المحتوى الرئيسى

د . محمد أبو العمايم يكتب: عندما ضرب الإرهاب مدينتي | ساسة بوست

04/12 12:35

د . محمد أبو العمايم

د . محمد أبو العمايم

منذ 1 دقيقة، 12 أبريل,2017

عاد الإرهاب يطل علينا بوجهه القبيح، وكأن استباحته لسيناء لا تكفي، وكأن تفجيره لكنيسة واحدة لا يروي ظمأه لدماء الأبرياء. فها هو يطعننا بغدر في سويداء القلب ليزيد الوطن جراحًا إلى جراحه التي لم تندمل بعد.

وصل الإرهاب إلى مدينتي الصغيرة طنطا فضرب بعنف وفجر كنيسة مارجرجس ليخلف نحو ثلاثين قتيلًا وعشرات المصابين. عندما ضرب الإرهاب مدينتي أحسست بالغربة في وطني. عندما سمعت أنباء التفجير كتمتها في نفسي وأنا أمني نفسي بأنها إشاعة مغرضة أو حتى محاولة إرهابية باءت بالفشل.

حتى بعد أن تيقنت من الأمر، حاولت ألا أصدق. سارعت بمحاولة الاتصال بزميل والدي المسيحي الذي يقطن بجوار تلك الكنيسة لأطمئن عليه، لكن حتى وإن نجا فماذا عن كل تلك الأرواح التي سفكت دون حق وكل تلك الأنفس التي أزهقت دون أي مبرر؟ حاولت أن أخرج من ذلك الحصار النفسي لأطرح بعض الأسئلة المنطقية لعلها تساعد قليلًا في حل أحجية تلك التفجيرات الإرهابية التي توالت في الفترة الأخيرة.

وهنا تبادر إلى ذهني أسئلة منطقية منها:

أولًا: لماذا يصر الإرهاب على ضرب الكنائس باستمرار وفي أوقات تجمع المسيحيين على الرغم من استباحته للمسلمين بل وللسلفيين منهم في سيناء كما حدث مع أمين حزب النور بشمال سيناء الذي قتلوه بدم بارد؟

من الملاحظ بجلاء خلال الفترة الماضية أن الإرهاب طور أداءه وأهدافه فلم يعد يعنيه إلا شيء واحد: الكنائس وفقط، مع تعمد إحداث أكبر قدر ممكن من القتلى والجرحى عبر استهداف الكنائس في أوقات تجمع المسيحيين وهو بهذا يحقق عدة أهداف خبيثة منها:

– توليد شعور قوي لدى المسيحيين بأنهم أقلية مستهدفة مظلومة معتدى عليها والدولة لا تستطيع حمايتهم في كنائسهم، وهذا يمزق نسيج الوطن والسلم المجتمعي بعنف، فالعزلة الشعورية لجزء من الوطن وتحوصله مجتمعيًا خوفًا على حياته هي أولى خطوات الحرب الأهلية التي يسعى إليها الإرهابيون بقوة، فعندما يشعر المسيحيون بالخوف والرعب في كنائسهم وبيوتهم فيطالبون الدولة بإلحاح بالتحرك لحمايتهم، لكن الدولة تواجه تحديات جسامًا ومخاطر شتى فتعجز عن القيام ببعض مسئولياتها فتكرر التفجيرات، ومع تكرار العمليات الإرهابية يتولد شعور يقيني لدى المسيحيين بأن الدولة تتعمد إهمالهم لأنهم أقلية فيطالبون برحيل كبار المسئولين وبتأمين خاص لكنائسهم ومنازلهم، وذلك حدث بالفعل في تفجير الكنيسة البطرسية وحدث أمس في تفجير كنيسة مارجرجس، وفي المرة الأولى لم تستجب الحكومة ولم تعاقب أحدًا، أما في الثانية فلم تجد بدًا من إقالة مدير أمن الغربية، لكن المتابع للأحداث يرى بوضوح أن سقف مطالب المسيحيين يزداد تحت ضغط العمليات الإرهابية التي تنسف كنائسهم وسيصل ذلك السقف قريبًا إلى مستوى مطالب لا يمكن للحكومة تلبيتها، فهل سترفض الحكومة مطالبهم لتروي ذلك الإحساس المتنامي لدى شباب المسيحيين بالذات أم ستعوضهم بمزايا مجتمعية تحدث نوعًا من الحنق المجتمعي والتوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين؟ أم ستتدارك الأمر قبل حدوث كل ذلك وتبدأ طريق العلاج السليم قبل أن ينتشر المرض في جسد الوطن؟ لا أحد يعرف الإجابة فقط الحكومة والنظام القائم هم من يمتلكون الإجابة.

– مزيد من الضغط الأمني والمجتمعي على الإسلاميين المعتدلين خاصة الدعوة السلفية وحزب النور، فالمتأمل للمشهد خلال الشهور الأخيرة يلاحظ كثافة الخطاب الموجه لشباب الدعوة السلفية الموجه من داعمي العنف، ولعلي أتذكر الحديث المطول للشيخ محمد عبد المقصود والموجه أغلبه لأتباع برهامي – كما أسماهم هو – لحضهم على التخلي عن الدعوة السلفية وحزب النور والارتماء في أحضان أصحاب الفكر الصدامي، ويصاحب مثل تلك الخطابات رسائل أخرى مثل تفجير كنيسة في الإسكندرية معقل السلفيين فهي رسالة واضحة للأمن المصري وتحريض واضح ضد الدعوة السلفية على أمل أن تعيد الشرطة المصرية سيناريو «سيد بلال» مما يوغر صدور شباب السلفيين ويسهل جذبهم لمعسكر التكفيريين، فبهذا يكون التكفيريون تخلصوا من العائق الأول أمامهم والطرف الوحيد في مصر القادر على التصدي علميًا لهم ودحض شبهاتهم، فكما قال الباحث المعروف د. ناجح إبراهيم في حواره مع مجدي الجلاد: «الفرق الوحيد بين مطروح وسيناء والذي جعل مطروح بلا إرهاب بينما سيناء يصول فيها الإرهاب ويجول هو وجود الدعوة السلفية بقوة في مطروح وعدم وجودها بقوة في سيناء»، ترى هل الأمن المصري مدرك لذلك البعد أم سينفذ ما يسعى إليه التكفيريون؟

– الضغط الاقتصادي على الدولة المصرية، فدولة يهددها الإرهاب بعنف ويضرب كنائسها ويهاجم قواتها في سيناء هي دولة غير جاذبة للاستثمار الأجنبي، وكلما ازداد الوضع الاقتصادي سوءًا زاد الفقر، وكلما زاد غضب الشعب من السلطة القائمة سهل جذب الشباب إلى معسر الإرهاب.

ثانيًا: هل تحارب وزارة الأوقاف الإرهاب أم أنها كالدب الذي قتل صاحبه دون قصد؟

في محاولة من وزارة الأوقاف للتودد للنظام القائم يقوم بعض وكلاء الوزارة ومفتشيها وكبار رجالها بإيقاف الدعاة السلفيين المعتدلين بل ويطردونهم خارج مساجدهم التي يمارسون فيها الدعوة منذ عشرات السنوات، والعجيب أنه في أغلب الأحيان يتم استبدال آخرين بأولئك الدعاة السلفيين يكون سمتهم اللازم محدودية العلم الشرعي بل وبعض أولئك الدعاة التابعين للأوقاف يكونون متبنين للفكر الصدامي مع الدولة، نعم أخي الكريم هذا متواتر الحدوث للأسف فكثيرًا ما استُبدِل بالداعية السلفي الذي بذل حياته للدعوة إلى الله وتحصين الشباب من فكر التفكير والتفجير آخرُ منتمٍ للأوقاف لكنه متبن ذلك الفكر أو جاهل بكيفية الرد على شبهاته بالبراهين القاطعة، فتصبح حينها وزارة الأوقاف كالدب الذي قتل صاحبه.

ثالثًا: ماذا ينبغي للدولة أن تفعل حتى لا تتكرر مثل تلك الحوادث البشعة؟

عادة ما تتعامل الدولة المصرية مع الإرهاب بخطوات ثابتة لعل أبرزها توسيع قاعدة الاشتباه واعتقال عدد من الشباب، بعضهم بالفعل داعم للإرهاب لكن أغلبهم لا جرم له إلا أنه ملتحٍ ثم يتم الضغط بعنف على أولئك المعتلقين ظالمهم ومظلومهم وتحت وطأة التعذيب وظلام الظلم يتحول الشباب المسالم تدريجيًا إلى المعسكر المقابل، وتمضي شهور أو حتى سنوات ثم يخرج أولئك الشباب من السجون بعد أن ذاقوا الويلات دمرتهم حياتهم بالكامل ثم يواجهون الواقع المرير وقد نبذهم المجتمع بلا ذنب اقترفوه فلا يجدون أمامهم إلا الارتماء في محاضن الجماعات الإرهابية التي تلهث لضمهم إليها ليكونوا وقودًا لتفجير آخر وتدور الدائرة وإلى الله المشتكى.

لكي تتمكن الدولة من التغلب على خطر الإرهاب الذي ينخر في الوطن بعنف لابد أن تدرك جيدًا أن الحل الأمني بمفرده غير كاف وأن إثقال كاهل الشرطة بمسئولية كل شيء بداية من تأشيرات الحج والعمرة حتى جوازات السفر والجمارك أمر في غاية الخطورة، لذا فلابد من تطوير وتحديث القطاع الشرطي فلا يستقيم أن نزج بالضباط والمجندين في الشوارع في مواجهة الإرهاب دون تدريبهم وتسليحهم بأحدث الوسائل التكنولوجية التي تضمن سلامتهم وتيسر لهم أداء مهمتهم ولابد أن يصحب ذلك تفريغ الشرطة للقيام بدورها الأصلي وهو حماية الوطن، فلا يستقيم أن نحملها فوق طاقتها بكثير ثم نحاسبها على تقصيرها فكما قال الحكيم «إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع».

ولا مفر من إفساح المجال للدعاة المعتدلين أصحاب التأثير والحصافة والبيان وإن لم يكونوا تابعين للأوقاف، وحظر ظهور قليلي العلم والتأثير وإن كانوا من أصحاب العمامة الأزهرية، فمثلًا لا يتخيل عاقل أن يتم محاصرة بعض الشيوخ المعتدلين مثل شيوخ الدعوة السلفية الذين يذودون عن الوطن بالحجة والبيان والبرهان بينما يتم الإفساح لبعض من ليس له مقومات إلا انتسابه للأوقاف المخترقة فكريًا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل