المحتوى الرئيسى

جدعون ليفى يكتب: حراس «الكوشير».. إسرائيل تتدهور نحو الظلام | المصري اليوم

04/15 01:26

هكذا تبدو الدولة اليهودية التى يريد الكثيرون من الإسرائيليين الحفاظ عليها بأى ثمن: حارس مسلح عند مدخل مستشفى يفتش الحقائب. لا يبحث عن قنابل ولا عن أحزمة ناسفة، فهذا الأسبوع عيد، وهو يبحث عن شىء آخر، الحارس المسلح يبحث عن الخميرة، يقوم بفحص كل طعام يدخل إلى المستشفى، إنه يتبع الشريعة اليهودية ويحرص على أن يكون كل شىء «كوشير»، أى حلال. ويحظر إدخال أى شىء يُشتبه فى أنه غير حلال، حسب رأيه. وإذا كان هناك شك، لا يوجد شك، فإذا لم تكن هناك شهادة صلاحية تقول إنه «كوشير» وحلال لعيد الفصح يتم إلقاء الطعام فى القمامة فورا، أو يُعاد إلى المنزل. لقد أصبح حارسنا صديقا لـ«هامان»، (وزير فرعون فى زمن النبى موسى)، والآن باتت لديه صلاحية دينية. وكأنه لا يكفينا 18 ألفا من مراقبى الكوشير والحلال فى الأيام العادية فى الدولة اليهودية الديمقراطية، التى يوجد فيها فقط واحد على ألف من هؤلاء لمراقبة سلامة البناء، فقد أُضيف الآن الحراس وضباط الأمن ومَن يفتشون الحقائب كجنود فى جيش الرب. ولم تعد الدولة تقتحم الحقائب فقط، بل باتت تقتحم المعدة أيضا.

نعيش فى عام 2017، لكن الواقع ينتمى للعصور الوسطى. وبوسع إسرائيل التلويح كما تشاء بأنها الديمقراطية الوحيدة، أو بأنها صديقة الشواذ، لكنها فى الحقيقة دولة ظلامية، قسرية قمعية يزداد الظلام فيها. وهناك مجموعة من الغيوم الثقيلة تغطى سماءها، فلا توجد دولة فى العالم تفتش فى الحقائب بحثا عن طعام محظور، ربما باستثناء إيران. والمشكلة هى أن شرطة الخميرة تمثل إسرائيل فعلا أكثر من «موبيل آى» (شركة إسرائيلية متخصصة فى تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة، اشترتها شركة إنتل الأمريكية، فى مارس 2017، مقابل أكثر من 15 مليار دولار)، ويعبر مراقب الخميرة عن إسرائيل أكثر مما يفعل عاموس عوز.

إليكم ما كُتب فى هذا الأسبوع فى مداخل المستشفيات، التى أصبحت أكثر تعقيما من غرف العمليات: «تم إعداد المكان لعيد الفصح حسب الشريعة اليهودية. نناشدكم عدم إدخال الطعام الذى يحتوى على الخميرة طوال أيام العيد، مسموح بإدخال الفواكه والخضروات والمنتجات المعلبة حسب قواعد الفصح للطعام الكوشير (الحلال)».

التوقيع: حاخام المستشفى، مدير قسم الدين وشؤون الحلال والإدارة. وفى الحقيقة، الحلال القسرى الإجبارى موجود فى جميع مطابخ المستشفيات، والتى كان ينبغى مقاومتها منذ فترة طويلة. ولكن الآن يُحظر إدخال الطعام بدون ختم الصلاحية والحلال. من حق المتدينين الحفاظ على شعائرهم الحلال، ومن حق العلمانيين أن يأكلوا كما يريدون. إلا أن هذه الجملة البديهية المفروغ منها تُعتبر اليوم مؤامرة فى إسرائيل.

بكلمات أخرى، ليس لأى إسرائيلى الحق فى أن يأكل كما يريد أثناء علاجه أو أثناء تواجده فى مؤسسة حكومية أخرى. وحقيقة أن حوالى خُمس المرضى على الأقل هم من العرب، ومثلهم عدد كبير من رجال الطواقم الطبية، فضلا عن عدد أكبر من ذلك من غير اليهود أو أنهم مجرد علمانيين، هى حقيقة لا تهم أحدا.. فليأكلوا الفطير ويختنقوا، أو- حتى- لا يأكلوا شيئا، فليقولوا شكرا. ويأكل آلاف السجناء الفلسطينيين الفطير بعد عيد الفصح بأشهر كثيرة من أجل استهلاك الكميات الفائضة. ويمكن للمرضى العرب الكف عن أكل الخبز لأسبوع. لقد أردتم دولة يهودية، وها هى.. تفضلوا. وإذا لم تريدوها، فهذه مشكلتكم.

يقبل الإسرائيليون هذا الواقع كأنه قدَر من السماء. ولا أحد يحتجّ تقريبا، هذا ما يحدث فى المجتمع الغائب عن الوعى. وحقيقة أن كل ذلك يحدث فى العيد، الذى يُعتبر عيد الحرية، تضيف بعدا آخر للواقع، الذى هو كل شىء، فضلا عن كونه مُضحِكا. ما يحدث على الأرض أقل إضحاكا، فالناس يقومون بتهريب الطعام، الحمص ورقائق الشيبسى والسلطة، فى الجيوب وتحت السترة وفى كيس الغسيل. وقد قمت هذا الأسبوع بتهريب ربع دجاجة مغطى ببنطلون البيجاما. وهناك مرضى ينتظرون الطعام المطهو فى البيت.

أخبرونى: ماذا حدث؟ إنه أسبوع واحد فقط فى السنة. قولوا: ما الفظيع فى الأمر؟ إنه مجرد طعام.

وماذا سيحدث للدين؟ الموضوع ليس أسبوعا، الأمر أفظع مما يبدو. فى الوقت الذى تتفاخر فيه إسرائيل بتنورها، تعجز حتى عن الشعور بأنها تتدهور نحو ظلامها. نعم، فالدولة التى تتصرف هكذا هى دولة ظلامية. والأخلاق والعقائد لن يحفظها الحراس. وعندما تصبح إسرائيل فى يوم ما أكثر ديمقراطية وأقل يهودية، إن شاء الله، سيستطيع كل إنسان أن يأكل ما يريد فى أى مكان يريد. هل يبدو هذا الأمر مُبالَغا فيه؟ فى إسرائيل 2017 يبدو هذا خياليا كـ«اليوتوبيا».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل