المحتوى الرئيسى

أحمد المغاورى يكتب: الضربة الأمريكية نظرة على العقلية والأداة والمكان | ساسة بوست

04/12 12:21

منذ 7 دقائق، 12 أبريل,2017

هناك عقليتان تسيطران على القرار الأمريكي على مر التاريخ:

العقلية الأولى: عقلية القراصنة، وهي عقلية مهيمنة على القرار السياسي الأمريكي بطبيعة النشأة.

العقلية الثانية: عقلية المقامر، وهي عقلية مهيمنة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية الأمريكية، وظهرت كثيرًا في أفلام ومسلسلات أمريكية، ولتعرف أكثر عن هذه العقلية المقامرة، يمكنك مشاهدة فيلم Maverick تم إنتاجه عام 1994.

وتعد الاختلافات بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لا تندرج تحت بند سوء التفاهم حول القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية على المستوى العالمي، والذي يمكن أن تعالجه مواقف وإجراءات تكتيكية، وإنما هي اختلافات جذرية وأساسية في العقائد والمصالح والنوايا، مما سيجعل هذ الصراع بين النظامين مستمرًا وحادًا، وتحت هذه المظلة تأتي الضربة الأمريكية في سوريا، وتحريك قطع عسكرية باتجاه كوريا الشمالية، لتكشفا العقلية المقامرة في البيت الأبيض، فبجهد قليل وضربة معلم – كما نقولها في مصر- استطاع أن يحقق كثيرًا من النتائج لامجال لذكرها هنا.

لكن ما أود ان أنوه إليه، طبيعة سوريا والكوريتين الشمالية والجنوبية في العلاقات الروسية الأمريكية، وطبيعة استخدام القوة العسكرية المباشرة كأداة تحاور وتحقيق الأهداف في العلاقة بين القوتين العالميتين، ومن خلال تسليط الضوء على هذه النقاط ستتكشف لك نقاط غامضة في العلاقات الأمريكية الروسية، ولماذا سوريا، ولماذا الكوريتين؟

أ- سوريا والكوريتان الشمالية والجنوبية في العلاقات الروسية الأمريكية.

أولاً: سوريا هي منطقة نفوذ تاريخي روسي، وصمت أمريكي غربي، لكن بعد ثورات الربيع العربي، وما حدث من مأساة، أخذت الجغرافيا السورية في اتجاه أن تكون منطقة سيطرة روسية حالية؛ حيث أصبح لروسيا قواعد عسكرية دائمة لها في سوريا، ودخولها في الصراع بشكل مباشر.

وصاحب ذلك تصاعد النفوذ الأمريكي متمثلاً في التحالف مع الأكراد والتراخي في التعامل مع الوجود الجهادي بشكل عام، وتنظيم الدولة الإسلامية بشكل خاص.

كما أن سوريا تحقق لروسيا رغبتين مهمتين جدًا؛ أولهما أنها موطئ قدم راسخ في المياه الدافئة بعيدًا عن الحصار الأطلسي لها، فروسيا تعد دولة شبه حبيسة، ليس لها ممر للمياه الدافئة إلا عبر ثلاثة منافذ بحرية؛ المنفذ الأول عبر البحر الأسود، الذي يمر بمضيق البوسفور، وهو ممر مائي ضيق تسيطر عليه تركيا العضو في حلف الناتو، ويمكنها بسهولة أن تغلقه في وجه روسيا، المنفذ الثاني هو سانت بطرسبرغ، حيث يمكن للسفن أن تبحر في المياه الدنماركية، العضو في حلف الناتو، وهذا المعبر أيضًا يمكن أن يُغلق بسهولة أمام روسيا، والمنفذ الثالث هو الطريق الطويل من المحيط المتجمد الشمالي، الذي يبدأ من مورمانسك ويمر عبر الفجوات البحرية بين غرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة العضو في حلف الناتو.

ثانيًا: تعد سوريا الحليف الأخير لروسيا داخل الجامعة العربية، التي تعد منطقة نفوذ أمريكي تاريخيًا، ثم أصبحت منطقة سيطرة أمريكية حاليًا كأحد نتائج معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وحرب تحرير الكويت وحرب احتلال العراق. مع ما لمنطقة الشرق الأوسط من أهمية إستراتيجية في موازين القوى العالمية.

