المحتوى الرئيسى

د. أحمد صالحين البحيري: يكتب الطب اللذيذ | أسايطة

04/16 18:15

الرئيسيه » رأي » د. أحمد صالحين البحيري: يكتب الطب اللذيذ

ذات يوم بعيد، في ردهة قسم التشريح الطويلة المخيفة الكئيبة، كنت حينها بالفرقة الثانية من كلية الطب وكانت الدروس العملية تمتد إلى حوالي الساعة الخامسة مساء، بأمر مباشر من رئيس القسم وكان معظم الطلاب يفرون هاربين بعد صلاة العصر مباشرة، وذلك لأننا كنا ننهي درس العملي قبلها ولم يكن هناك فائدة من المكوث حتى الخامسة.

أما أنا فكنت أفضل السلامة دائما وأبقى حتى الخامسة أو يزيد ، وفي يوم ما لا أدري ماحل بي ولكني قررت آلا أركن للسلامة بعد اليوم، وعزمت أمري واستعددت للهروب الكبير، ولم أخبر أحدا حتى زملائي بما أنوي القيام به، وفي خلسة تسربت من المدرج إلى الخارج ومنه إلى الردهة ، وأنا التفت يمينا ويسارا متسترا بالبالطو الأبيض، ناظرا من أسفل نظارتي الطبيه أترقب الطريق، وما إن وصلت إلى الممر المؤدي إلى المصلى في آخر القسم، خالجني شعور نشوة الانتصار والفرار الكبير، ومن شدة فرحتي وقلقي كنت أجري مقلوبا ظهري للأمام ووجهي للخلف، أتلفت من جميع الجهات احتاط حتى من أنفاسي، ولكني نسيت أن النهايات لا تكون دوما كما نرغب.

في انقلاب غير متوقع للأمور حدث ما كنت أخشاه وما لم أخطط له أو أحسب له حسابا،، وإذ فجأة يد قويه تمسك معطفي من أعلاه وصوت جش قوي زلزل أرجاء الردهة والمكان – بتهرب رايح فين يا كلب – ، وهنا توقف الزمان والمكان، وأصبح قسم التشريح بنفس درجة برودة قمة إيفرست، تجمد كل ماحولي ولم أشعر إلا دفئا ياتيني من أسفل، حتى يومنا هذا أتسائل من أين جاء – رئيس القسم ماسكني من قفايا – ، لم استفق إلا على صوته وهوه يكررها مرارا وتكرارا – بتهرب رايح فين يافاشل – وبدون أي سابق انذار وجدتني أنهار وأبكي وأتفوه بالترهات التي لا معنى لها.

لم أجد بدا أو مخرجا سوى أن أخبره كذبا أني يتيم الأب والأم ولا أملك قوت يومي وإني اضطررت للهرب حتى يتسنى لي اللحاق بالغداء بالمدينة الجامعية حيث أن آخر موعد للغداء هو الرابعة مساء، وإن لم الحق به فلا غداء لي حتى الغد ولا طاقة لي بشراء الطعام من خارج المدينه.

وعلى غير عادته وفجاة رق قلبه ولان جانبه وانخفض صوته وربت على كتفي ومد يده بجيبه وأخرج عشرة جنيهات، أعطاني إياها قائلا – اذهب يابني – وتركني، حينها أحسست نفس إحساس محمد سعد – اللمبي – حينما أعطى له سامي العدل النقود وقال له – سكتم بكتم – لم أعرف وقتها ماذا أفعل؟ تضاربت حينها مشاعري بين خائف وسعيد، فرح وقلق، أفخر بفعلتي أم أخجل من كذبتي؟

لا شك أن مثل هذا الموقف يحكي لنا العديد ويقص علينا الكثير، فالعلم ليس بالكم بل بالكيف وإطالة الفترة الزمنية للدروس لا يؤكد جودتها على الاطلاق، ولربما قليل يفهم خير من كثير كأنه لا يقال، الضغط يولد الهروب ويولد الكذب ومن ثم انعدام الثقة، فيا سادتنا تنبهوا جيدا، فالعلم لا يكيل بالباذنجان .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل