المحتوى الرئيسى

في ذكراها الـ89: ماذا قدمت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظري؟

04/14 23:29

جماعة وُلدت من أجل أن تُحدث هزة كبيرة ودوياً هائلاً في الأمة المسلمة كلها من أقصى شرقها إلى أقصى غربها.

وقد شاء الله لها أن تنطلق وقت أن سقطت دولة الإسلام، لتكون غايتها العظمى من وجودها بعد مرضاة الله أن تعمل على إعادة هذه الدولة المسلمة؛ الدولة القوية المركزية التي تسير بمنهج الله، وتعمل على حفظه، وحفظ أمته.

جماعة أسسها مجدد عبقري؛ حسن البنا المُلهم الموهوب، كما وصفه أحد أكبر تلامذته المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثالث في كتابه عنه.

وقد لاقت جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا تسليطاً من الضوء لم يُكتب لغيرهما من الحركات والأحزاب والدعاة في القرن الماضي، وعلى طرفي النقيض هاجمهما الخصوم إلى حد الرمي بالعمالة والمروق من الدين، ومدحهما وأثنى عليهما الموالون إلى حد القطع بتجديدهما للإسلام في هذا القرن الفائت دون غيرهما.

وبذلك بلغت هذه الجماعة ومؤسسها حداً من العظمة يشهد به هذا الخلاف الكبير حولها في التقييم والرؤية، وذلك كما يقول المنفلوطي في وحي قلمه عن العظماء الذين دائماً ما يحدث حولهم هذا التناقض الكبير في الحكم مع لغطٍ ودويّ.

ونحن اليوم في الذكرى التاسعة والثمانين لانطلاقة هذه الجماعة المباركة، نعرّج سريعاً على أهم ما قدمته للإسلام ولمشروعه.

أول ما قدمته هذه الجماعة وجددت فيه هو فكرة العمل الجماعي الحركي من أجل خدمة الفكرة الإسلامية وتحقيق المشروع الإسلامي، وكل عمل إسلامي جماعي حركي قبل مجيء جماعة الإخوان المسلمين لم يكن يحمل إلا جزءاً من الجماعية وجزءاً من الحركية، ولم تكتمل هذه الجماعية وهذه الحركية إلا في جماعة الإخوان، وكل جماعة وحركة أتت بعدها هي بنت لفكرتها وخارجة من تحت عباءتها، ونستطيع أن نقول في النهاية إن هذا الشكل الجماعي الحركي المحكم الدقيق الذي باتت تعمل به ومن خلاله أغلب الجماعات الإسلامية هو شكل أوجدته جماعة الإخوان، فلها هي براءة اختراعه وسابقة العمل به.

تأتي بعد ذلك فكرة العمل السياسي، والنضال الشعبي والديمقراطي من أجل وصول الحركة لسدة السلطة لتحقيق مشروعها الإسلامي ورؤيتها الشرعية لسياسة الأمة في كافة نواحيها ودروبها.

ولم يُعهد قبل نشأة الإخوان المسلمين وجود هذا البعد في أي جماعة أو حركة أو حزب، كانت الجماعات والحركات -إن وُجدت- لا تهتم إلا بالعمل الدعوي والاجتماعي الخدمي، ولم تكن فكرة أن تعمل جماعة إسلامية على البعد السياسي فكرة واردة، وقد اختُرعت هذه أيضاً على يد الإخوان المسلمين، ودفعها لذلك سقوط دولة الإسلام في تركيا في عام 1924، وبذلك صارت الدعوة لعودة هذه الدولة الإسلامية، والعمل من أجل ذلك، ومدافعة الأنظمة القُطرية الحاكمة الباغية فرضاً على الأمة كلها، وهو ما قامت به جماعة الإخوان، فكفت الأمة جهده وثمنه، وثمنه ثمن باهظ تدفعه الجماعة وأفرادها حتى الآن؛ تدفعه من أعمارها وأموالها ودمائها في صورة ملحمية تاريخية عنوانها (الإخوان وأنظمة الطاغوت).

وشمولية الإسلام؛ تلك الفكرة التي نادى بها الإخوان المسلمون منذ نشأتهم، وألحوا عليها حتى باتت تُعرف بهم وباتوا يعرفون بها، وذلك على الرغم من أن كل الحركات والجماعات الإسلامية من قبل الإخوان ومن بعدهم تنادي بهذه الفكرة، إلا أن إلحاح الإخوان عليها لم يوازه إلحاح مثله، واجتهاد الإخوان من أجل العمل في كافة المناحي لتأكيد هذا البعد الشمولي للإسلام ودعوته هو اجتهاد لا يضاهيه مثله ولا يطاوله غيره.

شمولية الإسلام لازمة من لوازم الإسلام منذ بداية وحيه وحتى نهاية عمر الدنيا، وليس جديداً أن يدعو داع إليها، ولكن الجديد الذي حمله الإخوان هو الإلحاح على هذه الفكرة، والصدع بها في ظل طغيان الفكر المعادي للإسلام ولمنهجيته، والذي أراد أن يحصر الإسلام في زاوية ضيقة من زوايا الحياة الكثيرة مثلما حدث للنصرانية بعد الثورة الحديثة عليها وعلى كنائسها وتسلطها.

وقد قدم الإخوان على مدار تاريخهم وسيرتهم صورة عظيمة للوسطية الإسلامية بين تيارات الإفراط والغلو من ناحية والتفريط والتمييع من ناحية أخرى.

فكانت دعوة الإخوان واسطة بين طرفي النقيض؛ طرف الإفراط إلى حد رمي الناس بالكفر والمروق من الدين لأتفه الأسباب والأفعال والأفكار، وطرف التفريط إلى حد قبول كل فكرة ووضعها تحت عباءة الدين، وتأويل كل فعل ليتماشى معه، ولا يُرفض ويحارب من جهته.

وقدم الإخوان للأمة في هذا الجانب أساطين الوسطية الإسلامية من العلماء والدعاة الذين أثّروا في حركة الدعوة الإسلامية من حولهم، حتى باتت الوسطية عنواناً أكبر لحركة الدعوة الإسلامية العامة في العقود الأخيرة، وبات التيسير ورفع الحرج هو منهج أغلب دعاة الأمة الثقات، بل وتغيرت طريقة كثير من دعاة الغلو والتشديد وتهذبت مشاربهم.

ولا يعني ذلك أن دعوة التطرف والعنف قد انقطعت في الأمة ويبست شجرتها، ولكنها موجودة وستظل، غير أنها لجأت بفضل دعاة الوسطية إلى أضيق الطرق وأصغر الساحات، فما عاد يسمع لها إلا النزر اليسير من سواد الأمة الكبير.

ويبقى الحدث الداعشي حدثاً استثنائياً خارج إطار البحث والتطور الفكري والدعوي والسلوكي، وهو حدث له أبعاده المخابراتية والتآمرية أكثر من أبعاده الفكرية والعقائدية.

وتأتي فكرة العالمية كفرة لها بعدها الكبير عند جماعة الإخوان، فالعالمية فكرة لصيقة بالإسلام وبمشروعه، لكن أن تكون لصيقة بجماعة وحركة وتنظيم يعمل لخدمة المشروع الإسلامي، فهذا هو الجديد.

لقد صنعت جماعة الإخوان المسلمين بعداً عالمياً لحركتها وتنظيمها، ونادت من أول يومها بجماعة عالمية واحدة القيادة والتنظيم والرؤية، من أجل أن تسعى بذلك لهدفها الواحد، وهو إقامة الدولة الإسلامية الواحدة التي تنتظم فيها كل بلاد الإسلام في شتى البقاع.

وأصبحت عالمية التنظيم من أهم جوانب الصورة للإخوان المسلمين، إلى أن جاء زمان أخير مالت فيه بعض فروع الجماعة في البلدان المختلفة إلى فك ارتباطها بالجماعة الأم وبتنظيمها العالمي؛ لتحاشي الضغط العالمي الدولي والمحلي المتمثل في أنظمتها القُطرية، ولرؤى فكرية خاصة أصبحت تظهر في نواح مختلفة ويحدث حولها الخلاف بين الأقطار والفروع المختلفة.

ويبقى التساؤل: إذا عجزت جماعة الإخوان يوماً عن إقامة تنظيمها العالمي لتحتوي فيه فروعها ذات المشرب والمنهج الواحد، فكيف ستنجح يوماً في إقامة الدولة الإسلامية الواحدة التي تحتوي البلدان والأجناس والأعراق المختلفة؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل