المحتوى الرئيسى

الإرهاب يبدأ كفكرة فى عقول البشر | المصري اليوم

04/14 22:19

حينما أنشأت دول العالم الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، خصّت إحدى وكالاتها المُتخصصة لكى تتولى التعامل الإنسانى الرشيد مع عقول البشر- وهى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، واختصارها اليونسكو (UNESCO) United Nation is Education Science، and Cultural Organizations. وتُقرأ العبارة المنقوشة على مدخل مقرّها فى باريس: «الحرب تبدأ كفكرة فى عقول البشر، وكذلك السلام».

والعبارة لا تُلخص فقط أهداف تلك المنظمة الدولية، بل هى تُلخص فى الواقع كل ما انتهت إليه العلوم الاجتماعية فى القرنين السابقين لإنشاء المنظمة. فالإنسان لا يولد ملاكاً ولا شيطاناً. ولكنه يولد كقطعة عجين أو صلصال، قابلة للتشكيل والصياغة، فينمو تدريجياً لإنسان ناطق، ويتعلم المشى، وعادات أسرته، ثم مجتمعه الأكبر من خلال الأقارب ورفاق اللعب ثم رفاق الدراسة إذا قُضى له أن يذهب إلى المدرسة، وهكذا حتى يشب عن الطوق شاباً ثم يافعاً ثم رجلاً.

ويقول لنا عُلماء النفس والاجتماع إن المرحلة الحرجة فى نمو الشخصية هى تلك المُمتدة من الخامسة إلى الخامسة عشرة، فتلك هى المرحلة التى تتكون فيها النزعات والقيم والمهارات الشخصية، الجُسمانية والذهنية والاجتماعية.

وتلك السنوات العشر الحرجة هى التى تحرص فيها جماعة الإخوان المسلمين أو أى جماعة سياسية عقائدية أخرى على استمالة الصبية والشباب فيها، وغرس أفكار ومُعتقدات ومُمارسات الجماعة فيها. وقد تتفاوت الحركات الاجتماعية- السياسية فى برامجها وقدراتها التثقيفية والتربوية. ولكنها جميعاً تحرص على الصيانة المُبكرة لأعضائها.

وفى حالة جماعة الإخوان المسلمين، كان المؤسس حسن البنا نفسه مُعلماً تربوياً، حرص منذ بداية دعوته فى مدينة الإسماعيلية فى منتصف عشرينيات القرن العشرين على هذا النهج فى استمالة تلاميذه وتجنيدهم وإعطائهم الشعور بأنهم سيستعيدون الفردوس الذى كان فى عهد الرسول «صلى الله عليه وسلم» وخُلفائه الراشدين. وكانت شعارات الجماعة وهتافاتها من قبيل: الله أكبر ولله الحمد، الرسول زعيمنا، والإسلام ديننا، والموت فى سبيل الله أغلى أمانينا.

ويتم تلقين أعضاء الجماعة تاريخاً إسلامياً انتقائياً، لا يحتوى إلا على كل ما هو إيجابى وجذاب ومُفرط فى المثالية. كما يتم فى فترة التجنيد تلك عزل الشاب عن كل ما يمكن أن يُقدم له بدائل مُخالفة أو مُختلفة. ومن ذلك حضه على اجتناب الآخرين من غير أعضاء الجماعة، وشغل كل وقته إما باستذكار دروسه، أو بأدبيات الجماعة، أو بأنشطة الجماعة نفسها. ومن ذلك أن الجماعة تُهيئ له فُرصاً للرحلات والأنشطة الرياضية والتدريب العسكرى، وقراءة أدبيات الجماعة والصلاة مع الجماعة، والصوم مع الجماعة. وباختصار، يتم تقليص الوقت الذى يمكن أن يقضيه بعيداً عن الجماعة، بما فى ذلك أسرته وأقاربه، اللهم إلا إذا كانوا هم أنفسهم قد تم تجنيدهم من قبل.

وهكذا يصبح الشاب المُرشح للقيام بعمل جهادى فدائى جاهزاً، بل مُشتاقا لنيل شرف الاستشهاد فى سبيل الله ونُصرة الإسلام. فذلك كله من أجل هدف نبيل، ألا وهو استعادة الفردوس الذى فقده المسلمون، منذ حادوا عن طريق المصطفى (الرسول)، وأهملوا شرع الله، واستغرقتهم الحياة الدنيا!

والمسلم الحق، على هذا النحو، يؤمن إيماناً راسخاً بأنه فائز فى كل الأحوال. فدولة الإسلام فى هذه الحياة ستكون الفردوس الموعود. فإذا مات أو استشهد فى سبيلها فإن فردوساً أفضل ينتظره فى الآخرة، حيث الجنّات التى تجرى من تحتها الأنهار، وحيث الجوارى الحِسان، والإشباع من كل الملذات التى حُرم منها فى الحياة الدُنيا.

فلا غرابة إذن أن تجد هذه الدعوات من يتعلق بها، ويكون مُستعداً للتضحية من أجلها. ومن هنا وفقط يمكن استيعاب رغبة بعض الشباب، بل تسابقهم من أجل نيل شرف الشهادة والاستشهاد.

وعودةً إلى ما بدأنا به حول شِعار اليونسكو، وهو أنه كما أن الحرب تبدأ كأفكار فى عقول البشر، فكذلك السلام. وقد رأينا أن نفس الشىء ينطبق على الإرهاب، وعلى كراهية الآخر المُختلف. فتفجير الكنائس، وكذلك الاعتداء على الشُّرطة وجنود الجيش لا يتم تنفيذه إلا بعناصر شبابية تم تجنيدها وغسل مُخّها على النحو الذى يجعلها مُستعدة ومُهيأة للهجوم على أعداء الله وأعداء الإسلام وأعداء الرسول. أى كل من لا يرى رؤيته أو يتبع جماعته.

ولأن كل شىء يبدأ كفكرة فى عقول البشر، فلابد لمُقاومة التطرف والإرهاب من العودة إلى المُربع الأول، وهو التنشئة الاجتماعية المُغايرة للتنشئة الجهادية التكفيرية، التى تزدرى المُخالفين فى الدين أو فى المذهب أو فى الطائفة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل