المحتوى الرئيسى

معضلة السيسي مع "الخطاب الديني"!

04/16 16:07

الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشغول ب"تجديد الخطاب الديني"، ويعتقد كما اعتقد مَن سبقوه بأن المشكلة في هذا الخطاب المتداول، ولا ندري ما إذا كان يقصد الخطاب الرسمي أم الشعبوي: أي الخطاب الذي تقدمه الدولة أم نظيره الذي تقدمه الجماعات الإسلامية.

في تقديري أن السيسي ينطلق من قناعة تعتقد بأن خطاب الدولة "صحيح" وخطاب الجماعات "انحراف".. وهي مقاربة تقترب من التطرف في قناعاتها؛ لأنها تنفي النسبية والتدرج، فليس كل ما تقدمه الدولة صحيحًا، وكل اجتهادات الجماعات خطأ، فيما تظل ضبابية الرؤية حاضرة؛ لأن الرئيس يحصر "التجديد الديني" داخل الإطار المنبري والوعظي: أي في فحوى دروس الوعظ المتداولة في المساجد.. ويتوقع بناءً على هذه القناعة، بأن توزيع خطباء وزارة الأوقاف على المنابر وعلى الفضائيات، يكفي وحده في إنجاز مهمة "التجديد" الذي يأمله!.

وتتفاقم مشكلة السيسي، في هذا الإطار؛ بسبب أن الخطاب الديني الرسمي، ليس موحدًا خلف الرئيس، فهناك انقسامٌ واضحٌ بين مؤسسات مؤيدة على طول الخط "الأوقاف".. وأخرى مناوئة وعصية على السيطرة مثل "الأزهر"، تأمل مغزى موقفه الأخير مثلاً من مسألة الطلاق الشفهي.

ويبدو لي أن الكلام عن "تجديد الخطاب الديني"، مستدعى من تراث الصدام بين تيار الحداثة والإسلاميين في ذروته في منتصف تسعينيات القرن الماضي.. وهو مصطلح فارغ، تلقى هزيمة مدوية، بعد مواجهتي "الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية" ل نصر حامد أبو زيد، ورواية وليمة لأعشاب البحر للسوري حيدر حيدر.. وهو أي مصطلح التجديد الديني من قبيل الثرثرة التي تعتمد على "الإبهار" لردع المتلقي وسحقه وكسر شعوره بالندية، وتعظيم إحساسه بالدونية أمام الخصم الحداثي فيستسلم للأخير، معتقدًا بأنه الأعقل والأكثر فهمًا ووعيًا.. فيما هو في حقيقته لا يعكس أي مضمون للحقيقة وإنما كما قلت للتخويف والردع والظهور في هيئة العقلاني المستنير أمام الإسلاموي "الظلامي"!

وإذا كان السيسي، يريد فعلاً حل مشكلة "التطرف الديني" فعليه أن يفكر خارج الصندوق، ويدع ما ورثناه عن رؤسائنا الأقدمين، وليعلم أن المشكلة في فحواها الحقيقي بلا تزييف ولا لف ولا دوران، هي أن الدولة في صراعٍ على الإسلام مع الجماعات الإسلامية.. وأن تخليها عنه، ترك فراغًا تمددت فيه الجماعات، وقدمت نفسها كممثل شرعي للإسلام.

ينبغي أن نعترف إن كنا حريصين على الدين أن الإسلام مختطف فعلاً من قِبل تلك الجماعات، وسيظل كذلك ما لم تقم الدولة باسترداده منها.. ليس بالقمع والقتل خارج القانون ولا ببناء المزيد من السجون والمعتقلات.. ولا بتوزيع خطباء وزارة الأوقاف وغالبيتهم لا يجيدون قراءة جملة واحدة صحيحة بدون أخطاء نحوية على المنابر.. وإنما بإعلاء قيمة الإنسان وكرامته.. وبتحقيق العدالة ودولة المؤسسات والقانون.. والتداول السلمي للسلطة، والتصدي للفساد أينما كان، في كل مؤسسات الدولة، مهما كانت منزلتها السياسية والسيادية.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل