فسيخ.. أمريكانى!! | المصري اليوم

مادام معظم الناس قرفوا من الساسة ومن السياسة.. حتى هبط تماماً مستوى مشاهدة البرامج الحوارية، وأغلبها سياسة، فلماذا لا نخفف عن الناس من ضغوط الحياة.. وبالذات بعد كوارث الغلاء وارتفاع الأسعار.. ونبتعد عن السياسة، حتى لو كتبنا عن الفسيخ، معشوق المصريين، خصوصاً فى هذه الأيام.. ونحن على أبواب عيد الفسيخ الأكبر المشهور بعيد شم الفسيخ.. وهو المنافس لعيد الفسيخ الثانى، أول أيام عيد الفطر.. أنا نفسى أرى ذلك لكى نجنب أنفسنا متاعب الكلام عن السياسة، الذى لا يعجب أى سلطة.. ولا يرضى أى سلطان، فى أى مكان من العالم. ولذلك، ليس أقل من أن نكتب عن الفسيخ.. مهما حذرنا منه الأطباء.. وهى تحذيرات عمرها آلاف السنين.. ورغم ذلك مازال المصرى يأكل الفسيخ منذ آلاف عديدة من السنين!! إذن هيا إلى الفسيخ وعالم الفسيخ.. ويا سلام على رائحة الفسيخ، حتى قبل أن نأكل الفسيخ!!

والفسيخ يجود فقط بتمليح العديد من العائلة البورية.. وأشهر ما يتم تمليحه منها هو البورى والطوبارة والجرانة والدهبانة والسهلية.. ويا سلام لو كانت أنثى مبطرخة أى غنية بالبطارخ.. وأهل الخليج يطلقون عليها: البيوض «أى بيض السمك».. أو الحبول أى السمكة الحاملة ملايين البطارخ، أى البيض، وهو الأكثر غنى بالفوسفور والكالسيوم والكوليسترول.

وأفضل أسماك العائلة البورية هى تلك التى تعيش فى البحار المفتوحة.. وأيضاً البحيرات، بشرط أن تكون مياهها سليمة، أى بدون صرف زراعى أو صناعى أو صرف صحى.. ولذلك أيضاً بورى البحار والبحيرات المفتوحة، وليس بورى المزارع، أو كما يقول عنها الدمايطة وأهل بورسعيد.. البورى النشاوى.. وتعرف جودة السمكة إذا كان بطنها نظيفاً لأن المياه الراكدة ــ كما فى المزارع السمكية حتى الآن ــ تجد بطن السمكة يميل لونها إلى الأسود.. ولذلك كانوا قديماً يقولون إن بورى بحيرة المنزلة أفضل من بورى بحيرة قارون المغلقة فى الفيوم، وذلك قبل أن تتلوث مياه المنزلة بكل الموبقات.

ولأننا أصبحنا نستورد كل شىء.. حتى الأسماك.. فإن مافيا استيراد الأسماك توصلت ـــ ومنذ سنوات ــ إلى نوع من البورى الأمريكى الذى يعيش فى الشاطئ الشرقى لأمريكا الشمالية، وبالضبط الجنوب الشرقى، أى عند مدخل خليج المكسيك ــ من المحيط الأطلنطى.. حيث المياه الدافئة. وأخذ المستوردون يقبلون على استيراد هذا البورى الأمريكى، وهو جيد، وإن كان ظهره يميل إلى الأسود أو الرمادى الغامق.. عكس البورى المصرى.. الفاتح.. وكانوا يستوردونه فى موسم صيده فى أمريكا ويقومون بإخراج بطارخه ــ بيضه ــ ويحولونها إلى بطارخ، وبالذات بعد أن صار ثمن كيلو البطارخ أكثر من ٦٠٠ أو ٧٠٠ جنيه!! أما السمك ــ بعد سرقة البطارخ ــ فيباع «فوارغ» بنصف سعر البورى البلدى.. يعنى للغلابة!!

وهكذا عرف صناع الفسيخ فى مصر هذا السر.. منهم من يتولى تمليح هذه الفوارغ بعد تنظيفها وحفظها فى سائل ملحى بالزيت.. فيعتقد المشترى أنه يشترى الأفضل.. فضلا عن تناول الفسيخ منظفاً.. وبالسعر الغالى، وهو ما تطلق عليه «فسيخ الست الكتعة» التى تلجأ إلى شراء الخضار المجهز.. حتى البطاطس وليس الملوخية والبامية فقط.. ومادمنا فى موسم الفسيخ فإن الفسخانية يقومون الآن بتحويل البورى الأمريكى إلى فسيخ كامل.. ويعرض فى الأسواق بسعر فوق الـ١٢٠ جنيها للكيلو.. بينما كان الفسيخ البلدى فى العام الماضى بين ٧٠ و٨٠ جنيها للكيلو.. مستغلين فى ذلك موجة الغلاء.. وبعد أن توسعنا فى تصدير البورى البلدى المصرى!!

■■ وبعد أن كان الأمريكان يكرهون الفسيخ ورائحته.. ويطاردون أى مصرى يحمله وهو يدخل أمريكا.. أصبحوا ـ هم أنفسهم ـ يصدّرون لنا البورى الأمريكى ليصنع منه المصريون الشطار أشهر وجبة شعبية، هى الفسيخ.. وبالطبع لا يعرف المشترى الفرق بين البورى والجرانة والطوبارة.. ويأكلونه وأهو كله فسيخ.. بينما رأس البورى كبيرة ومدورة مكورة.. ورأس الجرانة والطوبارة صغيرة وثلاثية.. يعنى مثلثة.. أم هو كله عند العرب صابون!!