة دعا خلالها بكفالة الحقوق المشروعة للشعب، دون إراقة دماء أو تخريب، كما روت الكاتبة زينب عبد اللاه.

وفي بيان له يوم 29 يناير2011، وصف الطيب مطالب المتظاهرين بالـ"عادلة" ولكنه حذر من الفوضى وناشد الجماهير الالتزام بالهدوء.

سعى الطيب سعيا حثيثا لاستقلال الأزهر ووصل إلى مبتغاه بحنكة ودهاء سياسي منقطع النظير، ففي أوج التقلبات السياسية ضغط الطيب على المجلس العسكري والقوى السياسية لإصدار قوانين وتشريعات تضمن استقلالية شيخ الأزهر بحيث يكون لا يقبل العزل  ويتم اختياره من بين هيئة كبار العلماء وهو ما استطاع تحقيقه لينهي وصاية السلطة التنفيذية عليه وفقا للقانون الذي أقره الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر.

الشيخ الصعيدي أشار لهذا الاستقلال بكلمات صريحة في أكثر من مناسبة قائلا، «الأزهر فوق الثورة والسلطة» وفي مناسبة لاحقة قال «استقلال الأزهر الشريف وفقا للدستور الجديد، وتعيين رئيس شيخ الأزهر خارج  سلطات رئيس الجمهورية، وأصبح تعيينه من مسؤولية هيئة كبار العلماء»

فى يوم السبت الموافق 30 يونيو 2012 تعرض الطيب لأول اختبار حقيقي من قبل جماعة الإخوان المسلمين، حينما دخل لحضور كلمة الرئيس الأسبق محمد مرسى فى قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة فلم يجد مكانا لعلماء الأزهر داخل قاعة كبار الزوار، ليقرر على الفور الانسحاب.

إثر لقائه مع الرئيس الأسبق محمد مرسي، قبل 30 يونيو بأيام قليلة، خرج بعدها ليؤكد أن الخروج عن الحاكم بطريقة سلمية ليس حراما.

لم يغب الطيب عن مشهد  3 يوليو فقد ظهر جالسا على يسار الفريق عبد الفتاح السيسي وقتها، وبجواره رأس الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني، في تعبير صريح عن تأييده لقرارات ذلك اليوم.

"إن الأزهر يؤكد دائما على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا صباح اليوم، ويحذر من استخدام العنف وإراقة الدماء"، هكذا أدلى الطيب بيانه الذي بثه التليفزيون المصري تعليقا على فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013 الذي أودى بحياة المئات.

وأكد الطيب أنه لم يكن يعلم بموعد فض الاعتصام في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، إلا عبر وسائل الإعلام، ودعا جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وتغليب صوت الحكمة.. والاستجابة إلى الجهود الوطنية للحوار والمصالحة الشاملة".

مع صعود داعش على الساحة الدولية  رفض الأزهر تكفير داعش في ديسمبر 2014، حتى لا ينتشر التكفير في المجتمع كله "لكنه أقر بحد الحرابة عليه".

ومع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة، أشارت تقارير إعلامية عديدة إلى أن السيسي لا يخفي دوما عدم رضائه الكامل عن أداء الطيب، غير المتماهي مع حكمه، بالمقارنة بـالحماسة الزائدة، التي يبديها كل من مفتي الجمهورية السابق علي جمعة، ووزير الأوقاف، للوضع السياسي القائم.

وبرز الخلاف واضحا بين الطيب والسيسي خلال احتفالات عيد الشرطة الأخيرة حين طلب السيسي من شيخ الأزهر فتوى شرعية بمنع الاعتراف بالطلاق الشفوي في معرض حديثه عن الإحصاءات المرتفعة للطلاق في مصر .

وقال السيسي :«هل نحن يا فضيلة  الإمام بحاجة إلى قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفوي، لكي يكون أمام المأذون، حتى نعطي للناس فرصة لتراجع نفسها، ونحمى الأمة بدل تحولها لأطفال فى الشوارع بسلوكيات غير منضبطة».

وتابع السيسي: «ولا إيه يا فضيلة الإمام .. تعبتني يا فضيلة الإمام»، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعاتب فيها السيسي شيخ الأزهر بشكل معلن.

تأخر رد الشيخ لأيام لتصدر هيئة كبار العلماء التي يترأسها بيانا رافضا اقتراح السيسي، وجاء البيان بعد اجتماع طارئ بعنوان «بيان للناس من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف».

بيان الهيئة رفض دعوة السيسي، كما رفض إقرار وقوع الطلاق الشفوي وتنقل البيان لسرد المسائل الشرعية لتأييد رأيه، ولم يكتف البيان برفض طلب السيسي فقط ولكنه، اختتم بعبارات تقول: «على من يتساهلون في فتاوى الطلاق(…) أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم».

جمد الأزهر الحوار مع الفاتيكان في 20 يناير 2011 إلى أجل غير مسمى بسبب ما اعتبره تهجما متكررا من البابا بنديكت السادس عشر على الإسلام ومطالبته بـ"حماية المسيحيين في مصر" بعد حادث تفجير كنيسة "القديسين" بمدينة الإسكندرية، حيث يتمسك الطيب برأي مفاده أن حماية المسيحيين شأن داخلي تتولاه الحكومات باعتبار المسيحيين مواطنين مثل غيرهم من الطوائف الأخرى.

ورفض الطيب إعادة العلاقات مع الفاتيكان إلا بعد اعتذار صريح وهو ما حدث بالفعل.

وفيما يخص إسرائيل، يرفض الطيب مصافحة الإسرائيليين أو التواجد معهم في مكان واحد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل