المحتوى الرئيسى

كيف وصل الإسلام إلى الصين؟ عن الأويغور في تركستان الشرقية

04/16 11:10

بين الحين والآخر، تطالعنا وكالات الأنباء العالمية بأخبار وقوع بعض الاضطرابات والقلاقل بين أقلية الأويغور المسلمة والسلطة في الصين، ورغم أهمية تلك الأحداث، إلا أن جذورها ومسبباتها تبقى مجهولة لكثيرين.

تركستان الشرقية وسكانها من الأويغور... كيف انتقل الدين الإسلامي إليهم، وما هي أهم مشكلاتهم مع الدولة الصينية؟ وكيف تعاملت القوى الإسلامية الشرق أوسطية مع مشكلتهم؟

تشير كلمة تركستان في المصادر الإسلامية القديمة مثل معجم البلدان لياقوت الحموي، إلى جميع البلاد والأقاليم التي كانت تسكنها الشعوب التركية في العصور الوسطى، فقد كانت تلك الشعوب تمتد على مساحات واسعة من الحدود الغربية للصين حتى التخوم الشرقية للقارة الأوروبية.

وفي العصر الحديث، وبعد وقوع تلك المنطقة الواسعة في يد كل من الصينيين والروس، جرت العادة على تسمية المناطق التي كانت خاضعة للسيادة السوفياتية بتركستان الغربية، وهي نفسها منطقة آسيا الوسطى التي توجد بها الجمهوريات الإسلامية الخمس المستقلة، أما المنطقة المتاخمة للصين والتي هي الآن جزء منها فقد عرفت باسم تركستان الشرقية.

تبلغ مساحة تركستان الشرقية ما يزيد عن 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي أن مساحتها تقترب من مساحة إيران. وتتمتع تلك المنطقة بأهمية اقتصادية كبيرة. يقول الكاتب أحمد رحمتي في كتابه "التهجير الصيني في تركستان الشرقية" إن "المنطقة تتمتع بتوافر قدر هائل من الثروات الطبيعية، فهي غنية بالمعادن والفحم الحجري والحديد والكروم والنحاس، كما أنها تختزن احتياطياً نفطياً كبيراً، بالإضافة لتواجد العديد من مناجم الذهب واليورانيوم في أراضيها".

ويسكن في تركستان العديد من الشعوب ذات الأصول العرقية المختلفة، وإن كان شعب الأويغور أكثرها تواجداً وتأثيراً في المنطقة على امتداد القرون السابقة.

والأويغور هم أحد الشعوب التركية المنتشرة في المنطقة، مثلهم في ذلك مثل شعوب القازاق والقرغيز والأوزبك والطاجيك، إذ تعود أصول كل تلك الشعوب إلى أصل واحد بحسب ما يؤكده المستشرق الألماني كارل بروكلمان في كتابه المعروف "تاريخ الشعوب الإسلامية".

يذكر ابن جرير الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك، أن الإسلام قد وصل إلى تلك المنطقة في عام 96هـ/ 715م، وذلك في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

فبعد ان استطاع القائد قتيبة بن مسلم الباهلي أن ينتهي من فتوحات آسيا الوسطى، اتجه ناحية الصين واستطاع أن يؤسس قاعدة جديدة للإسلام في منطقة تركستان الشرقية.

وقد بقيت تلك المنطقة منذ ذلك الوقت خاضعة لنفوذ الممالك الإسلامية، إذ استطاعت بعض الأسر التركية التي اعتنقت الإسلام أن تؤسس عليها دولاً متعاقبة لفترات طويلة. كما عُرفت تركستان الشرقية بأهميتها ومكانتها العالية بين البلاد الإسلامية، حتى وصفها ياقوت الحموي في معجمه بأن بها "خصب يزيد عن الوصف ويتعاظم أن يكون في جميع بلاد الإسلام وغيرها مثله".

وكانت مدينة كاشغار من أهم مدن تركستان الشرقية عبر تاريخها الطويل، حتى وصفها أبو الفداء الحموي في كتابه "تقويم البلدان" بأنها "قاعدة تركستان".

وكذلك فقد ظهر الكثير من الأعلام من تلك المنطقة، ولعل أهمهم وأشهرهم على الإطلاق أحمد بن طولون الذي أسس الدولة الطولونية في مصر في عام 254هـ/ 868م.

شارك غردتعرفوا على مسلمي الصين (الأويغور)، كيف انتقل الدين الإسلامي إليهم، وما هي أهم مشكلاتهم مع الدولة الصينية

شارك غردمسلمو الصين ممنوعون من ارتداء الزي الإسلامي ومن رفع الأذان، ويجبرون على تناول الطعام في رمضان

بعد قرون طويلة من السيطرة التركية على منطقة تركستان الشرقية، بدأت قوة الأويغور في التردي والاضمحلال، وهو ما أدى إلى لفت أنظار الجار الصيني العملاق الذي طمع في ضم المنطقة إلى أراضيه الواسعة.

ويؤكد الكاتب أحمد رحمتي في كتابه المذكور سابقاً على أن التوجه الصيني الجدي نحو تركستان الشرقية، قد ابتدأ عام 1884، عندما أصدر الإمبراطور الصيني "زاي تين" مرسوماً قضى بضم تلك المنطقة إلى الصين، فتمت تسميتها بشيانجيانك Xinjiang، والتي تعني بالصينية "الحدود الجديدة".

ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، أصبحت تركستان الشرقية تابعة للصين، وهو ما أدى إلى قيام سكان الإقليم بالكثير من الثورات ضد السلطة الصينية. ورغم النجاح المؤقت لبعض تلك الثورات، إلا أنها كلها قد باءت بالفشل في نهاية الأمر.

ومنذ التحول الصيني للشيوعية عام 1949، بدأت بكين في اتخاذ خطوات جدية لتغيير الخريطة الديموغرافية للإقليم، لأن بقاء الأويغور كأغلبية عرقية في شيانجيانك، كان يعني اضطراب السيادة الصينية على الإقليم، ولذلك قامت بكين بتكثيف هجرة عنصر الهان من مختلف مناطق وأقاليم الصين إلى إقليم شيانجيانك، في الوقت الذي هجرت فيه قسراً مئات الآلاف من الأويغور التركستانيين إلى الأقاليم الصينية الشرقية.

وبحسب ما أورده الباحث الأميركي المتخصص في شؤون آسيا الوسطى وتركستان الشرقية أوين لاتيمور  Owen Lattimore في كتابه "محاور آسيا" Pivot of Asia: Sinkiang and the Inner Asian Frontiers of China and Russia، فإن الخطة الشيوعية لقلب الديموغرافيا في تركستان الشرقية نجحت بشكل مبهر، إذ يشير إلى أن نسبة الأويغور في شيانجيانك، وبعد أن كانت في عام 1940 تقترب من 78%، فإنها وبعد أقل من أربعة عقود فحسب، تضاءلت لتصل إلى 58%، بينما زادت نسبة الهان لتصل إلى 41% بعد أن كانت 5% فقط.

وفي محاولة لخلع أبناء الإقليم عن هوياتهم الإسلامية التركية، عملت الصين على إجبار الأويغور على ترك لغتهم الأويغورية، وفرض تعلمهم للغة الصينية، كما منعت السلطات الشعائر الإسلامية المعروفة، مثل إطلاق اللحى وارتداء الحجاب، وكذلك تم منع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، بالإضافة إلى وضع عراقيل أمام الذهاب إلى المساجد، كمنع دخول مَن عمرهم أقل من 18 عاماً لأي مسجد في أنحاء تركستان الشرقية.

وفي بعض الأحيان، زادت حدة التطرف الصيني ضد المسلمين الأويغور، حتى تم إجبارهم على تناول الطعام في نهار رمضان، كما تم إجبارهم على المشاركة في تناول الأطعمة التي تحرمها الشريعة الإسلامية، مثل لحم الخنزير أو اللحم غير المذبوح على الطريقة الإسلامية.

ويضاف إلى ذلك كله أن الصين استغلت أراضي الإقليم في إجراء عشرات التجارب النووية، وأهملت الآثار الصحية السلبية التي ستعود بالضرر البالغ على سكانه، وهو الأمر الذي تسبب في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه بكين على سياستها الدينية المحايدة، وتنكر تلك الاتهامات جملةً وتفصيلاً، وتعتبرها مجرد مزاعم وأكاذيب من جانب عناصر انفصالية مشاغبة ومدعومة من قبل جهات خارجية معادية للصين، فإن بعض الجهات المحايدة، مثل منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية أكدت حقيقة تلك الاتهامات. فقد أصدرت المنظمة في 2005 تقريراً من 114 صفحة يثبت الإجراءات التعسفية التي تمارسها الحكومة الصينية ضد مسلمي شيانجيانك.

وأدى الاحتقان بين الحكومة الصينية والأويغور، إلى وقوع العديد من المصادمات في الإقليم، من أبرزها ما وقع في مدينة غولجا في 5 فبراير 1997، عندما تظاهر الآلاف من الأويغور للمطالبة بحقوقهم، وهو ما قابلته السلطة بعنف مبالغ فيه، وكذلك أحداث أوروميتشي في 5 يوليو 2009، عندما اندلعت اضطرابات عرقية بين الأويغور والهان، مما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا.

يمكن أن نلاحظ اختلافاً في التوجهات السياسية لدى الدول الإسلامية الشرق أوسطية في تعاطيها مع المسألة التركستانية.

فتركيا التي ترتبط بالأويغور بروابط عرقية قوية، حرصت في عهد آخر سلاطينها العثمانيين الأقوياء عبد الحميد الثاني على أن تقوي علاقتها بمسلمي الأويغور، وكان ذلك مسايراً لخطة عبد الحميد الرامية إلى توطيد نفوذه الروحي في أوساط مسلمي الهند والشرق الأقصى.

وبعد فترة طويلة من ركود العلاقات بسبب سيطرة التوجهات الكمالية العلمانية في تركيا، عادت العلاقات مع الأويغور مرة أخرى في 1991، عندما تمكن الزعيم التركستاني عيسى يوسف من لقاء الرئيس التركي تورغوت أوزال، وتم بعدها عقد المؤتمر الوطني الأول لنواب تركستان في إسطنبول في ديسمبر 1992.

ولكن الدعم التركي تراجع بعد الضغط الذي مارسته بكين على أنقرة، ولعبت العلاقات الاقتصادية بين الدولتين دوراً كبيراً في التخلي عن القضية التركستانية.

ومع وصول أردوغان إلى السلطة في تركيا، بدأ الدعم التركي يعود مرة أخرى للأويغور، إذ أكد الرئيس الحالي لتركيا رجب طيّب أردوغان على دعمه للتركستانيين الشرقيين، وقام بزيارتهم أثناء رحلته للصين في يوليو 2015، كما سهّل دخول المئات منهم للأراضي التركية.

أما إيران، فرغم أنها تعمل دائماً على إظهار نفسها كداعم رئيسي للأقليات الإسلامية في شتى أنحاء العالم، إلا أن حالة تركستان الشرقية تمثل شذوذاً واضحاً عن ذلك النهج.

Comments

عاجل