أولاً: طبيعة النشأة، حيث تعود أسباب تقسيم الكوريتين إلى عاملين:

1- العامل السياسي الذي تمثل بقرار تقسيم كوريا وفق مقررات مؤتمر «بوتسدام» 1945م.

2- نتائج نشوب الحرب الكورية 1950م، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية لكوريا الجنوبية، ونشوب بعض الاشتباكات بين قوات الدولتين، كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية حول خط التقسيم، وهو خط العرض «38» درجة الذي أصبح مسرحًا لمعارك عسكرية دائمة بين الطرفين، وارتفاع وتيرة حوادث الشغب، أقدمت بعض قوات كوريا الشمالية بزعامة «كم إل سونغ» على اجتياز خط العرض «38» درجة متجهة نحو الجنوب بهدف تحقيق الوحدة الكورية، ومن ناحية أخرى كان «إي سنغ مان» رئيس جمهورية كوريا الجنوبية لا يقل حماسة للحرب على الشماليين، والذي رفع شعار «الزحف نحو الشمال»، لإعادة توحيد البلاد بالقوة، وطلب دعمًا عسكريًا من الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع انتصارات القوات العسكرية الشمالية وتقدمها نحو العاصمة سول، أحالت الولايات المتحدة الأمريكية الموضوع لهيئة الأمم المتحدة لمناقشته، وأصدر مجلس الأمن قرارًا تضمن ثلاث نقاط:

1- شجب الهجوم المسلح الذي قامت به كوريا الشمالية.

2- الدعوة إلى وقف الحرب.

3- سحب قوات كوريا الشمالية إلى خط عرض 38 درجة.

لكن لتطبيق هذه القرارات نشبت حرب من أعنف حروب التاريخ الحديث دموية انتهت بترسيخ التقسيم بين شطري شبه الجزيرة الكورية.

ثانيًا: شكلت الحرب الكورية اختبارًا لميزان القوى بين الدول العظمى «الصين والاتحاد السوفيتي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى»، حيث أثبتت عجز الطرفين عن حسم الحرب لصالح أي منهما، فتكرس مبدأ توازن القوى بين الدول العظمى، وكانت النتيجة تكريس الانقسام في كوريا تبعًا لانقسام النظام الدولي آنذاك إلى قطبين، وما تزال شبه الجزيرة الكورية مقسمة حتى الآن دون أن تنجح أي من الكوريتين في فرض الوحدة على الطرف الآخر.

ثالثًا: منذ ذلك التاريخ وكوريا الجنوبية منطقة سيطرة وحماية أمريكية، في حين أن كوريا الشمالية منطقة نفوذ روسي وسيطرة صينية.

ب- القوة العسكرية المباشرة كأداة تحاور وتحقيق الأهداف في العلاقات بين القوتين العالميتين.

منذ أن أسس ريتشارد نيكسون خط الوفاق الأمريكي السوفيتي ـ الذي قرر وبوضوح أنه لا يمكن أن يقوم السلام بين الولايات المتحدة وروسيا «الاتحاد السوفيتي سابقًا» على أساس الصداقة المتبادلة؛ لأن قيم القوتين العظميين وأهدافهما تختلف كلية بعضهما عن بعض، ولكن العلاقة يمكن أن تقوم فقط على أسس منها:

1- الاحترام المتبادل لقوة كل منهما ومصالحهما الشرعية

2- منع نشوب حرب نووية بين القوتين.

3- دخول كلا الدولتين في تفاهمات حول إدارة التنافس بينهما، وسيتركز في المقام الأول على دول العالم الثالث التي تضمم سوريا وكوريا الشمالية.

ولتحقيق هذه الأسس والحفاظ على استمراريتها وترسيخها، استخدمت الولايات المتحدة عدة إستراتيجيات؛ منها الردع والتفاوض والتنافس على كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية. لكن منذ سقوط صدام حسين ثم القذافي بتدخل عسكري أمريكي مباشر وشعرت روسيا القادمة من سرداب الانهيار السوفيتي بأن أمريكا تلتهم حلفاء الروس واحدًا تلو الآخر؛ فكان تعاملها مع بشار الأسد استجابة لهذا الشعور، ولتحقيق أهدافها المذكورة سابقًا، وأصبحت الأداة العسكرية طريقة حوار غير مباشر بين القوتين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل